Culture Magazine Monday  20/08/2007 G Issue 212
فضاءات
الأثنين 7 ,شعبان 1428   العدد  212
 

هل تحتضن (عكاظ) مهرجاناتنا؟
عبدالفتاح أبو مدين

 

 

وتتجدد الحياة الفكرية في سوق عكاظ التاريخية اليوم، ونحمد هذا التوجه لمن فتح باباً ظل مغلقاً أحقاباً، وكان مهجوراً ليس له ذكر إلا في الكتب كأثر كان حفيلاً بالأدب بعامة، وبالشعر خاصة في العصر الجاهلي وفترة من العصر الإسلامي في سنيه الأولى، ثم طوته الأيام قروناً طوالاً، وصحونا اليوم لنجد أنفسنا أمام تاريخ حفيل بالأدب المتميز ظل متجدداً نحو ستة عشر قرناً، والتأريخ العريق الحي لا يبلى ما دام في الحياة نبض.

وخلال أيام من صيف هذا العام، وليس الصيف الذي يضرب به المثل أن الدرّ ضاع فيه، ولكنه صيف نمو وصحوة فكرية حق لها أن تبدر وتتجدد أصداء أيام خوال زاهرة بنبض الكلمة ذات المعنى الباقي والمتجدد، (عكاظ) السوق الأدبية، كما أطلق عليها منذ مولدها؛ لأنها كانت جامعة بين التسوق وخيام الشعر والخطابة يومئذ.. وحين نلتفت إلى الوراء البعيد، ونحن في عصر رقيّ ونهوض وتطور، لنتذكر (عكاظاً) فإن ذلك يؤذن بحركة أدبية متجددة، وليس ذلك عزيزاً على أمة لها هذا الثراء الأدبي التاريخي المتجدد والممتد، إذا كنا جادين نحو نهضة فكرية، تجدد ملتقياتها الجادة المثمرة في سوق عكاظ التاريخ، والحركة الفاعلة لمجد أمة البيان والفصاحة والخيال الثرّ الممتد في أحقاب التاريخ، على أرض خصيب خيالها ورؤاها، وهما أعمق من جنات الأرض التي ازدهرت فيها الحياة الفكرية في بغداد والشام والأندلس، وإنما أدب الجزيرة العربية كان وليد أرض قاحلة، لكن أخيلة روادها من شعراء وخطباء بلغاء، كان الخصب والإيناع في نفوسهم الثرية المتفتحة، عبر تلك الأخيلة الخصيبة المتدفقة بالإثراء الفكري البهيج الباقي إلى اليوم وإلى ما شاء الله على امتداد الأيام.

لا أريد أن ينطلق بي الخيال بعيداً عبر أخيلة إنشائية؛ لأني أريد بمناسبة إزاحة الاندثار عن عكاظ السوق الأدبية، أن يتجدد الأمل والعمل معاً؛ فأسمع أن مهرجان الجنادرية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي نذر حياته لبلده وأمته ليرقيا ويزدهرا بقيادته الراشدة القوية الفاعلة والجادة، فأسمع أن الإدارة العامة للمهرجان فكرت وعزمت أن يقام ويشاد به في سوق عكاظ مرة ومرات، وأسمع أن وزارة الثقافة والإعلام ستعزم على عقد مؤتمر الأدباء السعوديين، بل مؤتمر عام يشارك فيه أدباء ومثقفو الوطن العربي بعامة. وأطمع أن أرى جائزة الدولة التقديرية تتجدد، ويكون مسرحها سوق عكاظ، عبر مهرجان للشعر والأدب، وليس وساماً يقدمه ولي الأمر خلال لقاء صامت، وإنما ينبغي أن يكون نابضاً بحياة الكلمة شعراً ونثراً.. نحن نحلم ونريد، ولكن هذا لا يكفي؛ لأنه لا قول إلا بعمل كما قال خاتم رسل الله، صلى الله عليه وسلم, والأمة الطامحة والقادرة التي تقدر الفكر والنهوض الحياتي الذي ركيزته المعرفة، لا يكفي أن تبقى الأمة تتكئ على الحلم وحده، وإنما العمل الجاد المتقن والمخلص فيه، هو ركيزة الحياة في كل زمان ومكان.. وما أكثر ما نسمع من مواعيد، لكن المحصلة الحقة هي تحقيق القول بالعمل، وخالقنا - جل في علاه - أمرنا بأن نعمل ولا سيما حين نقول!

نحن حفيلون بعكاظ السوق اليوم وغداً، عبر إشراقة حياة جادة حفيلة بالرقي والنهوض في كل سبل الحياة لتكون في طليعة الأمم الراقية القوية الطموحة.

إننا نتطلع إلى عكاظ الفكر الحي النابض والحياة الأدبية الجامحة، لنعيد سيرتنا الأولى، بأكثر قوة وإرادة وعطاء وحيوية.. وليس عزيزاً ولا مستحيلاً أن تصبح سوق عكاظ اليوم مهرجان الأمة العربية وغير العريبة؛ لأن هذا التوجه الفكري، إذا أتقنا تقديمه وإقامته عبر قياداتنا الفكرية الجادة الرائدة، فإننا وطناً وأمة سنصبح - بعون الله وتأييده - محط أنظار العالم الحي المتطلع إلى أمة جادة طامحة حفيلة بالمعرفة؛ لأنها ذات تاريخ عميق في أحقاب التاريخ ومجد امتد قروناً، وانداح إلى الصين شرقاً وإلى أوربا غرباً، فهل بلادنا قادمة على تجديد هذا المجد المؤثل السامق القوي؟ أرجو ذلك، وهو ليس عزيزاً على أمة تبني وتعمل للغد وللمجد والحياة الكريمة؛ لأنها أمة طموحة، أمة تنشئ الحياة وتبني، كما كان أولها، وهي من خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله.

- جدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة