Culture Magazine Monday  22/12/2008 G Issue 263
فضاءات
الأثنين 24 ,ذو الحجة 1429   العدد  263
 

مداخلات لغوية
المزيني وموت النحويين
أبو أوس إبراهيم الشمسان

 

 

قرأت ما جاء في مقابلة مجلة أحوال المعرفة (أكتوبر 2008م، العدد53، ص74) للصديق الزميل الأستاذ الدكتور حمزة المزيني، وكان أن سأله المحاور عن مقاله الذي كان عنوانه (موت النحو)، وجاء في الجواب قوله (كان مقال (موت النحو) موجهًا لنقد التكرار الذي لازم ما يسمى (الدراسات النحوية) العربية في العالم العربي في العقود الماضية. وكنت أنعى على هذه (الدراسات) عدم استفادتها من الدراسات اللسانية الحديثة التي وصلت إلى مستوى عال من التطور. كما لحظت أن (النحويين العرب) المعاصرين لم يستفيدوا، وربما لم يطلعوا على الدراسات الجادة التي ينجزها بعض المتخصصين في الدراسات النحوية العربية من الغربيين). ويفهم من هذا البيان الواضح أن المزيني لا يصف النحو من حيث هو نظام داخلي للغة بالموت؛ فليس من المتصور حدوث هذا إلا بموت اللغة نفسها واندثارها، وليس المقصود بالنحو الجهود النظرية في تفسير النظام النحوي وتعليله وهو نظام بشري اجتهد في وضعه علماء العربية، وهو جهد مشكور يقف المزيني أمامه بإجلال، ولكن هذا الجهد العظيم نال فترة من التطوير والتهذيب حتى جاء ابن مالك فعلبّه في منظومته المشهورة (الخلاصة) ومنذ ذلك الوقت صار النحو المالكي هو النحو الرسمي وتوالت الشروح والحواشي تدور في فلك تلك المنظومة، ولم ينعتق منها الدارسون المحدثون الذين وجه المزيني كلامه إليهم، ووصف النحو الذي يزاولونه بالموت؛ لأنه مات على أيديهم، والنحو الذي لا يتناسب ومتغيرات اللغة هو نحو ميّت، ولكن هذه الفكرة ربما لم تفهم حق فهمها من صاحبها فلجأ إلى مزيد من الإيضاح بقوله (ربما كان العنوان الأوفق لذلك المقال هو (موت النحويين) بدلا من (موت النحو)). والكلام الذي قاله الزميل هنا حقّ لا مرية فيه، فهم لم يستفيدوا من مناهج العلوم اللغوية الحديثة، وهم أيضًا لم يتيحوا لأنفسهم فرصة المراجعة الجادة الجذرية للمنجزات النحوية القديمة، بل ظلوا يرددون ما فيه على نحو من التقديس الغريب. وما وجدناه من محاولات يسيرة للمراجعات النحوية جاء بها دارسون ثقفوا الدرس اللغوي في الغرب؛ ولكن بعضهم لا يركن إلى معرفة تراثية كافية كاشفة لأبعاد النظرية النحوية، فظهر عملهم كأنما هو تركيب أنظمة غريبة على العربية، وظل عملهم درسًا نظريًّا غامضًا، ولم ينتقل إلى حيز التطبيق الذي يلبي الحاجات التعليمية لنحو العربية، وبقي التعليم في قبضة الفكرة التقليدية، ومن أجل ذلك لم يوفق المحدثون في تجديدهم على النحو المرضي، وقوبلت محاولاتهم بالرفض الشديد. ولكن المزيني وأمثاله من الزملاء الذين أتيح لهم الاطلاع على المنجزات الغربية ملومون هم أنفسهم للاكتفاء بالنعي أو بوصف النحو أو النحويين بالموت، لأنهم معنيون باللغة أصواتها وصرفها ونحوها، فكان عليهم أن يقدموا لغيرهم مثالا يحتذونه في معالجة النظام النحوي، وكان يمكنهم أن يتعاونوا مع غيرهم من التراثيين في أعمال مشتركة تجمع بين القديم والحديث. وما لم يحدث هذا سيأتي اليوم الذي يمكن القول فيه (موت اللغويين)؛ لأن العبرة بما تؤول إليه المعرفة وتنتجه، فلا خير في معرفة غير منتجة.

* * *

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7987» ثم أرسلها إلى الكود 82244

الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة