اسمعوا وعوا: (وأنا انتظرتك قاب قوسي غابر الذكرى وأدنى، كان كلُّ العشقِ موقوتاً بأن ألقاك ضامرة الحروف حييّةً ملأى بما أسررت للغيمات في يومٍ حزين دامع ٍوسألت وجدي كيف يرقى لحظة جمحت تطاول قمة الحلم، امتلأتُ بما انتظرتُ، خَفَتُّ، بللني الحنينُ، أكادُ من فرطِ اشتياقي، من مسامرتي الترقبَ أن أراكِ سحابةً في خاطر الأمس استدارتْ للهطولِ، فكيف ذاكَ وأنتِ ما زلت احتمالاً في ضمير الغيبِ، بللني الترقبُ والتذكرُ باشتياق هامس لملامح غامت وأخرى سوف تأتيني، هما وجهان، نفس العملة المصقولة القسمات، قوسانِ انتظرتكِ بين قوسي غابر الذكرى وما يأتي انتظرتك غيمة تدنو تثرثرُ فوقَ صفحاتِ الهجيرِ ظلالَها).هذا المقطع البديع ليس للفيتوري، ولا لسند ولا لغيرهما من شعراء السودان الكبار استللته من ذاكرتي أو قراءاتي، بل هو لشاعر سوداني اسمه أسامة علي أحمد، تعرفت عليه في لحظة عابرة في مقر جريدة الجزيرة، وقرأت بعض قصائده، وها أنا أحتفي به اليوم عبر قصيدته الجميلة (طلاقة القول المطهم بالقصب) المنشورة في مجلتنا هذه (ع 261).

وكان بودي أن يكون عنوان مقالتي هذه هو عنوانها، وقد أعجبتني لغة القصيدة العالية، ومرجعيتها، وأعجبني: (وأنا انتظرتكِ قاب قوسي غابر الذكرى وأدنى)، وفي الآيتين الكريمتين في سورة النجم: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ثم دنا فتدلى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى.

إذاً ماذا لدينا هنا؟! شعر حقيقي بامتياز. انظروا إلى هذه المهارة، والحرقة والحرفة الشعرية، واستمعوا واستمتعوا بهذا المطلع ولا تكتفوا بالقراءة فقط:

(وملأتُ آنيةَ انتظاري منكِ

فاضت فانسكبتُ وقد أدارَ الرأسَ مني ما انسكبْ).

و(تهذي الحروفُ ظلالهاَ المترنحاتِ فتستعيرُ بساطةُ الفخار عجرفةَ الذهب).

ببساطة الفخار أسامة علي أحمد شاعر جميل، ولكنه، كغيره من شعراء مجيدين كثر، يشكو من التهميش والإهمال الإعلامي والنقدي، كما أنه لا يجد الصدى المفترض لقصائده.. ولكن ماذا نفعل بعجرفة كثير من محرري ومسؤولي الصفحات الثقافية في العالم العربي الذين لا يلتفتون إلا لبريق الأسماء، ولا يصرفون من جهدهم إلا قليل القليل على الانتقاء والفرز، والاعتناء بالأعمال الجديرة بالاعتناء؟!.

شكراً للمجلة الثقافية التي اعتنت فنشرت، ولأسامة الذي أجاد، وللشعر حين يشعرك بالزهو لأنك ابن هذه اللغة العربية الباهرة، وحفيد شعرائها العظام.

* * *

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5182» ثم أرسلها إلى الكود 82244