Culture Magazine Monday  20/08/2007 G Issue 212
فضاءات
الأثنين 7 ,شعبان 1428   العدد  212
 
حقيبة سفر (2)
ميرا الكعبي

 

 

رغم أن أيامي في أوكلاهوما قصيرة، لكنها نجحت في أن تحفر ذاكرتها في داخلي، لقد كانت رحلة مثيرة ومسلية، وتدعو إلى التساؤل والطرافة في أحيان ما. أتذكر أن رابع يوم منذ وصولي إلى إدمند في أوكلاهوما صادف يوم الجمعة، وكانت تنتهي حصصنا لذلك اليوم عند الثانية عشرة، والصلاة تبدأ عند الثانية تقريباًً بعد الظهر. وجدت ذلك فرصة جميلة لزيارة المسجد والتعرف عليه، وعلى الجالية المسلمة التي تعيش هنالك. أخذتني إلى هناك الصديقة الرائعة نهال المغربية التي كنت قد تعرفت عليها من خلال الإنترنت حينما كنت أسأل المرشد الطلابي عن وجود أية طلبة عرب؛ فأرسل إليّ عنوانها، ومن هنا بدأت صداقتنا التي ستلعب دوراً مهماً في الأيام التي قضيتها في Edmond.

لقد كان ذلك المسجد الصغير الأشبه بكوخ أبيض خشبي المسجد الوحيد في مدينة إدمند، كما عرفت من الطلبة العرب والجالية المسلمة هنالك، لكنه في ذات الوقت نظيف وعلى مستوى من الأناقة المتواضعة. دخلت هنالك، وكانت الخطبة قد بدأت. الإمام - على ما يبدو من ملابسه - من باكستان أو أفغانستان، وبما أن الخطبة كانت بالإنجليزية وبلهجة باكستانية فدعني أعترف بأنني لم أفهم شيئاً منها سوى ما يرد من أسماء عربية كاسم أبي بكر الصديق وعمر - رضي الله عنهما - على الرغم من أنني كنت أظن أن لغتي الإنجليزية جيدة!

بعد انتهاء الخطبة والصلاة همّ المصلون - على قلتهم نسبياً - بالمغادرة. وقفت أمام المسجد في الخارج، في انتظار نهال وصديقتها الأخرى كوثر في أن تعودا بالسيارة لاصطحابي. في تلك الأثناء صار المصلون هنالك يلقون عليّ التحية الإسلامية (السلام عليكم) بعربية متكسرة، بما أنني كنت وجهاً جديداً بالنسبة لهم، وعرفوا مني أني قدمت منذ أيام قليلة فقط إلى أوكلاهوما من السعودية لأدرس في الجامعة وأنني صديقة نهال. كان من ضمنهم فتاتان أمريكيتان من أصل إفريقي. عرفت عنهما أنهما شقيقتان إحداهما تدعى فاطمة وكانت بدينة وقصيرة والأخرى اسمها رقية وكانت طويلة ونحيفة. بقيت أتجاذب معهما أطراف الحديث، وكان يدور في تلك الأثناء عن أنني أبحث عن سكن حيث كنت أقيم مع عائلة أمريكية بشكل مؤقت؛ لأنها سوف تسافر فيما بعد؛ فعرضتا عليّ بمحبة أن أسكن معهما في بيتهما؛ حيث إنه لا رجال يقيمون في بيتهما سوى الأطفال الصغار، لكنني شكرتهما على دعوتهما، وقلت لهما: إني أفضل أن أسكن في سكن مستقل أو ربما سأنتقل إلى السكن الجامعي.

سألتهما في هذه الأثناء: هل أنتما حديثتا عهد بالإسلام؟ فأجاباني بأنهما ولدا لعائلة مسلمة، وأنهما طوال حياتهما يعيشان في أوكلاهوما، ولم يغادراها أبداً، ثم ودعتهما وقد كانتا في غاية اللطف معي، وعرضتا علي خدماتهما في المساعدة بأي شيء أنا بحاجة إليه، كما أعطياني عناوينهما الكاملة. ولكن للأسف لم يكن لدي حينها عنوان ثابت كي أعطيهما إياه، فوعدتهما بالاتصال قريباً، وغادرت.

مضت الأيام بعد ذلك، وقد نسيت أمر الفتاتين وانشغلت بحياتي في الجامعة، حتى إذا ما صادف أنني أدخلت إلى المستشفى لعارض صحي، وحينها نصح الطبيب بأن أحصل على إجازة مرضية، وأعود لأكمل فترة النقاهة عند عائلتي، حينها حينما كنت وحدي في غرفتي التي في المستشفى، تذكرت أمر الفتاتين، وبما أني كنت أستعد للعودة فقد قررت الاتصال بهما لتوديعهما؛ ففعلت، وما أن ذكرتهما باسمي حتى ردت عليّ فاطمة بلهفة وحب، وقالت إنها سوف تأتي في الحال لزيارتي في المستشفى هي وعائلتها.

وبالفعل لم تمض دقائق حتى جاؤوا: (فاطمة ورقية وأمهما وأولاد فاطمة الثلاث)، وبعد السلام والتعرف والمجاملات والسؤال عن صحتي وتجاذب أطراف الحديث، سألتني فاطمة باهتمام ولهفة إن كنت أعرف لها شاباً سعودياً مناسباً للزواج بها. شعرت بالدهشة للوهلة الأولى؛ فلم أكن أتصور أن من مهامي في أمريكا العمل كخاطبة بدلاً من الدراسة؛ فأجبتها بالنفي؛ فطلبت مني طلباً؛ قالت إنها سوف تعطيني صورتها ومواصفاتها، وعليّ أن أبحث لها عن زوج سعودي مناسب لها بما أنني سأعود إلى السعودية! فرفضت بخجل وقلت لها: أنا أشعر بالحياء من القيام بذلك! ثم استدركت واقترحت عليها بأن تذهب إلى إمام المسجد وتعرض عليه الأمر وهو كفيل بأن يجد لها زوجاً مناسباً؛ فردت بصوت عال وبامتعاض بأنها ذهبت إليه مراراً، لكنه لم يساعدها في ذلك؛ فقلت لها ملطفة للجو ومبررة في آن: أنت تعرفين أن إدمند مدينة صغيرة ولا توجد بها جالية إسلامية كبيرة. ربما في مكان آخر توفقين بالعثور على زوج مناسب. فقالت حسناً: هل لديك إخوة؟ فقلت لها: أجل لدي سبعة إخوة. فقالت بلهفة: هل هم متزوجون؟ لا أعرف لما كذبت عليها، وقلت: أجل جميعهم متزوجون. هنا شعرت بأنها أحست بالخيبة، وقالت: يا خسارة! ثم كي أغير موضوع الحديث سألتها من باب الاستفهام والتعرف عليها: أنت مطلقة؟ حيث كان لديها ثلاثة أبناء (ولدان وفتاة)، وأكبر أبنائها يبدو أنه في الحادية عشرة؛ مما يوحي بأنها كانت متزوجة منذ وقت طويل؛ فقالت بشكل قاطع: لا.. لا.. أنا لم أتزوج أبداً! هنا شعرت بالصدمة على الرغم أنني أتفهم هذا الأمر في المجتمع الأمريكي، لكن بالنسبة لها فلقد كانت مسلمة وترتدي الحجاب وترغب بالزواج من مسلم سعودي؛ فقال في هذه اللحظة ابنها الصغير: مامي.. مامي أين والدي؟ فردت عليه الأم بلغة رادعة: اخرس.. والدك في تكساس!!!

- الولايات المتحدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة