Culture Magazine Monday  04/02/2008 G Issue 232
فضاءات
الأثنين 27 ,محرم 1429   العدد  232
 

القصيبي.. واليماني:
من ملحمة الوجد؟!
عبدالله الجفري

 

 

بانوراما

* يبقى (الشعر) في لغتنا العربية (الشاعرة).. هو: الزخم الهائل من التراث الذي يدعونا إلى حفظه، ونتطلع -انطلاقاً منه- إلى البحث عن الشعراء المبدعين والمجددين، في أمة لا يمكن لها أن تعقم!

فما بال الشعراء الجدد اليوم يعقمون.. فلا نجد في جديد بعضهم سوى تلك الصور التي تراوح ما بين الرمز المتجلط حيناً، والاقتباس من سريالية الفن، بحيث تأتي الألوان، والمعاني، والتشبيهات: خليطاً يشبه (البلياتشو)!!

هذا سؤال ظل يشاكسني حين كنت أقرأ (نماذج) مما يسميه بعض الذين يعتقدون فيما (يكتبونه): شعراً، وتجديداً للشعر.. وفي اللحظة التي انتعشت ذاكرتي بنماذج من الشعر الأصيل، ومن الشعر الذي أحدث به مبدعوه تجديداً حقيقياً.. وذلك في ما قرأناه وترنمنا به لبدر شاكر السياب، ونازك الملائكة، وصلاح عبدالصبور، ونزار قباني.. وهذا ال(الصوت) مثال من القديم:

(إن التي زعمت فؤادك: ملّها

جُعلت هواك، كما جعلت هوى لها

فبك الذي زعمت بها، وكلاكما

يبدي لصاحبه الصبابة.. كلها)!!

ومن شعر الكبير - محمد مهدي الجواهري:

وإنما أنا والدنيا، ومحنتها

كطالب الماء لما غُصَّ بالماء

أريدها لمسرات، فتعكسها

وللهناء.. فتثنيه لإيذاء!!

* ولشاعرنا الكبير (محمد حسن فقي)، رحمه الله:

ما شقائي بما أرى من عدوي

كشقائي بما أرى من حبيبي!!

* وللشاعر الرومانسي الراحل (طاهر زمخشري) يرحمه الله:

قلت: يا ناعس الجفون أماناً

من تجنيك، إذ أطلت الجهاما

أما ترى الورد في خدودك بساماً

على موجة من النور: عاما؟!

ضاحكاً كالصباح في بهجة العيد

طروباً كأغنيات الندامى؟!

* ولشاعر اللؤلؤ الكبير - غازي القصيبي:

وياكل أفراح.. كل الطيور

أنا كل أحزان من قيدا

دموع الجموع على ناظري

وذل اليتامى، وخوف العدا!!

* إننا نلوذ إلى (الشعر) كلما عصفت بالنفس لوافح من هجير الحياة، وكلما احتجبت عن الفؤاد شموسه، وغابت أقماره، وانحبست ارتجافاته.. ففي الشعر هذا البهاء الحافل بالرؤى، وتلك الأصداء التي تروي الخفق كلما عطش!

وفي هذا الاحتماء من شظف المشاعر، تلفت إلى بعض (الصور) في الشعر الغنائي الحديث، وقد استرجعت بيتاً صاغه باللهجة العامية المصرية (بديع خيري)، فقال:

- (قلبي.. كل ما تقوى ناره وأنت فيه

أخاف عليك من قلبي.. كل ما تقوى ناره)!!

وأحسب أن شاعراً من المدينة المنورة، هو السيد (أنور عشقي)، كان قد سبق (بديع خيري) إلى رسم هذه الصورة، فقال:

- (فأعجب من الحور قد بوِّئن نيرانا)!

* وجاء شاعر غنائي آخر، هو (أحمد رامي)، كتب قصيدة غناها (عبدالوهاب)، فقال فيها:

(أشوف خيالك في الوحدة دي قدامي

أكلمك، وأسمع حسك، وأشكو غرامي

وأقوم أضمك.. ما لقاشي غير أوهامي)!

* وهذا المعنى، سبق به (ابن زيدون) في بيتين معروفين، قالهما:

(أما رجا قلبي.. فأنت رجاؤه

يا ليتني أصبحت بعض رجاك

يدنو خيالك، حين شط مزاره

وهم.. أكاد به أقبل فاك)!!

ملحمة الوجد:

وفي عام 1402هـ: قرأت أبياتاً من قصيدة لشاعر اللؤلؤ - غازي القصيبي، فبادرت وطلبت نصها منه، وسارع بتزويدي بها بخط يده، واحتفظ بها في (مقتنياتي) الأدبية - لؤلؤة لا يبهت وميضها.. وكان عنوانها: (كلمات من ملحمة الوجد)، وطالعتها اليوم من باقة المقتنيات، فحملت لي معها أصداء من تلك السنين، ونضج ذلك العمر قبل أن يهرم القلب.. وحسبت أنني حين قرأتها هذه المرة: واجهت وابلاً من الأشجان في زمن (يخجل الناس فيه من الحب).

ولعل هديتي الأجمل لكم هذا الصباح: كلمات من ملحمة الوجد - طبق الأصل:

أقول: أحبك!

في زمن يخجل الناس فيه من الحب

لا يخجلون من الحقد والكبر والبطش

لكأنما الحب يجرح فيهم إباء الفحولة

يحرجهم.. يتلعثم واحدهم حينما يذكر الحب

لكنني.. دون لحظة شك، ودون هنيهة خوف

أقول: أحبك!

أكتبها في الدفاتر.. أعلنها في المنابر

أزرعها في الغيوم

وأنقشها في الرمال

أقول: أحبك!

من غير أن أتحفظ أو أتردد أو أتراجع

أكتب حبك شعراً ونثراً

رقصة عمر.. وتاريخ وجد

وعصر حنيني.. وقرن غرام

وأحمل حبك بين عيوني، وفوق جبيني

وتحت الأظافر.. أحمل حبك حيث أروح، وحيث أجيء

وحين يسافر غيري في مدن المجد

أبحر في ناظريك

وحين يفتش غيري عن المال

أبحث عن بسماتك

وحين يفكر غيري

كيف يكون عظيماً شهيراً

أفكر كيف أكون جديراً بحبك

هذا الصباح نهضت فلاحظت

أن السماء أرق.. لأني أحبك

أن الغيوم ترش الرذاذ.. لأني أحبك

أن الورود أشد احمراراً.. لأني أحبك

قلت: صباحك نور وغيم وورد وحب!

القصيبي.. عازف فنان؟!

* وقبل حوالي عام (21-11-1428هـ): استمتعت بحوار صحيفة (اليوم) مع شاعر اللؤلؤ - غازي القصيبي الذي أخضعوه لأسئلة عن مشكلات العمل والعمال.. وكلما تحدث (أبو يارا) فالمستمع والقارئ لكلماته كمن يسترخي ويصغي إلى موسيقي: (بحيرة البجع)، أو (الدانوب) أو (شهرزاد).. فأجوبة (غازي) كانت عزفاً، وآراؤه في سخونتها نفثت الدفء في وجداني، حتى لو كان يتحدث عن قضايا تهم تطوير الخدمات للوطن.

وهو: الشاعر، الروائي، السفير، وزير الثلاث وزارات، الأكاديمي.

وسئل: كيف يرى القصيبي الواقع الثقافي بعد مرور أكثر من سنتين على تنصيب الثقافة في مسمى وزارة، وهل الركود الثقافي يؤكد أن الثقافة عمل اجتماعي وليس مؤسسياً، والحكومة هي داعم فقط؟!

فأجاب: قبل بضع سنوات ألقيت محاضرة بعنوان (ثقافة الثقافة) قلت فيها: إن الحرية لا المؤسسات الحكومية، هي التي تتيح نمو الإبداع الثقافي، وهو بطبيعته عمل فردي، وأعتقد أن الزميل الأستاذ إياد مدني يشاطرني في هذا الرأي ويسعى إلى توفير المناخ الملائم للإبداع، وأنا بالمناسبة، لا أرى ركوداً ثقافياً، بل أرى حراكاً قوياً يختلط فيه الغث بالسمين.

* وعن الوقت الذي يقتلصه للكتابة والأدب، وهو يتقلد مناصب عدة.. قال:

- السر أنني لا أضيع أوقاتي في المجاملات الاجتماعية، ودوريات الغذاء والعشاء، وجلسات البلوت، وأحرص على تنظيم وقتي بدقة، خلال ساعة يستطيع المرء أن يرد على عشرين مكالمة، ويكتب عشرين رسالة قصيرة بالطبع، ويوقع مائة معاملة، ويستقبل خمسة زوار، ويستطيع أن يجلس على مقعده مفكراً ساهماً، يحاول أن يحل مشكلات العالم.. أريد أقول: إني لا أحاول حل مشكلات العالم!!

إن حزن - د. غازي يفيض على حفافي الكلمة، يتحول مزماراً، وجداً فقده الناس في زحام هذه القهقهات المرتدة بجهل الفرح!

فكيف يمكن أن نختلف على الحزن؟!!

إن الاختلاف بين الناس.. هو على الفرح فقط (!!).

وأعرف - كذلك - عاطفة الدكتور (غازي القصيبي) نحو التراث أو القديم، بنفس حماسه وغنائه للإبداعات الجديدة.. ولذلك بادر هذا الذواق للكلمة، إلى تجميع أبيات من الشعر القديم والحديث تحت عنوان استمده من البيئة، فأسمى هذا الديوان العربي: (في خيمة شاعر)، وكانت حصيلته التي وصفها بأنها (عشوائية): أبيات أعجبته وأحبها، وأجاب على أسباب اختياره لها بسؤال قاله:

- هل للحب تبريرات منطقية؟!!

ويمتد حماس الشاعر (القصيبي) لشعره العربي - القديم والحديث، فيعكف على إنتاج عمل مفيد، ولعله (إعلامي) بالدرجة الأولى.. حين يختار قصائد لشعراء معاصرين من أقطار عربية عدة، بينهم الشاعر التقليدي، والكلاسيكي، والشاعر الحديث، أو الحداثي.. ويشارك في ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية مع السيدة(Ann Farbain).. ليتبلور من خلال هذا الجهد عشقه للشعر العربي، ودوافعه نحو ضرورة تعريف غير الناطقين بالضاد على الشعر العربي بناءً وصوراً، وفكرة، وموضوعاً!

إنه المازال يتوهج، ويحترق.. مثل قنديل ساهر في أصداء الحزن المغترب!

إن وهجه وضوءه.. ينعكسان على قرميد يكشف قامة هذا الزمان!!

* نسيان عمرنا يبدو ضعيفاً يا سيدي أمام حضور شبابنا الذي يتجدد بدمعة الفرح!

وفي أعماق أحداقنا هذه الملامح التي تتجسد، تكبر بالكبر، وبالدفء.. تصبح هي أجنحتنا التي نطوف بها مساحات الأرض، ونقطع بها مسافات الزمن.. هي التي تمنحنا ملكية مساحات الوجد الأكبر!

ونجعل هذا الحنين المبرح فيما بعد، هو: عالمنا الذي لا نندم عليه أبداًَََ!!

القصيبي واليماني وحب يتجدد:

* وندخل إلى بهاء المساجلة بين - د. غازي القصيبي، ود. محمد عبده يماني، وقد كشف عن موهبته - شاعراً، وأخذ على زميله وصديقه أن يتغزل وقد وهن العظم منه واشتعل الرأس شيبا.. فكتب إليه كلمات يعبر فيها بالشعر نحو الأيام الخوالي (وأن يعود إلى رشده!!)، فقال:

وكم راقبته وأنا وزير

يصوغ الشعر في أحلام صحب

وكم ناصحته وأنا صديق

وكم جاريته، ونسيت عتبي!

وتذكرني هذه القصيدة التي أفصحت عن - د. محمد عبده يماني الشاعر، بقصيدة أطلعني عليها ولكنه رفض تصوير نسخة منها لي خوفاً من نشرها.. وهي قصيدة مماثلة في النصح خاطب فيها صديق عمره وشاعر الصهيل الحزين - د. عبدالعزيز خوجة ملمحاً له أن يكف عن الغزل (!!) واتصلت هاتفياً في بيروت بالصديق المتدفق رومانسية - د. عبدالعزيز خوجة: أرجوه، (أشحته) نسخة من القصيدة، لكنه خاف من زعل رفيق عمره واعتذر لي!!

وكنت أتمنى أن أنشر الآن القصيدة - النصح المتضامنة مع ما كتبه للشاعر - غازي القصيبي.

ولما علم - د. يماني أن صديقه - د. غازي عاتب عليه، كما أبلغه الطير الأخضر، سارع إلى نشر القصيدة الأخرى بعنوان: (ما لاعتذار لأبي سهيل ويارا)، ولكنه أراد الدعابة للشاعر الذي يعترف (بغشامة) المداعب في الشعر.. فكتب له:

وسوف أبقى (يماني)

من صاد معكم (حباري)

كنا بصحبة قوم

كانوا هم الأخيارا

وفي معية شيخ

يصاحب الأحرار!

وبعض الرجال لا يسكب (فضائله) إلا عندما يستأنس بحريته!!

وهذا (العالم)، (المفكر) - محمد عبده يماني: تدفق الكثير من (فضائله) بعدما استأنس بحريته.. أي: بعد أن شعر بقدرته على التعبير، وبكل هذه الشساعة في مساحاته وامدائه ليعبر، وليصطلح مع مجموعة من (الرؤية) التي كانت تتموه أمامه في فترة حضوره الرسمي كوزير لجهاز من المفروض أن يطلق شعلة (التعبير)، و(حرية الرأي) في ماراثون: تحرر الوعي في مقابل: حرية الرأي!

ولقد عاصرنا تلك المرحلة التي سلمت له فيها (شعلة)، اسمها الرسمي: الإعلام.. ورسالتها الأبعد والأهم: تحرر الوعي، وحرية الرأي.. واستطاع (مدير الجامعة الأسبق)، والأكاديمي المتخصص في الصخور والكيمياء.. أن يجعل (الإعلام) - كجهاز - متحدثاً رسمياً بصوت (ولي الأمر)، وبفعل الحكومة.. والبعض: اعتبر خطوته هذه بادرة جريئة، أما هو فقال: بادرة تأخرت وقتاً طويلاً.. فلابد أن يعرف المواطن: ماذا ناقش مجلس وزرائه لبناء خططه التنموية؟!

وربما (مرقت) هذه المرحلة كطرفة عين.. ومازال العالم، المفكر - محمد عبده يماني، يحتفظ - فيما نحسب - بعبارة تقول: (الهواء النقي.. يهب من أقبية العقل الباطن)!

لذلك، وبعد ذلك.. سارع (محمد عبده يماني) إلى إشراع (الأقبية) في عقله الباطن.. فإذا هذا العقل: يجلس في (السطوح) أو في (الروف)، وكل الجهات الأربع ترفده بهوائها النقي، وتنقل عنه أفكاره!

لقد ابتكر هذا العالم المفكر - د. محمد عبده يماني: خطوة وراء خطوة، ونجح في تحديث التراث أو تخليق فكر له أب شرعي هو: التراث.. ونجح في إرساء تلك المعادلة بين: تحرر الوعي وحرية الرأي بصوت يرتفع فوق اللغط، ويتحول إلى هالة لضوء الشعلة.

واستطاع أن يبذر في تربة العقل: حميمية الوجدان.. فالإنسان في أعماقه لا ينفصل عن المفكر والعالم ولا ينفصم.. ينفر من كل شيء (أفقي)، ويطمح إلى (الرأسي) لتصعد أفكاره وآراؤه إلى مزيد من هذا العلو الذي يمكن كل الناس من رؤيته، وسماعه والتحاور معه.. والذروة في (مواقف) هذا العالم المفكر: تعبر عن فضاء شاسع يطوف ب (الحلم) صار في واقع هذا العالم المفكر: انفراجاً، أو (فرجاً) يلطف به الله عز وجل سائر أمته.

قلت مرة لرفيق العمر - محمد عبده يماني: كيف تزهر (الوردة) من الجرح - حسب تعبير كاتب عربي؟!

- قال: هل تشاهد (العالم) اليوم: يموت، أم يتجدد بحياة تتبدل؟!

- قلت: ينبغي أن نسأل في البدء: ما هو (الموت) أولاً؟!

- قال ضاحكاً: لا أعرفك جدلياً.. ولكن هكذا تزهر الوردة من الجرح!!

وبعد.. لقد قال أحد (رصفاء) جيلي، وهو يصغي إلى مداخلة يدلي بها (محمد عبده يماني) في مجلس:

- لقد صرت أحب هذا الرجل.. فهل (المحبة) تصنع، وما الذي يصنعها؟!

- قلت: عندما يجمع الناس على حب (إنسان).. فلا تسأل عن الصناعة، بل عن العمق!!

شاعر اللؤلؤ النقي:

أما - د. غازي القصيبي، فكثيراً ما أرغدني بتواصله الكتابي الأنيق والأعمق في معاني كلماته.. وكنت أنهل من معينه وأستفيد من إبداعاته، ومساحات الضوء أوسع وأشمل لمن يمتلك القدرة على ابتكار خطوة وراء خطوة.. والضوء لا ينحصر في (المنصب)، لكنه يبقى تابعاً للتميز!

ولابد أنني أعتز كثيراً برسائله الحوارية الخاصة لي.. ويسعدني أن أنشر نماذج منها هنا:

عزيزي عبدالله:

أكاد أقسم أنني أحار مع مقال يثني علي أكثر من حيرتي مع مقال يشتمني، (وقد أخذت نصيبي عبر السنين من النوعين والحمد لله على السراء والضراء)، تأثرت بمقالك، وتأثرت أكثر لأنني أعرف أنك صادق مع نفسك وكلماتك وقرائك، الأمر الذي يدفع عني وعنك التهمة المتنبئية:

ولما صار ود الناس خباً

جزيت على ابتسام بابتسام!

فاتك أن تقول: أنك أول من كتب عن (أشعار من جزائر اللؤلؤ) في المملكة كلها لما صدر الديوان سنة 1380هـ، وكنت أيامها طالباً في الكلية، وكنت أنت أديباً ناشئاً، لا أزال أذكر عنوان كلمتك: (شعر أزرق في لون السماء)، ومن عاداتي السيئة (أو الحسنة) أنني لا أحتفظ بما يكتب عني (فهذا كله في النهاية حصاد العاصفة وقبض الريح)، ولكنني أتذكر الكثير مما جاء في المقال، وكان له أثر كبير في نفسي أيامها فقد وضعت إصبعك على جوهر الديوان.

أرجو أن لا يتهمك أحد بالنفاق.. فنحن في زمن لا يرضى عن أحد أو شيء: المنتقدون يتهمون بالحقد والغيرة، والمادحون بالنفاق والرياء، ولعل من حسن حظي وحظك أنك بدأت تكتب عني ولم نلتق أيامها، ولم يكن هناك قبل الاسم لا سعادة ولا معالي ولا حتى د. العتيدة!!

أرجو أن تظل دائماً محاطاً بالحب والأمل والشعر!

عبدالله - أيها الحبيب:

كنت مختفياً في أعماق نفسي، أجوس في الحدائق التي تذري، أبحث عن وردة لم تزل تتنفس، أسند خدي إلى خدها، ونبكي سوياً، المواسم التي مضت يوم كانت الحدائق كلها مزهرة، وكانت كل الورود تضحك.

أختفي كلما شعرت بالحصار يتغلغل إلى شغاف قلبي، أختفي من الحصار إلى الحصار، من زحمة الناس إلى زحمة الوحشة، ومن ضجيج الجموع إلى رعد الوحدة، أجدد من خلال الاختفاء، عهدي بكل ما هو جميل، ألا أخونه حتى عندما تصبح كل مشاعري قبيحة قبح العالم الموبوء.

لا تخف! طفل الأماكن القديمة لا يزال رغم الحمى، يتشبث ببقايا حلم، لا يزال يافعاً صغيراً يرى في كل وجه وردة تبتسم، وفي كل طلل نخلة تنبثق.

أخوك - غازي القصيبي

العزيز - أبو وجدي:

أشكرك على رسالتك الدافئة جداً - وذو الشوق القديم - وأنت من أصحاب الشوق القديم (والود المتجدد).. وقد أسعدتني جداً والإجابة على استفساراتك كما يلي:

بالنسبة لقصائد الغزل كان ظنك في محله، فقد رأيت أن قدسية المكان تتطلب أشعاراً بريئة جداً (لا يعني هذا أني أعترف بوجود أشعار غير بريئة - ولكن هناك من يفعل ذلك!).

بالنسبة للتصفيق - كنت ولا أزال - أرى أن الشعر يجب أن يستمع إليه بصمت رهيب، ومقياس نجاح الشاعر في رأيي هو أن يستطيع أن يجعل المستمعين إليه يصغون - ورغم أنني أكرر الملاحظة في كل أمسياتي (القليلة) إلا أنها لا تلقى أذاناً صاغية.

وبعد.. فالشعر لم يكن يوماً لغة عاجزة، ولكنه يرقق من حدة بعض كلمات أو صور اللغة ليغوص في أعماق الإنسان - فرحه أو حزنه.. وقد تختزن الأعماق الشعر لئلا تتفجر به النفس لتطول معاناة الإنسان.. والشعر: ليس منبراً للخطابة بقدر ما هو بوح قد يتدفق عفوياً.. وقد يتصاعد البوح في روح الشاعر إلى تمرد صادق.. والشعر الذي يلاقي إصغاء وهوى لدى متلقيه، نحسبه يتتوأم مع التداعيات والذكريات والأصداء في حياة الإنسان!

وفي دراسة لناقد عربي أورد ما قاله (بروتون) عطفاً على تعريف (هيجل) للشعر النابع من جواهر اللغة، فسماه: (لغة كونية)، وسافر الشاعر إلى الحلم، ومشواره طويل لكنه يحقق الخروج من التجانس مع العقل!!

*****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5717» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- جدة a-aljifri@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة