Culture Magazine Monday  20/08/2007 G Issue 212
سرد
الأثنين 7 ,شعبان 1428   العدد  212
 
النجمة الأثيرة
إبراهيم مضواح الألمعي

 

 

هذه أمي، تُطِلُّ على الدُنيا بوجهِها الملائكي.. عينايَ لا تُخطئان ملامحَها، لقد بزغتْ في الليلة نفسها التي غابت فيها أمي، إني أسمعُ كلماتِ أُمي مع ارتعاشات نورها.. إنَّها تُوجِّهُ كالعادةِ نصائحَها، ودعواتِها..

- بل هي نجمةٌ تقتَعِدُ مكانَها بين النجومِ منذُ آلاف السنين..

- انظروا إليها؛ إنَّ نورها لا يشبه نورَ النجوم، إنَّ في سطوعها معنى مختلفاً.. إنَّها أُمي.. فلم يكن معقولاً أن تغيبَ عنَّا إلى الأبد، لا بُدَّ أن تبقى رعايتُها، ودعواتُها، ونظراتُها تتفقَّدُ وجوهَنا، فهي التي عبرتْ بنا نحو الحياة، ومنحتْنَا معناها الذي يُشِعُّ من رضاها، فكيف تسلِبُنَا هذا المعنى؟! إنها لم تبخل علينا يوماً بشيء.. سرعان ما يتسربُ اليأسُ منه إلى نفوسهم، فيتركونه في ذهوله الصوفي، تاركاً الدُنيا وراءه، يناجي نجمته الأثيرة: يا أمي ها أنتِ تُشِعِّينَ بالحب والخير والجمال، حتى أصبحتْ معالمُها مواثلَ أمامي وإن لم أصل إليها، ها أنا بعد عامين ولمَّا أُفِقْ بعدُ من دهشةِ غيابِكِ، أراكِ كلَّ مساءٍ نجمةً ساطعةً بين النجوم، يتعلَّقُ بها نظري، وحين تحتجبين أشعر أنك أويتِ إلى النوم، وأنكِ للتو تغيبين عنِّي..

عندما تكون السماءُ صافيةً، أسمعُ وصاياكِ تسْبَحُ في السَّدِيم، فأُصِيخُ لها بقلبي، وتنتفضُ ذاكرتي وتحضرين.. وعندما تُذيب الشمسُ الظلام، تَخْلُدِين إلى الراحة، حتى إذا ألقى المساءُ بالشمسِ وراء الأفق، كانتِ الدُنيا معكِ على موعد، فأولِّي وجهي شطْرَكِ، وتصلني كلماتُكِ برغمِ سُجُفِ الليل..

ها أنتِ -كما كنتِ دائماً -تملئين نفسي بالطمأنينة والرضا، وأنت تختصرين كلَّ النجوم، فاملئي روحي نوراً، ما شاء لها الشوقُ أن تنظرَ إليكِ..

منذُ عامين وعيناي معلقتانِ بالسماء، منتظراً أن تمُدي يَدَك أيتُها النجمة الزاهية لتذوبَ نفسي في قُبلةٍ أودِعُها كَفَّكِ المُخضَّبَةَ دائماً بالحناء، فهل تفعلين..

لن يطول انتظاري، فأنت دائماً تسبقينني إلى أمانيَّ، وإني أثقُ أن هناك ما يحول بينك وبين ذلك، وإلا ما كنتِ لتخيبي لي أملاً.. عبثاً يحاولون إقناعَهُ أنَّ هذه النجمةَ قديمةٌ في السماء، بينما يُصِرُّ أنها لم تكن هناك، (بل هي أُمي تُطلُّ علينا من بين النجوم..)

لفرط تعلُّقه بها شعروا أنهم قد فقدوا مع أمهم عقل أخيهم، ولكثرة ما جادلوه، شعروا ألا فائدة من كلامهم الذي يذهبُ هباءً، فيكتفون بمشاركته النظر إليها، حتى تعلَّقت قلوبهم بها، وتبعتها عيونهم، وها هم، يغفلون عمَّا حولهم، ويستقبلونها كُلَّ مساء.

igmw@hotmail.com يوليو 2007


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة