Culture Magazine Monday  24/11/2008 G Issue 262
أوراق
الأثنين 26 ,ذو القعدة 1429   العدد  262
 

(إمبراطورية الحنين)
عبد العزيز حمد الجطيلي

 

 

الإهداء (إلى ضمير الغائب هي.. فربما تتكلم لتقول هذا أنا... أنا قد عدت إليك!!!)

سيدتي...

أنا هنا.... والليل ليل!!!

ليل بضجيج صمته يعزف لي موال الخوف بكل ألوانه.. وأشكاله ومعانيه.... فنون أشباح ليل طويل!!!

ليل أنا فيه وأنت لست معي... بسلاسل الدجى يأسر طفولة نظراتي وحلمي فيك... حتى يترمد الكون في عيناي!!!

الليل ليل... ليل شتوي بارد... الرعد القاصف.. وحفيف الريح.. وضفائر نخيل منزلنا تغرق في بحيرة الظل الممطر!!!

هذا مناخ ليل كئيب أنا فيه... من ألف الغروب إلى ياء الفجر... وأنا أتوسد ذكرى رائعة كنت فيها معي...

لكن الفقد والاحتياج وعميق حنيني إليك يعيد كتابة (رواية العمر)

ما أقسى ليال العمر وقد تبدل الهمس بالآه والأنين!!!

سيدتي

أنا هنا... والليل ليل

والبرد الجائع بأنياب اليأس يقتص من دفء أحلامي فيك !!!

وتشتد نوبة الحنين... والألفة داخلي تبكي وقد افترسها الحرمان... لا لتموت ولكن لتتنفس الحنين إلى حنان صعب عنوانه (حضورك في الغياب)!!!!

أشعلت المصباح الكهربائي الصغير على المنضدة.. لأقرأ من رسائلك الرائعة... نهار كان معي!!!

وقوارير(الحبر الدواء) التي أهديتني كنت منها أطعم جراحي الجائعة كالفراخ حتى تهدا وتنام !!!

ارتعشت شفاهي لأهمس في خيالك الذي احتل نصف سريري وعمري كاملاً...!!!

حبيبتي... يا أعز الناس أنت... أين أنت ؟.. كيف تفرد الليل بي وحدي...؟

الليل الذي يوصد أبوابه إلا عن أشجاننا وبؤس المحرومين!!!

لا بأس سيدتي لك الدفء... لك الحلم... لك الليل... الذي لا ترينه إلا بعد رحيله!!!

قبلت رسائلك سيدتي... حضنتها على صدري... وبكيت رغم أن البكاء على جبين ليل الوحدة محرماً!!!

سيدتي

أنا هنا!!

والليل ليل!!

تسللت أمي الحانية إلى غرفتي... لتطفئ صوت المذياع خوفاً على من الصواعق...,

مثلت دور النائم رغم صعوبته... أقفلت المذياع ولحفتني الغالية جيداً عن البرد القارس... تسمي بالرحمن الرحيم علي... وتقبل جبيني وهي لا تعلم حمى الحنين التي تتجذر في أعماقي!!

لم أكن خائفا على أمي من ألمي الذي يسكنني فقط... لكنني خفت أن تراك سيدتي... كالعصفورة المجهدة بين أهداب عيني أو كالغزالة الناعسة في سريري... فتتألم بعمق من أجلك وأجلي!!!

سيدتي

أنا.. هنا

والليل ليل!!

غادرت أمي غرفتي فقد قتلت بسيف حنانها البرد حولي... وأذلت عتمة الوحدة بقبلة شمس أودعتها فاه جبيني!!!

لم تكن أمي تعلم أن غيابك دون نسيانك!!

والسفر إليك دون الوصول

ولم تكن تعلم أنك في حياتي المرأة اللغز والحل!!!

هو سر الوجع والضجر والحرمان!!!

سيدتي

أنا هنا... والليل ليل

نهضت من سرير سهدي.. حيرة الجرح تؤرقني

أريد أن أتخلص كآبة ليل شتوي طويل .

ذاكرتي كتاب... قلبي كتاب... عقلي كتاب!!

كلها في ثقافة الحب لها عنوان وأحد (أنا وأنت)

ليس الحل في ليل الألم أن أكتب ..!!

ليس المفر في ليل الأسر أن أقرأ ..!!

لأني إن كتبت سيملئ قلبي على إصبع يدي السادس عن إنسان واحد في هذا العالم هو يا حبيبتي (أنتِ)

وإن قرأت لن يأنس خاطري لعزف إنسان واحد هو يا قرة عيني « أنتِ»... انه أدب الأحزان!!

آه من ليل بدونك... أنا فيه ساهر لا أنام

سيدتي

أنا هنا... والليل ليل

فتحت جهاز (الكمبيوتر)... نافذة على العالم بكل جغرافيته الواسعة... بكل بحارة ومحيطاته وأنهره العذبة... بكل جباله وصحاريه القاحلة وأوديته وسهوله... بكل كائناته وطيوره... بل وبكل ملايين البشر فيه... ترى أ ينسيني هذا العالم المستدير أمامي أقصوصة لقاؤنا ورواية الفراق والحنين!!؟

بدأت أتصفح الشاشات الملونة.. قرأت شعراً ونثراً... تأملت صوراً ورسوماً ونقوشاً في المرسم الزجاجي

قرأت نوادر ونكتاً... لجحا و أشعب (والطيب سعد) ابن مدينتنا!!

شاهدت اللقطات المضحكة والكاميرا الخفية لكنني ما ضحكت ولا نسيت ولا حتى سليت!!!

كيف لي... أن أبتهج بفيروس الإغماء ليهدهد لوعة الحنين إليك ..؟

كيف لي.. والمشتاق كفيف !!؟

سيدتي

أنا هنا... والليل ليل!!!

فتحت البريد الإلكتروني... لعلي أجد تحت جناح الحمامة الزاجلة دفء حنانك وربيع حرفك... كان يكفي أن تقولي سيدتي « أنا بخير... وما تزال أنت تسكن أعمق أعماقي «

لكن الحمام الزاجل عاد دون أن يعطر حرفك ريشه ما أصعب أننا نتوهم لنحلم... أن نقف على شاطئ بحر الليل لعل زائر الليل يعود!!!

بدأت أفتح الرسائل.. حتى وجدت رسالة من القارئة « فل الياسمين « وكانت عبارة عن سؤال واحد

(أيهما أفضل أن تموت شوقاً أو تحيا مللاً ..؟)

أغمضت عيناي لا أرى خيالك سيدتي... يا حسناء النساء أنتِ.... ثم قمت بالرد على صاحبة السؤال بسرعة...

فكتبت لها (اني أفضل أن أموت شوقاً)

لأني لا أريد أن افتقد حبيبتي حتى وإن كان وجودها بالغياب!!!

يا أعز النساء أنت ..

يا أيها القمر القريب البعيد من سماء ليلي... هذه إمبراطورية تمتد حدودها من أعمق أعماقي إلى بعيد أعماقك السيادة المطلقة فيها للحنين إنها إمبراطورية الحنين !؟!

قطرة الوداع:

حبيبتي...

قالوا... صار لديك بيتا وحديقة وعصافير صغارا.

فسعدت من أجلك كثيرا

ثم قالوا... ان لك نهارا بلا ( ذاكرة ليل)

فأدركت أنني قد تشردت في ليل طويل موحش بلا قمر!!

بكيت فرحا

وصمت ألما

آه من اضطهاد الجراح

البكاء لك... والصمت لي!!

ayamcan@hotmail.com - عنيزة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة