Culture Magazine Monday  24/03/2008 G Issue 240
مداخلات
الأثنين 16 ,ربيع الاول 1429   العدد  240
 
إلى ميسون أبو بكر.. طائراً لا يعرف الكراهية

 

 

بعضهم لا يعرف الحب، لا يتحدث لغته، ولا يتنفس هواءه.. لا يرثي لحال مغترب تخطفته شوارع غربة كالحة، يضيع في زفيف سياراتها، ويواجه نظرة الرفض والكراهية في وجوه كل من يقابله، عبثاً يحاول التقرب إليهم بابتسامته التي تكاد تتسول الحب من أعين المارة المسرعين المنشغلين بأسرهم وأولادهم وزوجاتهم، غير آبهين بذلك المترجل الوضيع الذي يطلون عليه كما يطلون على كلب ضال من كبائن قيادة سيارات الدفع الرباعي، يبتعد خلفهم كورقة في مهب ريح عصفت بها سياراتهم، بعضهم لا يتوقف أمام وجع الآخر اللهم إلا ليضغط عليه أكثر، فهؤلاء غالباً ما يستمتعون بصراخ الآخرين الذي يشعرهم بقدرتهم على الفعل، حتى إن كان إيذاء مخلوقات ضائعة متعبة بها ما يكفيها من الألم وليست في حاجة إلى مزيد.. بعضهم يَقتل مبتسماً.. يدهس البشر كما يدهس طابوراً من النمل يمر بجوار أحد الأرصفة.. بعضهم بلا إحساس بلا ضمير يؤنبه ويوبخه حين يستهين بآدمية الآخرين ويستأسد على ضعفهم ويستعرض عضلاته أمام القيود التي يدرك تماماً أنها ستحول بينه وبينهم.. بعضهم يدعي الأدبية والشعرية والنثرية والقصصية والروائية بينما أفكاره لا تتجاوز منطق المراهقين من رواد منتديات المزايين وكرة القدم وغرف الشات، بعضهم لا يقبل الآخر ولا يحبه ولا يطيقه وأكثر ما تجنح إليه نفسه الكارهة لكل ما حوله ولكل من حوله إشعال فتيل العنصرية والإقليمية، بعضهم لا يحترم كفاح الآخرين ولا يتعاطف مع ظرفهم الإنساني، وربما لا يفكر أن في الكون مخلوقات غيره، وأنهم إن وجدوا فإنما هم كالأنعام مسخرون لخدمته وتبجيله و(تثقيفه)، إذ تقعد بهؤلاء هممهم عن السعي وراء الثقافة، ويأبون إلا أن تقدم لهم من فطائر الصباح، أو مناسف الظهيرة والمساء، لكنهم - للأسف - كلما التهموا منها نسوا وعادوا يطلبون المزيد ويلعنون أباء أنعامهم الوافدة ويتهمونها بأنها لم تقدم لهم شيئاً، فهذا دائماً حال بعضهم من الناعمين المترفين الذين يعانون طول ساعات فراغهم ومللهم العصري، فلا يجد أحدهم شيئاً يسري به عن نفس سوى سباب خادمه أو خادمته، فإن أحس برغبة عارمة في السباب انطلق على الشارع يسب كل وافد يقابله، على اعتبار أن خادم مواطنه في مقام خادمه، فإن كانت نوبة السباب التي تعتريه من هذا النوع العنيف الذي اعترى بعضهم منذ أيام، انطلق إلى إحدى صفحات الجرائد يكيل من خلالها لعناته لهؤلاء حتى يُعلمَ الحاضر الغائب، ويخبر الأميَّ منهم القارئ.. بعضهم لا يستحي من نكران صنيع الآخرين، ويبخسهم أشياءهم وحقوقهم، ويستكثر عليهم حتى وجودهم وحقهم في العيش الكريم واحترام الآخرين، ويعتريه شعور غريب لا أريد وصفه بأنه شعور مريض، أنه سيد كل من يقابله في الطريق، وبخاصة إن كان هذا الأخير وافداً لا أحد يصون له غيبة، ولا مدافع له عن حق، ولا أحد يكترث بما قد يتعرض له من إهانة وتطاول، بعضهم لا مانع لديه أن يبني أمجاده الخاصة على جثث الآخرين، وأن يحقق انتصاراته الزائفة على حساب ألمهم وجراحهم، مهما كان ما يفعله قبيحاً مستهجناً غير عادل وغير إنساني.

أتعجب من بعضهم حقاً، كيف يطالبون المثقف الضيف (أتصور أن هذا الوصف اللائق بكل مغترب هنا في ربع أهله عرب أقحاح، وليس العمالة الثقافية أو السائبة أو غيرها من الأوصاف التي تصفعنا على وجوهنا صباح مساء) أن يشارك بفعالية في الواقع الثقافي وهم ينعتونه بنعوت لا تصلح إلا للبهائم، ويجاهرون بكراهيتهم لوجوده؟ كيف يعطي من لا يقبلون منه العطاء؟ فإن انتقد سُبَّ بأقذع السباب، وإن أطرى قيل مداح مرتزق، وإن صَمَت قيل لا فائدة فيه ولم يضف شيئاً.

إنني أتعجب كثيراً وأحزن حين أنظر إلى (شِبه) العزلة التي أعيشها هنا في الواقع الأدبي، ثم أنظر إلى عدد أصدقائي الذين أتواصل معهم - أنا شخصياً - من سوريا وفلسطين والعراق ولبنان والإمارات والبحرين وغيرها، لم يربط بيننا سوى حب الأدب والالتفاف حوله طوقَ نجاة نتعلق به جميعاً، لنلم شتات أوطاننا التي يزيدها بعضهم تمزيقاً وإقليمية وعنصرية باتهامات لا أعرف أي أجندة تخدم؟ أم أنها فقط دعاوى مراهقة لأقلام تخوض نزوة الكتابة.

كلي يقين أن حديثي هذا لن يغير شيئاً، وقد قرأت ما قيل في حقنا وابتسمت بحسرة على اعتبار أنه حلقة في مسلسل الإساءة المعتاد من بعضهم إلى كل وافد (ضيف) لكنني حين قرأت مقال الأخت الفاضلة ميسون أبو بكر الذي ترد فيه غيبتنا وتنتصر لهذا الوطن الجميل أحسست بأنني مدين بالشكر لها.

أسامة الزيني-شاعر وروائي مصري anotherwriter2005@yahoo.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة