Culture Magazine Monday  22/12/2008 G Issue 263
فضاءات
الأثنين 24 ,ذو الحجة 1429   العدد  263
 

المسرح والنقد
فهد رده الحارثي

 

 

لست أعرف على سبيل التحديد الدافع الحقيقي خلف كتابة هذا الموضوع عن النقد المسرحي لدينا. ولكن ربما النقاش الإيجابي والسلبي الواعي والجاهل حول مفهوم المسرح ومنهجية العمل به. وعندما يقول أحد كتاب المسرح إنه يحذر دوماً من المثقفين أو من أدعياء الثقافة لأنهم يشكلون خطراً على مسرحه، فهم يضعون العرض المسرحي دوماً بين المطرقة والسندان، فأما أنها تهمش العرض وأما تقوم بتحميله ما لا يحتمل، فهو لا يبتعد كثيراً عن تجسيد حقيقة واقعة يفرزها جهل كبير من أدعياء النقد المسرحي بماهية العرض الذي أمامهم.. والمشكلة دوماً تأتي من فئة النقاد الجهلة ممن ادعوا بالعلم معرفة فغابت عنهم أشياء وأشياء، وهذه الفئة ارتبطت بقوالب جاهزة للنقد ترفض أن تتحرك بعيداً عن قراءات قديمة وعقيمة توقفت وذبلت وبالتالي خلقت حالة من الرفض وعدم الفهم والاستيعاب لأي تصور يخرج بها عن إطارها الذي تعرفه.. وإلا بماذا يمكن أن تفسر محاولات البحث عن بناء درامي في نص لا يخضع لهذا المعيار، وبماذا يمكن أن تفسر الإصرار على وجوب وجود بداية وعقدة وصراع في نص لا يتبع هذا المنهج تماماً؟ وسق على ذلك ما يحدث للإخراج والديكور والإضاءة والموسيقى وكافة الأشياء المتعلقة بالعمل المسرحي.. إن مشكلة المعرفة أنها تحتاج إلى تواصل واستمرارية في متابعة دائمة لا تتوقف وإلا فإنها تصبح متحجرة بل قد تتكلس وتصدأ وتذوب وتتلاشى..

ومشكلة الناقد المسرحي لا تختلف كثيراً عن مشكلة الناقد الأدبي أو الفني، لأنك لا تستطيع أن تضع قالباً واحداً وتزن به كل الأعمال، فكل عمل له منهجية تحتاج إلى وعي وفهم واطلاع ودراسة وخبرة لكي تتعامل معه بصورة جدية... وقد تعاملت شخصياً مع عشرات النقاد وعرفت منهم الكثير، هنالك الناقد المفسر وهناك الناقد المحلل وهناك الناقد المشرح، وهناك الناقد الثرثار والذي يتكلم في كل شيء وعن أي شيء، وهو لا يعرف أي شيء ولكن أكثرية من عرفت وخصوصاً فيمن يدعي النقد المسرحي في الندوات النقدية أو في الصحف يمكن أن تضعه في خانة الناقد الجاهل. ومعظم هؤلاء يتمكن الجهل منهم لدرجة عجيبة ويعتقد في الوقت نفسه وصلاً بليلى وهي أبعد ما تكون عنه لأنه لا يفهم إلا في شكل تقليدي أرسطي، وإذا تمادى في علمه قليلاً عرف القليل عن الملحمية أو التسجيلية أو مسرح العبث.. وغني عن الذكر أن المسرح عالم متطور تجد به الجديد بشكل مستمر والمعامل والمختبرات والورش المسرحية لا زالت نبحث في كل جديد مما يعني أنه يجب أن تركض باستمرار خلف هذه المعارف ليس لمجرد الاستخدام ولكن للاطلاع والاستفادة والبحث عن المعرفة المسرحية المتجددة. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبقى مسرح القرون الوسطى أو حتى مسرح الخمسينات والستينات هو المسرح نفسه الذي يُنفذ الآن، الظروف اختلفت تماماً، الأحوال تغيرت، الثقافات، التطور... الخ.

لذلك لابد من البحث والاطلاع ومحاولة الوصول لملاحقة حركة التطور المسرحي، ومع ذلك لا زلت تجد تلك النماذج المتكلسة التي لا تزال تردد أن مسرحنا يجب أن يبدأ من حيث بدأ الآخرون، لا من حيث وصلوا..

وهذا يعني أننا سنظل دوماً في الخلف، فهم يسيرون ونحن نلهث خلفهم دون الوصول إليهم، ونظل صورة كربونية لهم نسقط حيث سقطوا.. وننزلق من مكان إنزالهم. وما كان ذلك ليتم لمن كان له عقل يفكر فيه لأن الواقع يقول إنه يجب أن نختزل التجربة وننطلق من حيث وصلوا وبالتالي نختصر الزمن والجهد..

الطائف


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة