Culture Magazine Monday  21/01/2008 G Issue 230
فضاءات
الأثنين 13 ,محرم 1429   العدد  230
 

العمل الثقافي العربي المشترك
د. عبد الله أبو هيف

 

 

-1-

تشير تجربة العمل الثقافي العربي المشترك إلى معاناة واضحة كما تكشف عن ذلك حركة النشاط الثقافي العربي باعتباره محكوماً بآلية عمل جامعة الدول العربية من جهة، وبالمبادرات الخاصة للمؤسسات والأجهزة الثقافية في الأقطار العربية من جهة أخرى.

ونناقش العمل الثقافي العربي المشترك في هذه المقالة، كما تطرحه كلمات ومواقف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (اليكسو) خلال أعوام الثمانينات لمديرها العام الدكتور السابق (محي الدين صابر)، والصادرة مؤخراً في كتاب عن إدارة التوثيق بالجامعة. وقد آثرت مناقشة هذه الوثائق لاستطلاع آفاق العمل الثقافي العربي المشترك في مطالع القرن الحادي والعشرين حيث تواجه الثقافة العربية تحديات لا حصر لها.

-2-

يتوج معدو هذه الوثائق الكتاب بعبارة المدير العام التالية، (الثقافة هي الفاصل النوعي بين الإنسان، وبين سائر الأحياء التي تقاسمه الحياة على هذا الكوكب، حتى ليصح القول إن الإنسان مخلوق ثقافي، وثقافة كل شعب هي التي تحدد شخصيته وتثبت هويته، لأن الثقافة هي من صنع المجتمع وخلقه. والثقافة العربية كانت وستظل قاعدة الأمة العربية تجتمع على أواصرها، وتلتقي على نسبها، وهي التي مكنت الأمة العربية عبر التاريخ من القيام بدورها الحضاري الريادي في حياة البشرية، وهي التي تلهم نضالنا الجسور في مواجهة التحديات التاريخية في صورها المتعددة، في مختلف مجالات الحياة).

إن هذه المنطلقات في رؤية الثقافة وحركتها تكشف عن واقع الحال ودلالته معاً، فثمة توكيد على مفهوم الثقافة العربية حضارياً واجتماعياً ونضالياً، فليست الثقافة مجالات معرفية فحسب، بل هي اعتمال الثقافة الحي بالمجتمع والواقع نحو فعالية عامة تنخرط في عملية التقدم. وتشير الكلمة إلى ضرورة قيام استراتيجية عربية ثقافية تنهض بأعباء المشاركة الثقافية في تحقيق أهداف الأمة العربية.

وهكذا، سنعرض لبعض الكلمات والمواقف فيما يخص أهم عناوين العمل الثقافي العربي المشترك.

-3-

حدد المدير العام مفهوم الثقافة العربية بالكلمات التالية:

(يستهدف العمل القومي الثقافي التعاون الدولي والمشاركة في التقدم البشري، عن طريق مباشرة نشاط مشروع، وهو بهذا يتصف بأنه:

أولاً: نشاط ثقافي يعبر عن الرؤية العربية والفكر الإسلامي.

ثانياً: لا يدخل في منافسة مع لغات أخرى، في شهوة إحلالية، ولا في تصميم استيعابي، فليس من هم اللغة العربية أن ترث لغات أخرى، ولا أن تمحو لغات قومية قائمة، كما فعلت لغات أخرى، ولا يتعارض مع هيئات أو منظمات عاملة في هذا المجال، وإنما يتعاون معها وينسق.

ثالثاً: لا يشغل نفسه، بالنزاعات المذهبية ولا الطائفية، ولا يتعرض للعداوات الدينية مع الديانات الأخرى.

رابعاً: يتخذ طريقاً ذا اتجاهين في التعاون الثقافي، خصوصا في المناطق ذات الصلات التاريخية مع الأمة العربية، فيبرز إسهامها وعطاؤها في الثقافة العربية والإسلامية، ويعرّفها، ويكون هناك اهتمام بالتراث المشترك بينهما في مجال المخطوطات والفنون المعمارية.

خامساً: ليس بديلاً عن النشاط الثقافي الثنائي للبلاد العربية في الخارج، وإنما هو نشاط معزز ومكمل ومنسق في المجالات الفنية.

سادساً: يعتمد الأساليب العلمية تربوياً وثقافياً في القيام على رسالته.

سابعاً: يقوم في تمويله على موارد متنوعة ودائمة، وقد يكون هناك عائد من نشاط، يعين على هذا التمويل في المدى الطويل.

ثامناً: ينبغي أن يكون للعنصر البشري دور جوهري في هذا النشاط في سياق التمويل فهو عمل ينبغي أن يقوم على أهل القدرة والعطاء والتضحية من أبناء هذه الأمة).

ربما كانت هذه الكلمات التي تصف مفهوم الثقافة أقدر على تشخيص حال العمل الثقافي العربي من مناحيه العملية: تصادم الأهداف مع السياسات من جهة ومع التدابير، ومنها التمويل، من جهة أخرى.

فثمة مكان للعلاقات الثقافية العربية العربية، والعربية العالمية، ويكفي أن نشير في هذا الإطار إلى أمرين في غاية الأهمية هما:

1- التوكيد على أن النشاط الثقافي العربي ليس بديلاً عن النشاط الثنائي للبلاد العربية، وهذا بحدّ ذاته يثير أسئلة الممارسة القطرية في العمل الثقافي، وقد أصبحت سائدة في أكثر من قطر عربي.

2- التوكيد على حاجة المشروعات الثقافية العربية للعون المالي والمادي، وهذا واضح في دعوة المؤسسات والأفراد، العرب والأجانب، إلى التمويل، بينما كانت الثقافة الأصيلة الجادة تعاني في الأحوال جميعها.

وغني عن القول، أن النوايا الطيبة لا تكفي وحدها لدعم العمل الثقافي العربي المشترك.

وأشار المدير العام إلى مشروعات كثيرة طموحة، ولكنها ما تزال قيد النظر، بل إن العديد من مشروعاتها عصي على التحقق بالنظر إلى ضعف العلاقات العربية العربية خلال العقدين الأخيرين، مثل:

1- (الاتفاقية العربية لحماية حقوق التأليف)، تعبيراً رشيداً عن المسؤولية الثقافية لأمتنا في حماية تراثها وفي حماية حاضرها بضمان حقوقا لمبدعين فيها، وكفالة ذلك بالتشريعات القومية الملزمة.

2- (التعاون الدولي لتنمية الثقافة العربية الإسلامية في الخارج) تلبية لحضور الأمة في الساحة الدولية، الحضور المبدع والمسؤول والمضيف في تاريخ الحضارة البشرية.

3- (تخطيط التعاون الدولي لنشر اللغة العربية) من أجل حوار ثقافي عالمي متكافئ.

4- (التخطيط الشامل للثقافة العربية) تحقيقاً لتنمية ثقافة عربية فاعلة في عصرها، لأن للثقافة (في اتساع مفهومها، وتنوع ميادينها، وظائف قطرية وقومية وعالمية، وعلاقات مع الأبنية الاجتماعية، وأن تبع ذلك ودراسته ضرورة منهجية لتمام هذا العمل الجليل).

5- (التخطيط الشامل لمحو الأمية) نحو قومية المعرفة، وانتشاراً أوسع للثقافة بين جماهيرها.

6 - (الموسوعة العربية (خدمة) ثقافية جليلة (لمصلحة أجيال المستقبل من مثقفي العرب)).

7- إشاعة (مراكز البحث التربوي) نحو تربية متمرسة ميدانية ونحو توليد ضيعة عربية متكاملة تستجيب لمتطلبات العصر وحاجاته.. الخ.

إن هذه المشروعات الثقافية الكبيرة وسواها مما تقوم به، أو تدعو إليه المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم هي طموحها إلى الارتقاء بالعمل الثقافي العربي المشترك، إلا أن هذه المشروعات جميعها مرهونة بموافقة الأقطار وإرادتها السياسية والعزيمة على تمويلها والإنفاق عليها، وهو جوهر عمل جامعة الدول العربية.

1- إن المنطلق العضوي والوظيفي، وهنا نشير إلى بعض منطلقات العمل الثقافي التي ينبغي أن تكون حافزاً لإنجازات أكبر ومنها هذا لعمل الثقافي، هو الاستجابة لحاجات الأمة العربية، في مواجهة الأهداف القومية الكبرى تمكيناً لتحقيقها عربياً، ثم للتوسل بها، إلى القيام بدور عالمي إيجابي، يتكافأ مع قدرة أمة ذات عطاء تاريخي عظيم وذات مستقبل واعد.

2- إن للمنظمة العربية اليكسو ثلاثة مجالات أساسية، مجال الإنسان العربي، وتأهيله وإعداده، ومجال الثقافة العربية وتنميتها، تطويراً للمجتمع العربي وبناء لتقدمه، ثم مجال العلاقات الثقافية مع العالم، تحقيقاً للمعاصرة، وتمكيناً مع المشاركة الإيجابية، في مسيرة الحضارة البشرية، أخذاً وعطاء.

3- إن المنظمة استطاعت، في سنوات قلائل، وعلى الرغم مما أصاب العمل العربي من معوقات، أن تقيم في الوطن العربي شبكة متخصصة من المعاهد والمراكز والمكاتب، في كثير من العواصم العربية، وتؤدي هذه الأجهزة النوعية خدمات جليلة، للثقافة العربية، وللفكر العربي، وللعلم العربي، وللتربية العربية.

4- إن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، هي الجهاز القومي لهذه الأمة، وإن الاهتمام بالثقافة العربية في مكوناتها، وفي مجالاتها، وفي مظاهرها، وفي تعبيراتها، بناء ووظيفة يأتي في صلب رسالتها التي تلتقي، مهما تنوعت أشكالها، في الهوية الثقافية العربية.

هذا صحيح كله، ولكننا في حاجة ماسة، باستمرار وربما أكثر من أي وقت مضى، أن نعاين مدى انطباق السياسات والتدابير على الأهداف والمفاهيم والمنطلقات المصاغة بأسلوب مثالي واضح.

إننا ندرك مع المدير العام إدراكاً كاملاً صعوبات العمل الثقافي العربي المشترك التي تعوق الجهود المبذولة هنا وهناك، لأنها لا تستند إلى إرادة قومية مكينة.

-4-

وربما كان من يعمل في العمل الثقافي العربي أكثر احتياجاً للصبر والأمل، لأن كلمات المدير العام ومواقفه في كل نشاط وعمل تنضح بمعين لا ينضب من هذا الصبر وهذا الأمر على وعي الظرف التاريخي الذي تمرّ به الثقافة العربية، وعلى وعي العلاقات المعقدة الصعبة التي تتواصل فيها الثقافة العربية مع منتجها ومتلقيها.

ليكن الصبر والأمل رائدنا حتى ينتصر العمل الثقافي العربي المشترك على معوقاته، ويحقق إنجازاته المعرفية والنضالية الكبرى، ولنعمل من أجل ألا تظل كلماتنا مجرد نداء.

- دمشق


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة