Culture Magazine Monday  18/02/2008 G Issue 234
فضاءات
الأثنين 11 ,صفر 1429   العدد  234
 

جزء ثان لسيرتي الذاتية: لماذا؟
عبدالرحمن بن محمد السدحان

 

 

قوبل الجزء الأول من سيرتي الذاتية باحتفاءٍ أدبي أذهلني، ورفع (سعرات) الثقة في نفسي، في الوقت الذي ما كنت أظن لحظةً واحدة أنه سيفوز بعشر ذاك الاحتفاء!

***

* ويبدو أن ذلك الجزء من الكتاب قد أفلح في إقامة جسر من التعاطف مع صاحبه من لدن كثيرين ممن قرؤوه فمنحوه رضى منهم وإعجاباً، وتحالف أكثرهم مع تجربة المؤلف المثخنة بجراح الزمن وحراك الشجن، وبعض طرائف ولطائف المواقف التي عاشها في أكثر من مكان وزمان لحظةً بلحظة، فكانت تلك الطرائف بمثابة (وقفاتٍ) تصالح فيها الدمع مع الابتسامة، تسامحاً وغفراناً! وقد منحتني هذه النتيجة غيمة من الفرح وسكبت في نفسي ندىً من الفخر!

* والحقّ أقول إن شعوري بالفرح والفخر معاً يتكئ إلى عدة أسباب، من أهمها:

1- أنني كنت متردداً في كتابة هذه السيرة مبدءاً وتفصيلاً، لولا حث العديد من المحبين ممن سمعوا بعض (فتافيتها) في مناسبات متفرقة لإنجاز تدوينها وكتابتها.

2- أنني كنت أظن أن ما يسمى ب (أدب السير) لم يعد في زماننا هذا أمراً يشد فضول القارئ المعاصر، أمام تحديات موائد الإعلام المقروء والمشاهد والمسموع، لكن ما كتب عن الجزء الأول من السيرة عرضاً ونقداً إضافةً إلى التعليقات والملاحظات التي أسمعني إياها كثيرون، كل ذلك حرّضني على تصويب ذلك الظن، وأصّل في نفسي الرغبة في تطوير هذا المنجز الأدبي بكتابة جزءٍ ثانٍ له.. ناهيك عن إعادة طبع الجزء الأول منه، وكلاهما الآن رهن الإنجاز الطباعي.

3- أن ردود الفعل التي قرأتها وسمعتها منحتني الثقة بأنني ربما لم أثقل على القارئ الكريم بسردٍ يتحدث جله عن طفولتي عبر مراحلها المتفرقة، وأن هناك مواقف عديدةً منها تستحق التدوين، إن لم يكن لغرضٍ معرفي، فللعبرة التي يمكن أن يستشرفها الشاب (أو الشابة) تأثراً بما قرأه عن ذلك الطفل المثقل بأغلال الحرمان من رعاية الأب وحنان الأم.. ومحاولة البحث عن معادلةٍ عادلةٍ تنصفه من زمانه، وتؤصل في عقله وقلبه الإيمان بالله ثم الثقة بالنفس وعقلانية التوازن بين الطموح والإنجاز، والإصرار على مواجهة تحديات العيش وصعابه بالعمل الدؤوب، وفي الوقت نفسه، تعينه على تحقيق مصالحةٍ وجدانيةٍ بينه وبين الزمن الشاهد على معاناته، والمجتمع الذي نشأت بين جدرانه تلك المعاناة بأطيافها وأشكالها المتفرقة!

***

* غير أنني في الوقت نفسه، وفي ضوء بعض ردود الفعل التي قرأتها أو سمعتها، ألفيت نفسي أواجه إلحاحاً من نوع آخر، وهو محاولة سد بعض الثغرات المختبئة في ثنايا النص، مما لم يرد له ذكر في الجزء الأول من السيرة، أو ورد ذكره عرضاً دون تفصيل، فقررت أن أستل من خزانة الذكريات مواقف أعالج بها بعض ملامح قصور السرد في الجزء الأول من السيرة، وأطرح بقدر من التفصيل الدقيق أموراً تستحق التدوين سواء ورد ذكر يسير لها في الجزء الأول أو ظلت مطمورةً في مجاهل الذاكرة، كالحديث مثلاً عن بعض ملامح الحياة في أمريكا إبان الدراسة وأبرز ذكرياتها، وقد أفردت في الجزء الثاني من السيرة فصلاً جديداً أسميته (بعض من ذكريات الحياة في أمريكا).

* كما أضفت فصلاً جديداً يتحدث عن (فردوس الحنان المفقود) الذي صلوت جمر غيابه فترةً من طفولتي بعد رحيلي الدرامي إلى الطائف، وابتعادي عن سيدتي الوالدة كي أهيئ لها مناخاً من راحة البال في كنف زوجها، فلا تشقى هي بقربي منها في حال من التشرد، ولا أشقيها أنا بالحب لي في وقت لم تكن تملك لي حلاً ولا عقداً، وكان من غير العدل أن تتحمل أمي وحدها وزر ما آلت إليه حياتي بعد انفصالها عن والدي!

***

* كما تضمن الجزء الثاني من السيرة استعراضاً فيه شيء من تفصيلٍ لإيقاع حياتي في عددٍ من مدن المملكة بدءاً بالطائف فمكة المكرمة فجدة فجازان.. ثم جدة مرة أخرى قبل أن يوفدني أبي وأخي مصطفى للدراسة في لبنان في المرحلة الابتدائية وكانت تجربةً مثيرةً بمقاييس الزمان والمكان وحراك التجربة الإنسانية التي اقترنت بإقامتنا هناك عاماً دراسياً كاملاً بمدينة زحلة النائمة بين ذراعي نهر البردوني الساحر، ثم العودة إلى جدة.. وإكمال المرحلة الابتدائية بإحدى مدارسها النموذجية.

***

* من جهة أخرى، استنفر خاطري حديث سقوطي من على ظهر حمار جدي - رحمه الله -، ونازعني السؤال: ترى.. أيّنا (تمرد) عصياناً لجدي العزيز، فتركه يتحدث مع الغريب وانصرف عنه بعيداً؟!

وخشيت أن تحاسبني (جمعيات الرفق بالحيوان) يوماً، فتكيل لي اللوم لأنني (ظلمت) الحمار بتحميله الوزر كاملاً لسقوطي من على ظهره، وأنني بهذا الموقف ربما همشت إنسانيتي بجعلها أسيرة (إرادة) ذلك الحمار المغلوب على إرادته، ولذا، كتبت فصلاً جديداً أسميته (شهادة براءة لحمار جدي)، أنصفته من تبعة سقوطي، وحملت نفسي الوزر كاملاً، حتى ولو كنت في ذلك الموقف طفلاً.. لا حول له ولا طول!

***

وبعد:

* فإن في حياة كل منا لا ريب (نفقاً) من الحزن ومن الحرمان والألم، يمتد لمسافاتٍ متباينة عبر مسارات العمر، منا من يسير في ذلك النفق حتى يعبره بسلام، ومنا من تتعثر خطاه، فلا يبلغ نهايته إلا بركام من الجراح تنسيه نشوة النجاح، ومنا من لا يبلغ تلك النهاية أبداً، إما لمرض يقعده مع القاعدين أو لموتٍ ينسي الآخرين ذكره وذكراه! والحمد لله من قبل ومن بعد!

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5141» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة