Culture Magazine Monday  22/12/2008 G Issue 263
فضاءات
الأثنين 24 ,ذو الحجة 1429   العدد  263
 

صدمةٌ في الجناح!
(أيها المؤلّف السعوديّ: أنتَ لستَ هناك)
فيصل أكرم

 

 

لستُ من الحريصين على حضور المعارض الدولية للكتب، ولكن.. صادف - مؤخراً - وجودي في لبنان فترة معرض الكتاب الدولي ببيروت (المقام من 27 نوفمبر إلى 13 ديسمبر 2008) وبما أنّ لي ديواناً جديداً صدر في هذه الفترة نفسها (عن دار الفارابي ببيروت) فكان لا بد لي من زيارة المعرض أكثر من مرة، لملاقاة الأحبة فحسب.. فأنا - كذلك - لستُ من هواة إقامة ما يسمّى (حفل توقيع) لأنه - كما أظن، وبعض الظن إثم - يشبه احتفالات (جمع التبرعات)!

ومع أن زياراتي المتكررة للمعرض كانت مليئة بالبهجة والأنس والفائدة والمزيد من التواصل مع الأصدقاء والزملاء من مختلف البلدان العربية - وكان جلّ الحضور، بطبيعة الحال، من الأحبة اللبنانيين - غير أن ثمة صدمة كبرى واجهتني منذ دخولي الأول إلى ساحة (البييل) في بيروت، حيث يقام المعرض.. فمع دخولي من البوابة الرئيسة لفتني جناحٌ ضخم جداً، على يمين المدخل الرئيسي، يوازي في مساحته عشرة أجنحة لكبريات دور النشر - إن لم يكن أكثر - ! كان ذلك هو (جناح المملكة العربية السعودية) في معرض بيروت الدولي للكتاب.

شيءٌ مفرحٌ (هكذا بدا لي) ومفخرةٌ (هكذا تصوّرتُ) وكدتُ أن أدعو جميع أصدقائي الموجودين هناك لأتباهى أمامهم بما لدينا من فكر وأدب وإبداع..!

هل باتت الصدمة واضحة؟

لستُ أعرفُ، ولكني سأذكر بالضبط ما الذي كان يملأ جناحنا الواسع:

طبيعيّ جداً أن يكون (القرآن الكريم) هو سيّد الكتب جميعاً، ولو احتل الأرفف كلها لما تجرأتُ على قول شيء سوى (ما شاء الله تبارك الله).. ولكن، عندما حضر زائرٌ من الأكاديميين اللبنانيين معترضاً على دقة الترجمة في إحدى طبعات المصحف الشريف بلغة أجنبية، وكان يجادل في المعنى العربيّ أساساً للآية الكريمة التي جاء فيها {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} (16) سورة القلم - فكم كان الخذلان للرجل - ولي - عندما لم يجد بين القائمين على الجناح من يستطيع مجادلته في اللغة (العربية) ناهيك عن الترجمة إلى لغة أخرى..!

فتوليت أنا (بما أعرفه من أسرار لغتنا العربية - بحكم الممارسة لا الدراسة) القيام بمهمة إقناعه، حتى ذهب راضياً وهو يتصوّر أنني المختصّ بهذه الأمور في الجناح السعودي.. ولم يتصوّر أبداً أنني الزائر العابر لجناحنا الضخم!

هذا حادثٌ عَبَر، وقد يراه البعض طبيعياً، ولكني أعتقد بما أننا نمتاز عن العالم بنشر القرآن الكريم على العالم.. فكان يجب أن نهتم بتعيين مختصين في علوم القرآن - بمختلف اللغات - يوجدون في جناحنا العظيم..

كل ما ذكرته حتى الآن ليس له علاقة بما عنيته في عنوان المقال (الصدمة).. فالصدمة التي أقصدها هي في الكتب المعروضة (غير القرآن الكريم) في المساحات الشاسعة من الجناح.. فأول شيء بحثتُ عنه هو (إصدارات الأندية الأدبية)، ليس لأنّ فيها ما يخصّني، فحسب، ولكن.. لأنها الجهات التي احتضنت جُلَّ النتاج الأدبي/ الثقافي السعودي - لنشره محلياً ودولياً (أو أنها أنشئت أساساً من أجل القيام بهذا الدور)..

فليسمعها مني صريحةً جميعُ الزملاء الذين هم - مثلي - لهم كتب صادرة عن أنديتنا الأدبية الثقافية: لا يوجد في جناحنا السعودي (الضخم جداً) بمعرض بيروت الدولي للكتاب، أي كتاب صادر عن أي ناد أدبيّ - ثقافي من أنديتنا الكثيرة..!

تحدثت حول ذلك مع الرجل الخلوق جداً، الدكتور أيمن مغربي (الملحق الثقافي السعودي في لبنان) فكان عذره واضحاً: لم يصلنا أي شيء من إصدارات الأندية الأدبية..!

وهذا يعني أننا، في جميع الأخبار المنشورة في صحفنا المحلية، عن المشاركة السعودية في معرض بيروت الدولي للكتاب.. كنا نغالط الواقع من دون أن ندري.. فالأخبار كانت تضع على رأس قائمة الجهات التي يشملها الجناح السعوديّ (الأندية الأدبية) وهذا - مع الأسف - ما لم يكن.. (ولا حتى بإصدار واحد)!

الشيء الثاني الذي صدمني، هو عدم توافر أي نسخةٍ من المجلات الثقافية السعودية الصادرة عن الجهات الرسمية، كمجلة (الإعلام) التي يشرف عليها معالي وزير الثقافة والإعلام، والمجلات الثقافية الأخرى التي تصدرها الأندية الأدبية التي أصبحت تتبع وزارة الثقافة أيضاً.

تصوّروا: ولا نسخة واحدة من أي عددٍ ولو قديم؟!

تصوّروا: ولا نسخة واحدة من أي كتابٍ أدبيّ؟!

تصوّروا: ولا نسخة واحدة من أي موسوعة تضم أسماء مبدعينا - أسماء على الأقل - على الرغم من أن جهاتٍ كثيرة أصدرت موسوعاتٍ نعتزُّ بها..؟!

ما الذي كان يملأ الأرفف الطويلة العريضة الشاسعة في جناحنا الضخم إذاً؟

سأقول ما رأيته بكل الصدق: كان الديوان الشعريّ لسفيرنا في بيروت، الدكتور عبد العزيز محيي الدين خوجة موجوداً (وهذا شيء جميل جداً) ولكني أجزم لو أن سعادة السفير المحبوب زار الجناح وشاهد ديوانه معروضاً بهذا الشكل لما قبل بذلك أبداً.. إذ كان ديوان السفير الشاعر يحتل عدداً من الأمتار عرضاً وطولاً، في أرفف كانت تكفي لعرض أكثر من مائة كتاب بصورة استعراضية أنيقة.. ووالله لا أبالغ.. فقد ناقشتُ هذه الرؤية (على الطبيعة) مع جميع مسؤولي الجناح فوافقوني على واقعيتها وتأسفوا لعدم تمكنهم من تطبيقها (على رأي المثل الشائع: الجود من الموجود)!

وماذا غير ذلك؟

لا أنكر وجود كتب مهمة عن المملكة العربية السعودية منذ نشأتها، وعن ملوكنا المغفور لهم - بإذن الله - وعن الملك عبد الله أطال الله في عمره.. ولكن معظم هذه الكتب - إن لم أقل كلها - كانت لمؤلفين من غير السعوديين، وكأنما السعودية تخلو من المؤلفين الذين خاضوا في هذه الجوانب بصدق وعمق وإخلاص..!

خلاصة ما أود قوله: كلنا نعلم أن المساحة الضخمة للجناح السعودي في معرض بيروت كانت نوعاً من الدعم (فالمتر الواحد بمبلغ وقدره..!) ولكن: ثقافتنا السعودية، وأدبنا السعودي، وإبداعنا السعودي، وإنجازاتنا الفكرية السعودية عموماً كانت ولا تزال وستظل بأمس الحاجة لمثل هذه المساحات.. فوزارة الثقافة والإعلام تقوم - مشكورة - بشراء كميات جيدة من بعض الكتب القيّمة للمؤلفين السعوديين المخلصين في إتقان إنجازاتهم، تشجيعاً كريماً من الوزارة ودعماً لمن هم بحاجةٍ حقيقيةٍ للدعم ويستحقونه عن جدارةٍ في الوقت نفسه (وهذه ميزة قد لا تتوافر في بلدان أخرى).. فليت أنّ هذه الكميات تُرسل (ولو نماذج منها) إلى مثل هذه المناسبات..

ليتنا نعمل على ملء مثل هذه الأرفف في مثل هذه الأجنحة من مثل هذه المعارض بما يناسبها ويمثلنا كما نحن من دون تقصير في المعروض وهدر للمساحات..

وقد يقال: إن الأجنحة الرسمية (الحكومية) في المعارض الدولية تنتهج النمط نفسه (لأنها: للعرض فقط، وليست للبيع) ولكنني زرتُ مختلف الأجنحة الرسمية - ولا أريد ضربَ أمثلة، لكثرتها - فلم ألاحظ مساحات مهدرة ولم أفتقد الكتب التي تمثل المشهد الثقافي الأدبي لتلك الدول..

وأنوّه أخيراً الى أن الأحبة المسؤولين عن الجناح السعودي في معرض بيروت كانوا في قمة النشاط والأخلاق الرفيعة، وكانوا - مثلي - يشعرون بالحرج كلما أتى زائرٌ إلى المعرض يسأل عن الثقافة السعودية (أدباً وإبداعاً - شعراً ونثراً).. فهم ليس لديهم غير ما هو معروض (ولو تم عرضه بترتيبٍ مقنن، لما ملأ واحداً في المائة من مساحة الجناح)!

وقد كانوا متعاونين لدرجة أنهم فرحوا حين وضعتُ على أحد الأرفف نسختين من آخر كتابين صدرا لي (ولو لم يكونا صادرين عن دار نشر لبنانية - مشاركة في المعرض - لما استطعتُ الحصول على شيء منها هناك)!

إذاً، أكرر: أيها الأحبة الزملاء، ممن آمنوا - مثلي - بأن الأندية الأدبية تشارك في المعارض الدولية من خلال الجناح السعودي (ولو للعرض فقط).. فالواقع أنه لا يوجد أي شيء من إصداراتنا هناك.. للأسف.

f - a - akram@maktoob.com الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة