Culture Magazine Monday  16/06/2008 G Issue 252
فضاءات
الأثنين 12 ,جمادى الثانية 1429   العدد  252
 

كلمات
مظهر خادع!
محمد بن أحمد الشدي

 

 

العم راشد.. رجل مرح وحديثه ندى، بلغ السبعين لم تسقط له سن ولم تظهر على وجهه تجعيدة، أما الشيب فقد أدمن على إخفائه بالحناء حيناً وبالأصباغ أحياناً! تجرأت مرة وسألته: هل تصبغ شعرك يا عم راشد؟! قال ضاحكاً: أتراني تجاوزت الأربعين؟! قلت: إنك تبدو في الأربعين بالفعل، مع أنك أكبر من جدي بخمس سنوات!! وجدي شعره كاللبن.

تفرقنا في دروب الحياة وبعد شهر لقيت العم راشد في الطريق فلم أعرفه، فناداني قائلاً: ألم تعرفني؟ قلت إنك غير العم راشد تماماً، ولولا صوتك ما عرفتك أبدا! قال: اجلس لأحدثك لماذا لبست ذلك المظهر الخادع.

كانت لحيته بيضاء كالثلج! وقد تناثرت في رأسه شعرات سوداء كأنها بعض الماعز بين قطيع الشياه البيضاء، قال بنصف ابتسامة: إن الناس قد تحدثوا كثيرا عن مظهري الخادع ولكني لم أعبأ بهم، فهم في النهاية ليسوا رؤسائي في العمل وإنما حكواتية! أنا الآن يا وليدي تقاعدت، تقاعدت برغبتي، وكنت أعمل في شركة تنتهي فيها صلاحية الموظف حين يشتعل رأسه ولحيته بالبياض، وشهدت أشخاصا أصغر مني طويت ملفات خدمتهم وقيل لهم مع السلامة وقبروا أحياء!!

ولبست ذلك المظهر الخادع، صبغت لحيتي ورأسي لحاجتي إلى العمل، حتى كبر أولادي.. وقبل أن أفاجئ الشركة بهذا البياض كانت استقالتي بين أيديهم.. ماذا أفعل يا وليدي في زمن مخادع؟ ومجتمع كل من فيه مخادعون.. إلا من رحم ربي، بل إنه مجتمع دخان لا يسأل عنك إن تواريت ولا يرحمك إن أطلق عليك إشاعة مغرضة فهو يميتك ويحييك دون رحمة أو شفقة. إن كل شيء تغير في مجتمعنا إلا هذه الطباع المستهجنة.

إن علينا جميعاً واجبا كبيرا نحو هذا الوطن أن نقتلع هذه الأشواك من مجتمعنا.. قال ذلك ثم اتجه ببصره إلى الأفق البعيد!

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتب«5064» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة