Culture Magazine Monday  26/05/2008 G Issue 249
الملف
الأثنين 21 ,جمادى الاولى 1429   العدد  249
 

الأكاديمي والوزير والأديب والمؤرخ والإنسان
أ.د. أحمد بن عمر الزيلعي

 

 

حينما التحقت بجامعة الملك سعود في العام 1390هـ كان الدكتور محمد عبده يماني ملء السمع والبصر في الجامعة، وكان - على ما أظن - يتقلد مسؤولية عمادة من العمادات، أو نشاطاً طلابياً على مستوى الجامعة ونحو ذلك. المهم كان له صلة بشؤون الطلاب، فقد كان من أكثر أعضاء هيئة التدريس في ذلك الزمان قرباً إلى قلوب الطلاب ليس في كلية العلوم التي ينتمي إليها بحكم تخصصه في الجيولوجيا وإنما في جميع الكليات بما فيها كلية الآداب التي كنت أحد طلابها في سنتها الليلية الأولى والأخيرة. في ذلك الزمان لم أكن كسائر زملائي من الطلاب المتفرغين والمنتظمين في بعض الأمور، فقد كنت متقدماً قليلاً على بعضهم في السن، وكنت موظفاً، وإلى حد ما مثقفاً ثقافة القلائل من أبناء جيلي من حيث شغفي بالقراءة، ومتابعتي لما ينشر في كل فن من فنون المعرفة، واستماعي للبرامج الثقافية والسياسية من الإذاعات المسموعة في ذلك الزمان، وكنت شغوفاً بحضور المحاضرات العامة والأمسيات الثقافية والندوات العلمية التي كانت تقام - حينذاك - في مدرج الجامعة بمبناها القديم في الملز، وكان الدكتور محمد عبده يماني من أكثر الناس حضوراً، ومن أكثرهم تعليقاً على المحاضرات، وكنت ممن يسعد بتعليقاته ومداخلاته. ولكن ما هي إلا سنوات قلائل حتى اختطفته المناصب الإدارية، فمن وكيل إلى مدير لجامعة الملك عبدالعزيز بجدة ثم وزيراً للإعلام، وفي كل موقع من هذه المواقع كان لمعالي الدكتور محمد عبده يماني حضوره المميز، وتأثيره الفاعل وبصماته الواضحة، وكان دائماً في عين العاصفة، وممن يحرك المياه الراكدة. وأذكر أن الإعلام في زمانه شهد نقلة وانفتاحاً وتطوراً غير مسبوق، وأن معاليه عمل بجد وشجاعة وتحد واضح لكي يكون إعلامنا في مستوى المنافسة. ومما أذكره عنه في ذلك الزمان أنه طالب في محاضرة له أو ندوة عقدت في جامعة الإمام على ما أظن لأنني لم أحضرها وإنما قرأت عنها، طالب في تلك المحاضرة أو الندوة بشيء من المرونة والانفتاح للارتقاء بمستوى البرامج، وبمستوى البث التلفزيوني في قناتينا التلفزيونيتين اللتين لم تكونا فضائيتين في ذلك الوقت، وذلك حتى نكون قادرين على المنافسة، وعلى كسب المشاهد المحلي واستقطابه وربطه بإعلامه، وعلل بذلك بقوله إنه بعد عشر سنوات من ذلك الوقت ستدخل القنوات الفضائية كل بيت، وقد لا يكون لتلفزيوننا بوضعه الراهن مكان في وسط مزاحمة القنوات الفضائية الخارجية الممتلئة بالغث والسمين. وأعترف أنني في ذلك الوقت لم أكن لأتصور أن الأمور ستصل إلى ما وصلت إليه من هذه الثورة الإعلامية وما جلبته معها من قنوات فضائية هابطة، وسياسية متعاملة لن نستطيع التخلص منها ومن تبعاتها إلا بقفل السماء، وأنَّا لنا ذلك.

وأعتقد أن تلك الرؤية المستقبلية من رجل جمع بين المسؤولية والمعرفة العلمية والنظرية والثقافة الواسعة لم يجانبها الصواب، فكم اليوم من القنوات التي تعنى فقط بالأخبار وبالبرامج الوثائقية والرياضية ما تستحوذ بقوة على ذائقة قطاع كبير من المشاهدين ليس من كبار السن وحسب وإنما من الشباب كذلك!!

وإلى جانب معرفتنا بمعالي الدكتور محمد عبده يماني أكاديمياً وإدارياً ومسؤولاً نافذاً عرفناه إنساناً بكل ما في الإنسانية من معاني الرجولة والفضل والخير واللطف والسماحة التي لا تملك معها إلا أن تحبه، وتقبل إليه، وتستمع إلى أحاديثه الشيقة وتجاربه الثرية التي يحدثك عنها دونما استعلاء أو اعتداد بالنفس مع تواضع ملحوظ وأدب جم. كما عرفناه كاتباً ملتزماً وروائياً مبدعاً ومؤرخاً إسلامياً، فكم استفدنا واستمتعنا بقراءة مقالاته المطولة في الصحف والمجلات وفي كتبه المطبوعة، وفيها يتناول قضايا عميقة، وخصوصاً ما يتعلق منها بالإسلام، وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الحب الذي تأسس وتأصل وتوغل وتعمق في قلب كاتبنا العظيم لنبيه صلى الله عليه وسلم، ولصاحبته الإجلاء، وآله الأطهار. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحببه إلى ربه، ثم إلى قلوب خلقه أجمعين إنه سميع مجيب الدعاء.

* أستاذ التاريخ الإسلامي والآثار الإسلامية بقسم الآثار جامعة الملك سعود، وأمين عام جمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون الخليجي - الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة