Culture Magazine Monday  26/05/2008 G Issue 249
الملف
الأثنين 21 ,جمادى الاولى 1429   العدد  249
 

(رفيق الدرب)
د. محمود حسن زيني

 

 

نحمد الله على هذه الخطوة المباركة التي أقدمت عليها جريدة الجزيرة في ملحقها الثقافي بتكريم الأديب والكاتب والمفكر الإسلامي الكبير د. محمد عبده يماني الذي يُكنّ له قائد المملكة خادم الحرمين الشريفين مكانة خاصة.

إنّ أخي د. يماني تربطني به روابط أخوية وزمالة عمر طويل منذ أن كنا طلاباً في الثانوية، وكنا في تنافس شريف، وكنا نتنافس على منابر الفلاح وتحضير البعثات والمعهد العلمي السعودي، وهي المنارات التي كانت متسعة بالعلم والنور والأدب والإبداع في ذلك التاريخ المجيد. وشهادتي مجروحة لعلاقتي وزمالتي له؛ لأني رأيت الأديب والعالم والأستاذ والفقيه والداعية والمفكر المؤرخ المكي الذي تشبعت نفسه بحب مكة المكرمة وحب أهلها، وهو منهم، وتعلق بها، لا ينساها في حله وترحاله وجميع أعماله، وهو على خُلق حسن كريم، يذكرنا بحب الصحابة والتابعين. ومَن يقلب في صفحات هذا المكي سيجد له صفحات ناصعة البياض، وأعمالاً نبيلة كريمة تسطر تاريخاً ذهبياً في سجل حياته الدنيوية والأخروية.

لقد كرّم معاليه نفسه فكرمه أهل هذا البلد المعطاء.

(ومن لا يكرِّم نفسه لا يكرم)

رأيته في رحلة حياته منذ نعومة أظفاره فتى مكياً، عشنا معه حياة الشظف وقلة العيش، فبعنا البليلة في الحارة، وطوفنا في الحرم ساعات لكسب لقمة العيش، واجتهدنا في التحصيل العلمي، وكان لنا مربون في النهار وفي الليل يدلوننا على الخير، منهم ذلك المربي الفاضل الأستاذ محمد فدا في مدرسته الليلية التي سماها المدارس الليلية الشعبية، لا تمنحنا شهادات بقدر ما تؤهلنا لمواجهة الحياة فتعلمنا الطباعة على الآلة الكاتبة العربية والإنجليزية، وأخذنا دروساً في التجارة، ونجح هو فيها وزميلنا في المدرسة الابتدائية الشيخ صالح عبدالله كامل، وتعلمنا الخط معاً في باب الصفا ببيت السرور.

الشيخ صالح أجاد أساليب التجارة، وأصبح هو ومعالي الدكتور ضمن من يشار إليهم بالبنان في النجاح في العمل التجاري والحمد لله.

كان معاليه أديباً، لم تشغله مهام وزارة الإعلام التي طوّر أساليبها لأول مرة، ولم تشغله الأستاذية في الجامعة أن يكون روائياً وقاصاً وراوية للشعر، يحفظه وينشده، وكانت له مؤلفات ترجم بعضها إلى بعض اللغات الأوروبية، وكان حظه في الصحافة والإعلام كبيراً؛ حيث مارس الإعلام هواية واحترافاً، ولطالما أسهم بنصيب كبير في هذا المجال، وكان المتحدث باسم مدرسة الفلاح وفي الجامعة (جامعة الملك سعود)، وكان حلقة الوصل بين أساتذته وزملائه.

أما أستاذيته فقد كان أكاديمياً ممن عشقوا رسالة الأنبياء في تأدية الواجب التعليمي، فكانت تلازمه ولا ينفك عنها على الرغم من كثرة أعبائه الوظيفية والقيادية، فعِلْم طبقات الأرض (الجيولوجيا) وغزو الفضاء كان مجالاً خصباً مارسه بحب وشغف، وألّف فيه وحاضر في ندوات جامعية ودولية، وأفاد الكثيرين من علمه الذي شاركه فيه رفيق دربه معالي د. عبدالله عمر نصيف مدير جامعة الملك عبدالعزيز الأسبق.

أما كونه فقيهاً فقد عاشر علماء وفقهاء كثيرين، وأخذ منهم واستفادوا منه ومن حواراته، ومنهم فضيلة شيخ الأزهر الشيخ محمد متولي الشعراوي - رحمه الله - الذي عاش كثيراً بيننا في مكة المكرمة والمدينة المنورة وفي جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وأذكر في مرحلتنا في الثانوية أن الشعراوي شارك بقصيدة عصماء جميلة في الاحتفال بالملك فهد - رحمه الله - أيام تكريمه وزيراً للمعارف، ودرس الشيخ في المعهد العلمي السعودي وفي كلية الشريعة بمكة المكرمة.

ولم يكن الشعراوي ممن حاورهم د. يماني فحسب، بل كانت له حوارات ولقاءات مع فقهاء الحرمين الشريفين: السيد حسن مشاط والسيد علوي مالكي والدكتور السيد محمد علوي مالكي وغيرهم كثير، ويُشهد له في هذا المجال بطول الباع، ومؤلفاته في الإشادة بآل البيت ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك فيما كتب عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ودافع عنه، وما كتب عن السيدة فاطمة الزهراء فلذة كبد النبي صلى الله عليه وسلم، فجزاه الله خير الجزاء على ما قدّم في ذلك.

أما إذا ما نظرنا إلى جهوده الدعوية فإننا نجد له نشاطاً في هذا المجال لا يبارى في مثله؛ فقد أخذ على نفسه أن يجعل مهمة الإعلام دعوة لله ولنشر الإسلام ونصرة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وتبليغ كلمة الله للعالم أجمع.. وهكذا كانت دائرة الإعلام عنده، واتسعت لتكون لنا هذه الفضائيات التي تعطي صورة صادقة وواضحة عن الإسلام وعن النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت (اقرأ) تنشر عبر الفضاء الفضيلة والوعي بدين الله، وتنقل المشاهد الحية للصلوات الخمس في الحرمين الشريفين وفي الحج ورمضان، وحاز في هذا المجال قصب السبق، وجاءت من بعده (الرسالة) وبقية فضائيات الخير من (الفجر) والمجد للقرآن الكريم، وهذا بلا شك خير عميم يُفهم شباب المسلمين ورجالهم ونساءهم وأطفالهم بهذا الخير الذي كان قد طوره معاليه في وزارته ومن بعد وزارته، وهو مما يسجل له بالريادة والقيادة والتضحية بكل غال وثمين في بث كلمة الإسلام (اقرأ)، فجزاه الله خيراً على ما بذل وعلى ما أنفق في سبيل ذلك، وهذا جانب كبير من نقاط معاليه وزير الإعلام الأسبق مارسه - حفظه الله - وهو على رأس أعماله في الجامعة وفي الوزارة، وربما كان نشاطه بعد الوزارة يفوق ما كان في الوزارة، لكنه في كلتا الحالتين كان يذكر شظف العيش وحياة الفقراء التي عشناها وحالة العُسر فيسَّر (أبو ياسر) على جميع المحتاجين فأكرم وبذل بسخاء مقتدياً برسول الله صلى الله عليه الذي كان ينفق ولا يخشى الفقر.

بارك الله في حياة زميلنا ورفيق الدرب معالي د. محمد عبده يماني، وأمدّ الله في عمره وأيَّده بتأييده ونفع به. آمين والحمد لله رب العالمين.

* الأستاذ بجامعة أم القرى والأديب المعروف - مكة المكرمة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة