Culture Magazine Tuesday  04/03/2008 G Issue 237
عدد خاص
الثلاثاء 26 ,صفر 1429   العدد  237
 

حكيم لبنان
عبدالله بشارة*

 

 

أكتب عن الصديق السياسي والناشر والكاتب غسان التويني، كما عرفته في الأمم المتحدة، حيث يدخل السفير العامل في الأمم المتحدة في ثلاث خانات، خانة الدول الكبرى، طبقة النبلاء في صالون المنظمة، وهم الذين تأتيهم المرتبة بالوراثة، قوتهم من مكانة دولهم وليست من أدائهم، وفرت هذه القوة مقعداً دائماً في مجلس الأمن، ولهم نفوذ بسبب وضع دولهم في سلم العلاقات الدولية، يمارسون ضغوطاً لا شأن لها بتميزهم..

والخانة الثانية هم السفراء اللامعون المتحركون وأصحاب الخيال والجرأة، أي الذين يتحدون نظام الأمم المتحدة الجامد والبليد، وهم أصحاب الصوت القادم من أدائهم ومن مكانتهم الشخصية وليس من دولهم ولا من دبلوماسية حكوماتهم، وهم المساهمون في عطاء شيء مختلف لم يعتاده الآخرون، وهم يحظون بالاحترام لأدائهم وليس لمكانة دولهم.

والخانة الثالثة وهم الأغلبية التقليديون والجامدون والخائبون والبعيدون عن المشاركة، يدخلون ويخرجون من المنظمة دون أن يشعر بدخولهم أو خروجهم أحد..

غسان التويني، وضع لبنان في عين الأمم المتحدة، وقدم (آلام لبنان) إلى أذن الأمم المتحدة، وشرح مآسي لبنان لعيونها، وصرخ عن أوجاع لبنان في قاعاتها، وحبس أنفاسها وهو يستغيث.

كنت أستمع إليه وهو يستنجد بالعالم وبأريحية الأمم المتحدة لإخراج لبنان من النار التي تأكله، كنت أقول بأن لبنان صاحب حظ بوجود غسان التويني، فالناس تعرف جديته وصدقه ونزاهته..

بهذه الصفات كسب الأستاذ غسان تأييد الأمم المتحدة، ونال تعاطفها، فلم يكن لبنان في الأمم المتحدة قبل وصول غسان سوى عضو تهتز قاعدته من صراع الفاسدين السياسيين فيه، ولم يكن أحد يأخذ شكوى لبنان المتكررة والتي تفتقر إلى الواقعية باهتمام..

شاهدت لبنان يشكو إسرائيل في مجلس الأمن، وشاهدت لبنان يتحرج من حقائق دور منظمة التحرير الفلسطينية في مشاكل لبنان، غسان التويني هو أول من تحدث عن لبنان بآلام لبنان من الجميع، تذمره من العرب، وجروحه من إسرائيل، وبحثه عن عون عالمي.

كان غسان التويني في الأمم المتحدة سفيراً للبنان، لكنه كان أكثر من سفير، كان مؤلفاً وكاتباً وأديباً وفوق ذلك كان عالياً ارستقراطياً سخياً، من يتعامل معه يجد فيه نظافة الأسلوب ورقي الترتيب، كان شياكة في كل جوانبه، ابن نعمة وعز، ليس من الذين يأخذون من المنصب وإنما من الذين يرفعونه، ومن الذين يكرمونه.

لن أتحدث عن غسان السياسي، فهو معروف، طموحه واضح، وفكره أكثر مما يتحمل لبنان، ومشروعه أكبر من طاقة حكام لبنان.

تحدثت عن غسان السفير، وباختصار غسان التويني أعطى لبنان والسفراء اللبنانيين وهجاً وشأناً وعلواً، ليس في قدرة لبنان ولا في قدرة سفرائه من يملك الذخيرة التي أحضرها السفير غسان إلى مبنى الأمم المتحدة..

*الأمين العام السابق لدول مجلس التعاون الخليجي


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة