Culture Magazine Monday  18/02/2008 G Issue 234
فضاءات
الأثنين 11 ,صفر 1429   العدد  234
 

أعراف
الجمال
محمد جبر الحربي

 

 

اكتشاف الجمال جمالٌ موازٍ يدلّ على ذائقةٍ عالية رفيعة، وعينٍ مدربةٍ، فيما يدلّ الاعتراف به وتدوينه ونقله وتوصيله على قلبٍ محبٍّ، ونفسٍ مانحةٍ، وخلقً كريم.

وهو جهد فلاحٍ أحب الأرض وارتبط بها وقدرها فبذرها فأمطرت فربت ونمت وأينعت وازّينت بكل لون بهيج.

ثمَ في التفاتةٍ وجدنا هذه الألوان على موائدنا، وفي صدور بيوتنا.

هي الحروفُ إذاً بذارها وحصادها، واحتفاء الأرض والمساحات بها، والانتقاء لها من جواهر العقل، ورغبات النفس العالية، وتوهج الروح، وتدفق القلب.

هو الجمال ننحاز إليه، وننحاز به للحق والخير.

وإشاعة الجمال، والإحالة إليه، وامتداحه، والكتابة عنه، ليس نفاقاً أو مجاملةً أو محاباة، بل هو انتصارٌ له في وجه القبح والتشوّه والسواد.

والبحث في مكامن الجمال لدى الناس وإبرازها، والتعريف والإشادة بها، أعظم وأرفع وأجدى من تتبع سقطاتهم وهفواتهم والتشفي بها، والكيد بهم عبرها، والانتقاص من جهودهم بتضخيمها مهما صغرت.

وهي في الأولى دليلٌ على النبل والسمو والرفعة والترفع عن كل ما يسوء النفس أو الغير، وفي الثانية دليلٌ على الخسة والوضاعة والدناءة والسقوط والتردي.

ومن تسامى وغمر الإيمان والحب وجدانه سما بمن حوله ومن معه وأحب لهم ما يحب لنفسه، ورأى فيهم ما يحبون أن يرى، ومن دنت نفسه وملأت الكراهية والحقد قلبه وكيانه، رأى الناس بعين طبعه، وأطلق سهامه على كل ما يشع ويضيء ويرتفع، وارتضى القاع مقعداً ومسكنا.

ولعل اكتشاف الجمال وتدوينه والاستشهاد به هو ما أنتج النقد ومدارسه، والدراسات العميقة التي تقرأ الأعمال الإبداعية فتثريها، وتلقي الضوء على جمالياتها، ونقاط تألقها وخفوتها، وهو جمالٌ موازٍ، وإبداعٌ مضاف.

ولن نكرر هنا ما ألفنا من كن جميلاً ترى الوجود جميلا، ولكن يحق لنا أن نستغرب من الذين لا يحبون ولا يرحمون، ولا يريدون أن تحلّ رحمة الله بعباده، وليسوا بمانعي ما أراد الله.

لكأنّ الجمال يستفزّ قبحهم، ويستثير دواخلهم السوداء كل لونٍ يبعث في الحياة معاني الجمال والحب.

وفي هذه الأيام قلَّ أن يذكر أديبٌ أديباً بالخير، وكأنما تعوّدوا أو عوّدوا أنفسهم حتى الاقتناع بأن الإشارة للجمال والإشادة به انتقاصٌ لقدراتهم ومكانتهم، هذا إذا لم يُؤخذ عليك أنك ذكرت أو ذكّرتَ بحسنات الآخرين، وجمالياتهم.

فما الذي أنت فاعل؟!

دع الذين يزدادون في الغي غيا، وفي السواد سوادا، وانهل من فرات الضوء والبياض، وحلّق في أعالي الجمال.

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS بدأ برقم الكاتب«5182» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- الرياض mjharbi@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة