Culture Magazine Monday  18/02/2008 G Issue 234
فضاءات
الأثنين 11 ,صفر 1429   العدد  234
 

من أوراق علاّمة الجزيرة 1416هـ
وقفات مع مؤلفات
حمد الجاسر

 

 

تاريخ أمراء مكة المكرمة من سنة 8هـ إلى سنة 1344هـ

مؤلِّف هذا الكتاب هو الأستاذ عارف أحمد عبدالغني، من الباحثين المعنيين بالدراسات التاريخية، وهو من بلاد الشام (من مدينة دمشق) ذكر في مقدمة كتابه: أنه أثناء قراءته تعريفاً لمخطوط (إتحاف الزمن بتاريخ ولاية بني الحسن) لمحمد بن علي الطبري المكي في مجلة (العرب) - س18 ص391 - وفيه: تنبيه إلى أهمية تحقيق هذا الكتاب، هَمَّ بهذا الأمر، ولكن وجده يتحدث عن الأشراف الحسنيين سلالة الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في فترة قصيرة محددة من الزمن، ولهذا وجد من المفيد التوسع في ترجمة هؤلاء الأشراف منذ بداية حكمهم في مكة حوالي سنة 345، ودام هذا الحكم زهاء ألف عام - على ما ذكر - فاتجه لدراسة هذا الموضوع عدة سنوت، ولكنه وجده بهذا الشكل لا يقدم للقارئ صورة وافية دقيقة شاملة عن المدينة المقدسة، فعمد إلى توسيع مجال الدراسة التي أبرزها في كتاب يشمل التعريف بجغرافية البلد الحرام، وتاريخه منذ إبراهيم الخليل - عليه السلام - حتى فتح مكة، ثم أتبع ذلك بذكر تراجم الأمراء حسب التسلسل الزمني لهم حتى استسلام آخر الأشراف الحسنيين في نهاية الربع الأول من هذا القرن (يقصد القرن العشرين الميلادي) على يد قوات الملك عبدالعزيز آل سعود في (جدة) سنة 1347ه (الصواب 1343ه) (1925م) فكان أن وُفِّق لإكمال تلك الدراسة التي حواها كتاب شامل في الموضوع، وقد أوضح في مقدمته المصادر التي رجع إليها، وهي الكتب العامة في التاريخ والأنساب وغيرها، ثم الكتب الخاصة في تاريخ مكة ك(العقد الثمين) و(غاية المرام في أخبار سلطنة البلد الحرام) إلى (خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام) لدخلان هو (مرآة الحسنيين) لإبراهيم باشا، ورجع إلى كتب التراجم، و(معاجم البلدان) وغيرها من الكتب وقال: بأنه أضاف في دراسته هذه إلى قائمة أمراء مكة عشرات من الأمراء مِمنْ لا ذكر لهم في الكتب المؤلفة حول مكة، فاهتدى لمعرفتهم بسبب الفحص الدقيق في المصادر والمراجع القديمة والحديثة، ووصف كتابه: بأنه متميز في استفادته من المؤلفات التي سبقته في إعادة كتابة وتبويب وتمحيص تاريخ مكة السياسي والاقتصادي والعسكري، واختصره بشكل مركز وكافٍ مشتمل على ما يتعلق بتاريخ هذه المدينة المقدسة منذ أقدم العصور حتى الربع الأول من هذا القرن.

ثم شرع في الكتاب متحدثاً عن أسماء مكة، ووصفها وموقعها جغرافياً واقتصادياً وأول ظهور لها في التاريخ وعهد إبراهيم فيها، وما بعد هذا العهد، وتحدث عن جُرْهُم وخُزَاعَة في مَكَّة، ثم ظهور قبيلة قريش، ومنهم قصي بن كلاب، حيث تم في عهده البناء العسكري والسياسي لهم بعد احتلاله مكة منتصراً على خُزَاعَة، وقد عَوَّل المؤلف الكريم كثيراً على كتاب (تاريخ قريش) للدكتور حسين مؤنس، في هذه الحقبة من الزمن وما بعدها، وذكر بعض آباء النبي صلى الله عليه وسلم وأعمامه، وزعم حدوث ضعف في عهد أبي طالب بن عبدالمطلب حيث انتقلت قيادة القوافل من بني هاشم إلى بني عبد شمس وغيرهم، فكان أول مظهر من مظاهر الوهن والفساد في كيان النظام القرشي، وأوسع الكلام في هذا معولاً على الكتاب المذكور، وتحدث عن المجتمع القرشي قبل الإسلام، وعن علاقات مكة الخارجية، ثم انتقل بالحديث إلى الدعوة المحمدية وظهور الإسلام، ثم فتح مكة حيث خلص إلى سرد أمرائها في الإسلام، حتى انتهى إلى ذلك آخرهم وهو الشريف علي بن الحسين بن علي، فجاء حسب إحصائه التاسع عشر بعد الثلاث مئة، في المدة التي حددها المؤلف لكتابه.

ويلاحظ وقوع فجوات من الزمن بين بعض الأمراء لم يسم ولاتها، وَعُذْر المؤلف في ذلك عدم ذكرهم في المصادر، وأن بينهم من أسندت إليه الإمارة من قبيل التشريف له، فأناب عنه غيره في الولاية، وأن من أولئك الأمراء من وقع اختلاف بين المؤرخين في تحديد الفترة التي تولى فيها الإمارة، ومنهم من اختلف في اسمه مع محاولة المؤلف إبداء رأيه في هذا الاختلاف.

وبالإجمال، فالكتاب يُعدُّ أشمل مُؤلَّف في موضوعه، لم يدخر مؤلفه الفاضل وسعاً من الرجوع إلى أمهات الكتب في مختلف الفنون، ومحاولة التدقيق والتمحيص في الأخبار، وتقديم خلاصة وافية في الموضوع الذي تَصدَّى لدراسته والتأليف فيه.

وقد يلاحظ أن من أهم المصادر عن أمراء مكة كتاب (سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي) لعبدالملك بن حسين العصامي (1049 - 1111) وقد طبع في أربعة أجزاء يحوي الجزء الرابع منه - من ص187 إلى ص584 - ذكر ولاة مكة من آل أبي طالب من أول ولايتهم حتى عهد الشريف أحمد بن غالب بن محمد بن مساعد، وولايته في شهر شوال سنة 1099 كما نقل المؤلف عن (خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام) وكتاب العصامي هذا من أوثق المصادر في موضوعه عن ولاة مكة، ويحوي تفصيلاً عن كثير من ولاتهم في تلك الحقبة من الزمن، وهناك مؤلفات أخرى لا تزال مخطوطة ككتاب ابن عبدالشكور عن أشراف مكة وغيره، لم يطلع عليها المؤلف الذي حاول ما استطاع وقدم في الموضوع ما تمكن من معرفته، فهو بهذا قد بذل الجهد فاستحق الشكر والتقدير.

وقد يلاحظ وقوع كثير من التطبيع (الأخطاء المطبعية) مما يُغيِّر المعنى، ومن أمثلة ذلك: - في الكلام على أسواق العرب - ص80 (ثم يرتحلون فينزلون أرَم وقرى الشِّحْر) فكلمة (أَرَم) صوابها (أَدَم) - بالدال لا بالراء - وهي الآن ليست معدودة من بلاد اليمن الجنوبي، كما في الحاشية، بل هي ولاية من ولايات عُمَان قاعدتها مدينة بهذا الاسم، وقد زرتها، وتحدثت عنها في (العرب) - ص22 ص301.

- وفي ذكر عقب الأمير داود بن موسى بن عبدالله الحسين - ص392 - (وهم من وادي الصفراء) وفي الحاشية: (وادي الصفراء أحد الأودية القريبة من مكة) والصواب: (أحد الأودية القريبة من المدينة المنورة).

- وفي ص763 (أحمد بن غالب بن محمود) وصواب (محمود) (محمد).

وأشياء أخرى لا يتسع لها المجال، وهي هنات هينات لا تقلل من قيمة هذا الكتاب الذي يُعَد من خير المراجع في موضوعه، وأعمقها دراسة، وأوفاها معلومات، حيث يقع في ستين وتسع مئة من الصفحات، وقد صدر عن دار البشائر للطباعة والنشر في دمشق سنة 1413هـ (1992م).

الحجاز في صدر الإسلام

الأستاذ الدكتور صالح أحمد العلي (رئيس المجمع العلمي العراقي) والحائز على جائزة الملك فيصل العالية في الدراسات الإسلامية، من أوسع الباحثين معرفة، وأغزرهم ثقافة في الدراسات الإسلامية من تاريخية واقتصادية وعمرانية وغير ذلك، مما يدخل في نطاق الدراسة والبحث، ومؤلَّفه القيم (الحجاز في صدر الإسلام، دراسات في أحواله العمرانية والإدارية) هو مجموعة أبحاث نشر بعضها في مجلات معتمدة وهي موضوعات يجمعها نطاق عام هو توضيح أحوال الحجاز في العهود الإسلامية الأولى، وما فيها من معلومات يساعد على فهم تطور الأحوال السياسية والاجتماعية والفكرية لإقليم تميز أهله في تاريخ الأمة والإسلام.

ويقع الكتاب في ستة عشر فصلا.

وقد تحدث المؤلف الكريم في الفصل الأول عن دور أهل الحجاز في تثبيت الإسلام ودولته وتوسيعه، وعن مكانتهم زمن الخلافة الأموية، وأثرهم في تنظيم الإدارة الإسلامية، وفي النشاط التجاري وتنظيمه، وعن دورهم في توجيه الثقافة في بغداد، وعن مكانة علمائهم، ويبدو المؤلف في هذا الفصل أن نظرته عامة، فهم لم يأت بتحديد دقيق لمن تعنيه كلمة (أهل الحجاز)، ومعروف اختلاف الجغرافيين المتقدمين في تحديد أقاليم الجزيرة، وواضح أيضاً تداخل القبائل التي تسكن في هذه الأقاليم من حيث الجوار والاختلاط.

وإذن فتخصيص سكان ذلك القطر بتلك الأوصاف بحاجة إلى تعمق في الدراسة.

حقاً لقد كانوا السابقين إلى الإسلام، وإلى نصرة الرسول عليه الصلاة والسلام، والجهاد معه حتى انقاد سكان الجزيرة للدين الإسلامي، وشاركوا إخوانهم السابقين الأولين بما لهم من فضل في تثبيت دعائم الدين ونشره في مختلف الأقطار، وتنظيم الإدارة الإسلامية فيها بعد أن انضم إليهم كثير من أهل الأقطار الأخرى، بحيث أصبح من المتعذر تمييز أهل ناحية من نواحي الجزيرة على أهل الناحية الأخرى.

وتحدث الكتاب عن المؤلفات العربية عن المدينة والحجاز في المصادر العامة الأولى كمؤرخ المدينة ابن زبالة ويحيى بن الحسن والمدائني وابن شبة والزبير بن بكار والأسدي وعرام والسكوني.

وأَتَى في الفصل الثالث بتحديد إقليم الحجاز عند المتقدمين، وفي الفصل الرابع توسع في الحديث عن أرض الحجاز من الناحية الجغرافية في مناطقها الشمالية والغربية والجنوبية معولاً في ذلك على أقوال الجغرافيين، وفي الفصل الخامس عن المياه والري، كالعيون والمصانع والسدود والآبار والبرك والوديان، وخصص الفصل السادس عن المنتجات الزراعية من النخيل والكروم والفاكهة والبقول والحنطة والشعير، أما عن العشائر فقد خصص للحديث عنها الفصل السابع.

ويلاحظ أن ذكر أسد وعبس وغطفان من سكان الحجاز فيه توسع، فكثير من بطون غطفان ومنهم عبس تنتشر بلادهم في نجد في أعلى القصيم إلى منطقة الحرار، فكل المواضع التي سماها المؤلف من منازل عبس واقعة في القصيم وفي أعلاه، كما يلاحظ أن كثيراً من النقول التي عَوَّل عليها الأستاذ المحقق هي مما ذكر البكري وياقوت وقد دخلها كثير من التحريف والتصحيف، وما سلم من ذلك فهو بحاجة إلى تثبت، إذ ليس كل ما ورد في المؤلفات الجغرافية القديمة ينبغي التسليم به.

وخصص الفصل الثامن لطرق المواصلات في الحجاز.

والفصل التاسع للمنازل بين المدينة ومكة، ويقال في تحديد المواضع فيه، مثل ما سبق القول عن منازل الحجاز، ومن أمتع الفصول الفصل العاشر المخصص للأحوال الإدارية في الحجاز.

وتحدث الكتاب في فصول متتابعة عن تنظيم جباية الصدقات والأحماء (جمع حِمَى) والعطاء، وتطور تنظيمه، وملكيات الأراضي في الحجاز.

وختم الكتاب بفصل عن خطط المدينة اعتماداً على ما ورد في كتاب (وفاء الوفاء في أخبار دار المصطفى) للسمهودي، وفصلين عن المعالم الجغرافية في مكة، بالرجوع إلى كتاب (أخبار مكة) للأزرقي.

ولعل أبرز ميزة لهذا الكتاب أن مؤلفه بحاثة جليل ذو اطلاع واسع في التاريخ الإسلامي بصفة عامة، وفي جغرافية بلاد العرب، وهو في جل المباحث قد رجع إلى أمهات المؤلفات في الموضوع الذي يطرقه.

ومن هنا فقد هيأ للدارسين معرفة ما في تلك المصادر، وما على من يريد التوسع في البحث ليصل إلى حقائق أهم وأشمل إلاَّ محاولة تطبيق تلك النصوص على ما تحدثَتْ عنه بطريق المشاهدة بعد التثبت من صحتها.

ومباحث الكتاب موسعة متشعبة، ولهذا وقع في (696) من الصفحات، وصدر عن مؤسسة الرسالة في بيروت سنة 1410هـ (1990م) بطباعة حسنة.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة