Culture Magazine Monday  14/04/2008 G Issue 243
عدد خاص
الأثنين 8 ,ربيع الثاني 1429   العدد  243
 

اسم يحمل أرضه
د. عبدالله محمد الغذامي

 

 

عبدالعزيز المقالح رجل لا يسافر ولا يغادر أرضه، وذلك في زمن يتحرك فيه كل شيء، وكان من المفترض في شخص هذا شأنه أن يكون مقيداً في مكانه وينحصر محلياً حتى ينسى، غير أن الذي يلمسه أي متابع للحركة الثقافية العربية سيلحظ أن عبدالعزيز المقالح يحتل صدارة الحضور الثقافي العربي في الميدان العربي كله حتى لكأنه معك كل لحظة وهو ليس معك وحدك بل هو مع الكل شرقاً وغرباً وكتابة وذاكرة، هو في الشعر أينما كان الشعر وهو في النقد أينما كان النقد وهو في الحوار أينما كان الحوار، ولاسمه قدرة خاصة على الترحل والتحول وهو اسم ينغرس بعمق في ذكرياتنا الثقافية كلها، وهو لا يحضر بمفرده الاسمى بل يحضر معه تاريخ اليمن كله ومعه ذاكرة العرب الأولى ويحضر معه حاضر اليمن كله أدبياً وسياسياً واجتماعياً ويقيم في نفوسنا كلها تماهياً لحظوياً يتكامل مع التماهي التاريخي لليمن صورة وأسطورة وكلمة وروحاً.

هو الذاكرة بوجهها العريق وبصورتها الحية معاً، وهو صديق للكلمة يأتي معها وفيها وبها، وما استخدم أحد منا الكلمة إبداعاً أو فكراً إلا ووجد عبدالعزيز المقالح مخبوءاً فيها.

هو بوصفه اسماً يحمل اسم قريته التي ولد فيها وهي قرية تعيش هناك في أعمق أعماق الذاكرة وكان لها أن تكون كذلك فحسب، ولكن ابنها البار عبدالعزيز تزين بها اسماً ثم حملها معه لتكون واحدة من الكلمات المعجمية العربية الأكثر تداولاً، وما هو أعمق من ذلك فهي كلمة من كلمات المحبة والوفاء والصداقة.

إن المحبة والوفاء والصداقة هي من السمات الملازمة لاسم المقالح الأديب الذي يحمل أرضه في حروفه مثلما هي في ضميره، ولذا فإن اسمه مرتبط بهذه الأجواء، وسواء سافر أو استقر وسواء حضر أو اعتذر فإن اسمه له من القدرة النفسية والروحية على الحضور الدائم حتى لا يغيب أبدا.

يكتب بمحبة، عن الناس والأشياء والأوطان ويجري قلمه منساباً في الفكر والسياسة والنقد مثلما يطير مع الشعر، وكم أذكر حينما فاز عبدالعزيز المقالح بإحدى الجوائز الأدبية في الثمانينيات من القرن الماضي كم كانت فرحة المثقفين والمثقفات بذلك الخبر وكأن خبر الفوز خبر عيد وإطلالة هلال للفرح والاستحقاق.

تتنوع الكتابة عند عبدالعزيز المقالح وتتعدد وتتكاثر، وقلمه لا يكل ولا يسترخي لأن ذلك القلم يستمد حبره من قوارير المحبة في قلوب الجميع، ومهما حاولت أن أعصر ذهني لأتذكر كلمة سيئة صدرت من قلمه فلن أجد، هو رجل كريم القلم في عطائه وفي عفة كلماته. وهو رجل حفر في صخرة الظروف حتى فتح الأبواب وكانت إدارته لجامعة صنعاء إدارة نموذجية حيث حول كل ما هو بيروقراطي إلى ثقافي وكل ما هو روتيني إلى إبداعي، وكانت الجامعة في عهده داراً للمثقفين العرب تجمعهم وتفتح لهم صدرها، ولقد تم لي التعرف شخصياً على النقاد العرب في منتصف الثمانينيات عبر لقاء تدشيني في جامعة صنعاء جمع النقاد الجدد حينها وفيه تمت اللقاءات والحوارات وتأسست الصداقات وعرف كل واحد من النقاد صاحبه ورآه رأي العين وسمعه سماع الأذن من بعد عهد في القراءة المتباعدة والأسماء المصمتة حيث تحول الصامت إلى ناطق وتحولت الصورة إلى صوت والذهني إلى حسي وكله يحمل بصمة عبدالعزيز المقالح كصانع للقاء.

لقد كان لجامعة صنعاء في زمن عبدالعزيز المقالح دور ريادي في كتابة الخطاب الثقافي النقدي العربي وكان فارس الفكرة ومعلمها هو هذا الرجل الدمث الوفي والمتطلع للبعيد والعميق.

في إبداع عبدالعزيز المقالح تجتمع عوامل مركبة فهو مبدع في لفظه مثلما هو مبدع في تخطيطه وتصوراته، وهو يحمل صفة نادرة يندر وجودها بين الشعراء، إذ من المسلم به في سير الشعراء أنهم أنانيون وكلانيون ونرجسيون ومغلقون على أنفسهم وكثيراً ما يكون شعور الشاعر مبنياً على أنه القطب الكوني الأوحد، وهي السمة التي نسميها بالشعرنة والفحولية المطلقة، ولكنك مع عبدالعزيز المقالح ستجد شاعراً عملاقاً ومبدعاً شعرياً فذاً ومع ذلك ستجد رجلاً إنسانياً فذاً في إنسانيته وفي تقسيم محبته بين الجميع حتى ليكتب عن الشعراء الآخرين كباراً وصغاراً من دون غيرة ولا تعال ولا تقليل، ولم يقل إني وكل شاعر من البشر - شيطانه أنثى وشيطاني ذكر، وإن حفظ المتنبي وقدره لكنه لم يصب بمرضه ولا بدائه الشعراني.

هو عبدالعزيز المقالح الذي خدم غيره من الشعراء وخدم غيره من النقاد وخدم غيره من المثقفين وقدم لهم منابر الجامعة حينما كان في الجامعة وكتب عنهم قبل ذلك وبعده وما يزال، ويشعر أن خدمة الثقافة وتعميمها والدعوة لها وتوسيع مجالها هي الغيرة الإيجابية التي تبني وتؤسس هذا الرجل الذي أخذ من وقته وجهده أوقاتاً وجهوداً ليكتب عن الآخرين وسألوه مرة كيف تكتب في النقد وأنت شاعر، فقال جواباً يدل على تفاني هذا الرجل في خدمة الثقافة، قال: إن الأدب في اليمن يفتقر لناقد يتابع الشباب وإبداعاتهم وقد خلا الجو من ناقد يقوم بهذه المهمة ولذا تصدى لها ليسد نقصاً ثقافياً وليبني الخطاب على معادلة إيجابية تكاملية وهو الرجل الإيجابي التكاملي.

هذا ما نجده في عبدالعزيز المقالح ولذا ترحلت محبته بين القلوب وتنقلت صورته على الرغم من قراره هناك، ومثلما حمل اسمه اسم قريته وعممها على التاريخ كله فإن قلمه حمل هذا الاسم وهذا الشخص حتى عممه على القلوب كلها.

- الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة