Culture Magazine Monday  29/12/2008 G Issue 264
فضاءات
الأثنين 1 ,محرم 1430   العدد  264
 
ليديا.. وأحضان بشرّي!
علي العمير

 

هذا مقال كنت قد كتبته صبيحة يوم صدور العدد التكريمي أو الاحتفائي الخاص من (الثقافية) بشاعرنا الكبير الأستاذ (محمد الفهد العيسى)، وكان يفترض إرساله في ذات اليوم لنشره في العدد التالي، ولكن حالت دون ذلك بعض ظروف على غاية من اللؤم، بيد أنه - أي المقال - غير مقيد بزمن ينشر فيه تحديداً، وفي ذلك بعض عذر، وبعض مبرر لنشره في هذا العدد رغم تلك الظروف وشدة لؤمها.

اصطبحت اليوم بما لم يحظ بمثله، ولا بما يدانيه عمنا الكبير امرؤ القيس نفسه، ولا حتى غيره من تلاميذه، ومريديه في الاصطباح وفي الشعر أيضاً مثل عمنا الأصغر أبي نواس ذاته!

ولقد ظفرت بنشوة أو جذل.. هيهات منه أي اصطباح قط.. ولا حتى أية منادمة!!

هو هو الصديق، الحبيب، الغالي أبو عبدالوهاب، ينظر إليّ من وراء نظارته ذات النظرة التي طالما صوّبها نحوي، ومعها ابتسامة نادرة حقاً لم أستطع وصفها بأكثر من كونها ابتسامة شاعر، وكفى بذلك.. بيد أن النظرة أو الابتسامة كانت من خلال صور وموضوعات وأشعار نثرتها (الثقافية) حوله كما لا يمكن لنثر ورود حول محتفى به قط!!

تعود صلتي أو علاقتي أو صداقتي الحميمة مع أبي عبدالوهاب الشاعر الفذ (محمد الفهد العيسى) إلى حوالي عام 1381 أي منذ ما يقارب نصف قرن مضى، وانقضى بينما لا يزال عندي كما هو بالأمس القريب!!

حينذاك أصدر (أبو عبدالوهاب) ديواناً صغيراً للغاية في ضآلة حجمه، وقلة عدد صفحاته، (ديوان شعر) أسماه (ليديا)..!!

أجل (ليديا.. يا حلوة السمر)!!

ليست حلوة سمر فحسب.. بل يكفي القول عنها إن مسقط رأسها ومكان إقامتها هناك في حضن (بشرّي) حيث يرتاح في المكان ذاته صاحب كتاب (النبي).. هي الشاعر الناثر، النادر من نوعه (جبران خليل جبران).. حيث أناخ هناك فتى نجد وشاعرها في سياحة.. شاءت لها الصدف أن تكون سياحة حب، وشعر، وتحليق، أو ترنيق في ذلك الفضاء اللبناني النضر العطر.. صعد بنا إليه في سياحة رائعة، شائقة معه، وقد عرفتم أنه بالطبع من لا يحتاج إلى تعريف.. يكفي فحسب أنه (محمد الفهد العيسى)!!

أجل.. أجل، وقد صدر بعد ذلك ديوان (ليديا) وفيه مجرد شطر بيت يشير فيه إلى (جبران خليل جبران) فيصفه مجازاً، ورمزاً بأنه (نبي) في كناية شعرية حاذقة، لماحة إلى كونه صاحب كتاب (النبي): (هناك حيث يرتاح نبي)!!

إلى هنا ما من شيء يمكن أن يقال لولا أن ذلك قد صادف وجود شخص محسوب على عداد المشايخ (محمد أحمد باشميل) الذي كان يشغل منصب (نائب رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنطقة الغربية) وهو منصب له استحقاقاته يمكن له هو ذاته أن يحدد مداها.. بل ويفرضها فرضاً!!

وقد فعل من حيث امتشق قلمه، وانهال على الأستاذ الشاعر (محمد الفهد العيسى) الذي كان حينذاك يشغل أيضاً منصب (وكيل وزارة) وهو منصب لم يشفع له عند (باشميل) حيث أصلاه بسلسلة مقالات في جريدة (أحمد عبدالغفور عطار) لم يبق فيها، ولم يذر، واصفاً، أو قائلاً عن صاحب ديوان (ليديا) ما لا يمكن أن يقال ما هو أفظع منه قط، ذاهباً كل مذهب من أجل النيل من (محمد الفهد العيسى).. بل من أجل إخراجه من الملّة نفسها.. وقد فعل، ونال إلى حد ما بعض ما أراد نيله!!

حينذاك.. أي حوالي (عام 1381هـ) لم أكن قد عرفت شخصياً الأستاذ الشاعر (محمد الفهد العيسى) وإن كان يجمعني به عن بعد (أدب أقمناه مقام الوالد) فكان ذلك كافياً لغضبة مضرية مني، غضبة حق هدفها الدفاع عن حق.. حيث كتبت ردّاً عرمرمياً، شاملاً يمكن أن يكون على مدى صفحة كاملة في جريدة (المدينة) التي أرسلته إليها، والذي فندت فيه سائر أقوال (باشميل) ونقضتها واحداً بعد الآخر ليس من الناحية الشرعية فحسب.. بل من نواح عديدة لغوية، وبلاغية.. إلخ.. إلخ..

ولكن من المؤسف حقاً أن مقالي ذاك لم يصل إلى جريدة (المدينة) إلا وقد صدر الأمر بإيقاف النشر عن الموضوع فأعاد لي أخي (هشام حافظ) وكان حينها رئيساً لتحرير جريدة (المدينة) أعاد لي مقالي ذاك رفق رسالة رائعة منه ما زلت محتفظاً به من بين أعز ما أحتفظ به من رسائل!!

وهكذا انتهى كل شيء إلا أنه لم ينته عندي حيث كتبت رسالة موجزة للعيسى أرفقت بها نسخة من مقالي العرمرمي.. وأقول له:

إياك أن تقول عنا ما سبق أن قاله سلفك الشاعر حيث يقول: (أضاعوني وأي فتى أضاعوا؟!) فنحن لم نضيعك، ولم نجبن عن نصرتك رغم أنف (المحاذير) لا.. بل وأنف كل شيء!! كل هذا وغيره وأنا بعد لا أعرفه شخصياً!!

ولذلك، ولما جاءه مقالي الطويل العريض، على ما اتسم به من عنفوان، وعرض حقائق، ودفاع مستميت.. تأثر الشاعر العزيز بموقفي، وبما علمه عني من صغر سن حيث كنت حينذاك في بواكير الشباب!!

تأثر.. فكان لا بد (من حيث لم أتوقع) أن يكون صدى ذلك عنده إلهاماً بقصيدة ميمية رائعة وجهها لي، ومطلعها: (يا أخا الحرف).. ثم كان بعد ذلك بمدة يسيرة - الوصل، والإخاء، والوداد، ومنادمة (الأدب)، ومعاقرة (الشعر) وعذب الكلام، وصفاء المشاعر، ورقة الأحاسيس، ودفق العواطف.. يا لتلك الأيام، والليالي في (الرياض).. ويا لها من أيام، وليال قضيناها معاً في (جدة) حيث انتقل إليها عملي.. ثم بعد ذلك انتقل عمله هو الآخر.. ولا يمكن أن أنسى (إن نسيت) آخر عهدي الشخصي به.. كان يوماً كاملاً من مطلعه حتى دنوّ مغربه.. يسمعني شعراً، وأوسعه شتماً!!

جده

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة