Culture Magazine Thursday  02/04/2009 G Issue 277
حوار
الخميس 6 ,ربيع الثاني 1430   العدد  277
هنري زغيب لـ «الثقافية»:
الحداثة موجة لا تعنيني

 

لقاء - أحمد صالح الهلال

يبدو أن الشاعر هنري زغيب في هذا اللقاء محمل بكل ما هو شعر يتنفس الشعر حيثما الشعر يكون، ولكن القصيدة عنده بعيدة كل البعد عن الحداثة أو ما تسمى بقصيدة الحداثة المحملة بالصور الغرائبية، فهو يرى إن كان هناك حداثة..! بقصيد عنترة العبسي حداثة لأنها بنت الغد واليوم والمستقبل، وعلته في ذلك أنها تحمل الثابت غير العابئ بالزمان وتقلباته.

جاء من رحم قصيدة السهل الممتنع البعيدة كل البعد -على حد قوله- عن تنظيرات المنظرين من نقاد وغيرهم، لأن الشعر كما يرى أصدق معبر عن عواطف الإنسان وأحاسيسه.

وأنت القادم من لبنان كيف هو اليوم وجه لبنان؟

- لبنان اليوم يبحث عن حلٍّ في حيثما الحل يكون، الشعب على صورة سياسييه، بعض الشعب قطعاني الميول يتبع بعض السياسيين عمياني، والبعض الآخر من الشعب أصبح فاقد الإيمان بهذا الطقم السياسي الذي لم يصل حتى اليوم إلى حل ينقذ لبنان مما يتخبط فيه. على أي حال لن تبقى هذه الأزمة طويلاً، المؤسف الوحيد فيها أن خيوطها تمسكها جهات خارجية، وليس لأولياء الأمر في لبنان قرار أو ليس هم أصحاب هذا القرار، نحن إذاً ننتظر حلاً ما، من خارج ما، يأتينا في وقت ما، حتى نخرج من هذه الأزمة.

في رأيك هل ما زال قوة لبنان في ضعفه، كما هي المقولة الرائجة؟

- أنا أرفض هذا المقولة جملة وتفصيلاً، لبنان ليس قوياً في ضعفه، لبنان قوي في عقله اللبناني، في إنسانه اللبناني، ولكن قراره ممسوك، وعندما ينفلت هذا القرار ويعود إلى اللبنانيين من قادة وسياسيين عندها سيكون لنا معهم حساب عسير جداً لأنهم استسلموا للخارج، أو ( أستذلموا للخارج) وأفلت من يدهم القرار. يجب أن يعود القرار إلى لبنان، أن يعود إلى الداخل، أن يعود إلى الحكام المخلصين، الذين ليسوا مرتهنين إلى الخارج، وعندها يعود قوياً في قوته وليس في ضعفه.

البعض يرى أن لبنان يلفظ ابناءه إلى الخارج ليأتوا مبدعين، وحجتهم أن الأرض اللبنانية لا تنبت إبداعاً، فجل ما قدمه لبنان من أدب هو أدب المهجر، وأسماء كجبران، وميخائيل نعيمة، وأمين الريحاني، وقس على ذلك الكثير في الأدب وغيره؟

- الذين غادروا لبنان في فترة ما، لسبب ما، أبدعوا في الخارج، لأن الإبداع في الداخل كان صعباً عليهم أو مستحيلاً.

لماذا الاستحالة والصعوبة في رأيك؟

- لأن الوضع في لبنان أمنياً ومعيشياً وسياسياً كان صعباً عليهم، في تلك الحقبة.. أنت تحدثني عن الرابطة القلمية، عن جبران والريحاني ونعيمة، أي بدايات القرن الماضي، في هذا القرن كانت عندنا الحرب العالمية الأولى والسيطرة العثمانية، كان الوضع في ذلك الحين صعباً. واليوم أيضاً الوضع في لبنان معيشياً واقتصادياً وسياسياً وأمنياً صعب، لذلك نشهد في الفترة الأخيرة هجرة العقول اللبنانية. والعقول هنا لا أقصد بها العقول الأدبية والثقافية، وإنما أخص العقول العلمية.

لأن العقل اللبناني العلمي المهاجر إلى دول عربية أو أجنبية يبدع في الخارج حيث ما هو، وهذا ما يفسر بأننا نجد في الخارج في أي دولة عربية شقيقة أو صديقة في أوربا وغيرها نجد لبنانيين مبدعين، لأن ظروف الإبداع والعمل العلمي هناك متوفرة لهم، وهي ليست متوفرة في لبنان الداخل، فالظروف المعيشية والسياسية والأمنية هي من أوجدت ذلك. لكن كل هذا لا يعني أن ليس للبنان مبدعون من الداخل.

قبل مدة ودَّع لبنان صاحب الآداب سهيل إدريس، هل ترى به مؤشراً لاستنزاف ما بقي من وهج الثقافة اللبنانية؟

- رأيي في هذا الأمر واضح، أذا غاب رائد قام رائد، لا أعتقد بمقولة أن هذا آخر العنقود أو آخر العمالقة. لبنان مليء بالكنوز، مليء بالمبدعين، وسهيل إدريس مبدع ورائد، سواء في مجلة الآداب أو دار الآداب، التي انطلق منها مبدعون وكتاب وشعراء، كان له هو الفضل الأول في إطلاقهم وتشجيعهم على النشر في نشر كتبهم وتوزيعها على كافة العالم العربي.

هذا طبعاً وفاء لهذا الرائد الكبير الدكتور سهيل إدريس، ولكن غيابه لا يعني غياب المرحلة، غيابه يعني حزناً وألماً على انطفاء هذا الضوء المشع على الصعيد اللبناني والعربي.

طيب إلى ماذا تعزو غياب مبدعين لبنانيين اليوم بحجم، جبران والريحاني، ونعيمة؟

- لا نحاول أن نسقط صورة نمطية عن إبداع لبناني، أو عن مبدعين لبنانيين، ونقول أن غيابهم يعني الأفول، لبنان أنجب مثلهم وها هم ينتجون بشكل أو بآخر، لا نسعى دائماً إلى وضع صورة نمطية لشخص أو لتيار أو لأدب حتى أذا غاب سيد هذا النمط أو التيار نعتقد أن التيار انطفأ.

عفواً.. أستاذ هنري نحن نتحدث عن الحضور والوهج الذي كان لهم؟

- صحيح كان لهم حضور في زمانهم، لكنه ليس أهم من حضور آخرين اليوم في زماننا. طبعاً من دون أن أدخل في الأسماء، فهناك قامة عظيم كالشاعر سعيد عقل مثلاً في لبنان لا يمكن أن نقلل منه، أو توفيق يوسف عواد ويوسف حبشي الأشقر في الرواية، وكذلك عمر فاخوري في الأدب، ومصطفى فروخ في الرسم، هناك دائماً قامات لبنانية تغيب وتأتي مكانها قامات أخرى، لأن لبنان معروف عالمياً بهذه الكنوز الإبداعية التي يوردها جيلاًَ بعد جيل، ولكل جيل أعلامه وأقطابه ورواده، حتى أذا انقضى الجيل السابق جاء الجيل التالي بأقطاب قد يكونون أقل أو أكثر إشعاعاً، ولكنهم أقطاب فترتهم وزمانهم.

هل هناك أقطاب ثقافية في لبنان اليوم؟

- طبعاً.. طبعاً، لا يجب أن ننعى وجود الأقطاب في عصرنا اليوم أو في فترتنا، لأن الذين كانوا بالأمس غابوا، دائماً في لبنان أقطاب وفي كل دولة أقطاب، لا نقلل من أهمية الجيل الجديد الذي يسعى وينتج.. ويبدع.. ويشع.. ولكن هذا لا يعني أن تكون لهم صورة نمطية كما في الأجيال السابقة، لكل جيل صورته النمطية التي لا يمكن أن نسقطها على الجيل التالي.

حضرت العام الماضي مهرجان الجنادرية في الرياض ما هو الجديد الذي رأيته في هذا المهرجان؟

- تلك هي المرة الثانية التي أتشرف بأن أدعى إليها، وأجيء إلى الرياض للمشاركة في مهرجان الجنادرية، فلقد سبق لي أن استضفت في مهرجان الجنادرية الأسبق قبل ثلاثة أعوام، وأنا أحب هذا المهرجان لأنه يحفظ التراث.. ما معنى التراث، التراث ليس تذكر الماضي كما يقال أو يُظن، إنما تذكر المستقبل، فالذي يحفظ تراثه يحفظ مستقبله ويؤسس ذاكرة للمستقبل. وهذا ما تفعله الرياض فلقد كانت لي رحلة إلى بلدة الجنادرية، وهناك قُيض لي أن أجول في أجنحة قرية الجنادرية وأن أزور عدة مناطق من السعودية مصغرة في نمنمات في قرية الجنادرية، كما قيض لي أن أشاهد الحرف التراثية والمآكل التراثية والبيوت التقليدية السعودية القديمة بكل دفئها وجمالها وتقاسيمها الداخلية. كنت سعيداً بما شاهدته لأني قرأت المملكة العربية السعودية في أمسها، وأنا اليوم أقرؤها إلى أين أصبحت وكيف تطورت وإلى أي حدٍ من العالمية أصبحت اليوم في زمن العولمة؟ ومع ذلك لم تلغ اللمسة التراثية في هذه المملكة النبيلة الذي يسعى ملكها اليوم (الملك عبدالله) أن يطورها لتكون بنت عصرها، وأنها كذلك.

أجابتك هذه تجرني إلى لقائي بك في معرض الكويت الدولي للكتاب في 2007 في مهرجان الجنادرية ومعرض الرياض الدولي للكتاب، كمثقف ماذا يعني لك الخليج.. البعض يرى بالخليج بئر نفط لا أقل ولا أكثر ليختصر الخليج في حقول النفط فقط.. كيف ترى الخليج؟

- القول إن الخليج مختصر في بئر نفط، قول جاهل مغرور، لأن التراث لم يبدأ مع اكتشاف النفط. التراث الخليجي عريق وقديم ورائع وغني بأعلامه ومعالمه، ولم يزد عليه النفط إلا إمكانات مادية تتيح لأصحاب القرار أن يطوروا كما يجب أن تكون التطورات العلمية والثقافية، ووضع مال النفط في خدمة الثقافة. هذا عمل نبيل، لو قُيض لجميع البلدان أن تضع مالها نفطاً كان أم غير نفط في خدمة الثقافة لكانت الثقافة متطورة حتماً أكثر بكثير مما هي عليه الآن.

لمن تقرأ من الكتاب السعوديين سواء كان من الرواد أم الجدد؟

- شاعري المفضل هو الشعر، روائيي المفضل هو الرواية، إذاً أنا أقرأ كل عمل جيد مكتوب بحس مسئول ويجمع الموهبة والتقنية الكتابية، لأن الموهبة وحدها لا تكفي، أذا كان الكاتب يتمتع بموهبة كتابية فقط وكلامه ثرثرة كثيرة ينبغي لنا أن نقلص منها، لأن التقنية تذهب دائماً صوب الاختصار وليس صوب الثرثرة والإطالة، وللتدليل على ذلك أعطيك مثلاً بسيطاً، الآلة الحاسبة كانت ذات يوم وسع الغرفة ثم ضمرت حتى أصبحت بحجم الآلة الكاتبة، واليوم ضمرت أكثر حتى أصبحت بحجم رقاقة صغيرة تضعها في جيبك. لذا يجب على الموهبة أن تتآزر مع التقنية.

تبدو هذه إجابة دبلوماسية، بالتأكيد هناك أسماء مبدعة رسمت المشهد الثقافي (إن جاز التعبير) وأنت قبل قليل تحدثت عن أقطاب ثقافية في لبنان، ألا ينطبق ذلك على السعودية أو حتى دول الخليج على سبيل المثال.

- لم أدخل يوماً في أسماء لا داخل لبنان ولا خارج لبنان، أنا أدخل في النوع الأدبي، في الإبداع الأدبي، قد أكون أنا اليوم مبدعاً في عمل لي جديد، وقد أكون فاشلاً في عملي المقبل. كلمة أقطاب لا يجب أن نعممها على الجميع، الأقطاب لا يكونون إلا في العلم فقط، الأدب ليس فيه أقطاب، الأدب فيه أدباء قد ينجحون هنا ويفشلون هناك بدرجة أو بأخرى. إذاً هذه العملية الرياضية لا تصح على الأدب، وأنا أعتذر عن الدخول في أي أسماء لا داخل لبنان ولا خارجها، وهذا ليس جواباً دبلوماسياً، هذا جواب علمي.

لنتحدث عن الشعر، هناك من نعى الشعر العربي كونه اليوم لم يعد قريباً من حس المجتمع، كيف تقيم اليوم مكانة الشعر وحضوره ؟

- الذي نعى الشعر لم ينعَ إلا نفسه، لأن الشعر في كل عصر هو متواصل في الزمان، القاصر ليس الشعر بل هو الشاعر.

القاصرون هم الشعراء، ولا يلوم أحد الشعر كفن عظيم، الشعر من الثوابت كالشمس، ليس من يأتي فينعى الشمس ويقول اليوم اكتشفنا الكهرباء ولسنا بحاجة بعد إلى الشمس، الثوابت لا تتبدل من ينعى الثوابت ينعى قصوره هو عن اللحاق بهذه الثوابت.

كان الشعر ديوان العرب ذات حقبة طويلة، عندما لم يكن للعرب صحف، قبل وجود الصحافة، الصحافة اليوم هي التي تعبر عن هموم الناس ومشكلاتهم، وعن واقع المجتمع اليومي، لم يعد للشعر وظيفة أن يكون صحافياً، الشاعر كان صحافي قومه عندما لم يكن لهم جريدة أو مجلة أو تلفزيون أو إذاعة، تطور الشعر مع كل عصر حتى أصبح تعبيراً عن العواطف الإنسانية، لأن الدخول في الزواريب والأزقة الصغيرة تقلل من قيمة الشعر، الشعر نتاج فاخر يعطى للعامة بأسلوب الخاصة، أما الصحافة، فهي فن عام يعطى للعامة بأسلوبهم.

هل معنى كلامك بأنك تنعى الشعراء؟

- لا... لا أبداً أنا أنعى نفسي أذا كنت قاصراً بأن تعجب بقصيدتي. أذا كتبت قصيدة وأنت تقرؤها ولم تعجب بها فأنا المسئول ولست أنت، أذا كتبت لك ما ينفرك من الشعر فأنا المسئول ولست أنت. أنت المتلقي وأنا واجبي كشاعر أن أكتب ما يرضيك، أو حتى وإن لم يعجبك علي أن أكتب ما يصل إليك بشكل سائغ ومفهوم.

الدكتور الغذامي عزا تراجع الشعر اليوم إلى افتقاره إلى الصورة كوننا نحن اليوم في زمن الصورة على حد قوله، هل تذهب إلى هذا الرأي كشاعر؟

- الشعر العربي انطلاق منذ انطلاقته ظاهرة صوتية، هذه الظاهرة الصوتية، تجلت في حينها بالشعراء أولاً ثم الرواة. اليوم تطور العصر فلم يعد عندنا رواة، أصبح عندنا تكنولوجيا، هي الإذاعة والتلفزيون. الإذاعة تعتمد على الصوت ومن الطبيعي أن يكون للشعر مكان بها، في التلفزيون نحن اليوم ليس فقط في عصر الصورة، نحن اليوم في عصر الفيديو كليب، هذا الفيديو الكليب أذا قيض له مخرج ناجح ينجح قصيدة تصور تلفزيونية في أماكن جميلة ومع أشخاص يرقونها ومع خلفية تلفزيونية متحركة جيدة فيخرج الفيديو كليب ناجحاً كقصيدة، كما يخرج الفيديو كليب ناجحاً كأغنية، وهكذا يكون الشعر واكب التكنولوجيا، لأني أرفض رفضاً قاطعاً أن يكون التلفزيون ألغى الشعر.

ألا ترى أن الشعر الحديث اليوم مليء بصور غرائبية، التي لا يمكن للكاميرا أو بالفيديو كليب أن يترجمها للمشاهد، وبالتالي ما دعوت إليه محكوم عليه مسبقاً بالفشل؟

- هذا كلام صحيح... هذه الصور الغرائبية التي لا تستطيع الكاميرا أن تترجمها إلى صورة، لا يستطيع العقل القارئ أن يترجمها صورة في الداخل، وهذا الهذيان باسم الشعر الحديث مرفوض عندي تماماً، كل هذا الهذر الذي يسمى الشعر الحديث، وهذه الكتابة العمودية باسم الشعر، والغرائبية باسم الحداثة، أنا أرفضها تماماً كلياً، لأنها طفرة عابرة وموجة زائلة، لأنها تركيبة كيمائية هي بعيدة كل البعد عن الشعر الحقيقي، وعن العمل النحتي الحقيقي في الشعر. الشاعر لا يكتب قصيدة أنه ينحت قصيدة، والذي ينحت يتأنى ليأخذ وقته حتى يبرز الزوايا ليجمع الشكل والمضمون.

ولكنهم يبررون هذه الكتابة الغرائبية وفق تنظير يؤمنون به من حداثة، وتفكيكية، وبنيوية وغيرها من التنظيرات؟

- هذه التفكيكيه والألسنية والبنيوية، جميعها نظريات تنظيرية طلع بها نقاد هم بالأساس مبدعون فاشلون، لأن الناقد هو المتلقي، أذا أنا كنت شاعراً وأنت الناقد، ماذا تكتب أنت إن لم أنتج أنا، إذاً أنت متلقٍ لمادتي أنا، ولا يعني هذا أن المتلقي دائماً يتلقى كما يجب، أحياناً يتلقى كما يريد هو أن يتلقى فيفسد الكلام على الشعر والشاعر. لهذا أدعو الشعراء أن يبتعدوا عن هذه الصور الغرائبية، ويقدموا الشعر بسيطاً كوردة، قلت بسيطاً كوردة ولكن الوردة ليست بسيطة، الوردة تبدو لك بسيطة لكن تركيبتها العضوية تركيبة معقدة ولكنها جميلة، هذا هو السهل الممتنع الذي يمتنع علينا إن لم نعرف كيف نبلغ أسراره وكيف نسبر أغواره، حتى نصل إلى هذه الخيماء، أذا امتلكنا سر هذه الخيماء.

هل نفهم من كلامك حينما تكتب أنت غير معني بهذه التنظيرات الأدبية من حداثة وغيرها؟

- طبعاً... طبعاً أنا بعيد كل البعد لأني أرفض جميع هذه القاموسيات في التنظير وفي المذاهب الأدبية والنقدية، وفي نظريات النقاد الذين يحاولون أن يغوصوا في بحر القصيدة على اللآلئ والجواهر على حبات الزمرد والياقوت، يروحون يبحثون في عمق بحر القصيدة على الأعشاب والطفيليات.

* موجة الشعر الغرائبي موجة كبيرة بدأت مع الشعر الحداثي مع البياتي وأدونيس وغيرهما، وهي أسماء تعد رائدة الشعر الحديث، هل تطالب -إن جاز القول- على نخل مثل هذه القصائد أو إعادة النظر فيها؟

- أشكرك جداً.. جداً.. جداً ثلاث مرات جداً على استعمالك كلمة موجة، وأشكرك أيضاً على قولك إنها موجة كبيرة، يا صديقي الموجة كانت كبيرة أو صغيرة تبقى موجة، ماذا تعني كلمة موجة، تعني كلمة عابر، مهما علت الموجة حتى لو وصلت حد الجبال، قدرها أنها موجة، حتى وإن طال وقتها لا يهم، لأنها في النهاية تصغر بمجرد أن تبلغ الشاطئ ويبتلعها الرمل والتتكسر عند الحصى، بينما حبوب اللآلئ والياقوت في قلب المياه لا تتأثر بموجة تعلو أو موجة تهبط، المهم أنها ثابت وأنا مع الثوابت ولست مع الموجات، أين تكون هذه الموجة مهما طال أمدها أو طال المنظرون لها، لا تعنيني هذه الأمور أنا معني بالثوابت، وهذا هو الشعر ابن الثوابت وليس ابن المتغيرات، الشعر العربي عريق عمره خمسة عشر قرناً وأكثر لم يتأثر أبداً في أي موجة حصلت في أي عصر من عصور الأدب العربي، هل تعتقد أن هذه الحداثة، أو هذه الموجات التي نشهدها اليوم وتنشب أمامنا طفرات عابرة، ألم يحدث في العصور الأدبية السابقة، أن عرفت هذه العصور موجات مماثلة بشكل أو بآخر في تلك الأيام وفي زمانها بلى ولكن الشعر استمر متوغلاً في الزمان وجميع هذه الموجات اندثرت.

هل لأنك من لبنان وتأثرت برواد الشعر فيه من الرابطة القلمية سعيد عقل وإيليا أبو ماضي، وهؤلاء جميعهم كتبوا الشعر السهل الممتنع لهذا جئت ناقداً على الشعر الحديث اليوم؟

- قد يكون كلامك صحيحاً فأنا ابن بيئتي ونشأت في هذه البيئة ولكن البيئة الأدبية اللبنانية تأثرت أيضاً بهذه الطفرات، ولكني أنا رغم أني ابن بيئتي لم أتأثر بهذه الطفرات، أنا ابن بيئة لبنانية تعتمد (الجماليا).

ماذا تعني (بالجماليا)؟

- الجمال هو ما يعطى لك والجماليا هو ما تصنعه أنت من هذه المادة الجمالية، أذاً الجمال أعطية لنا، الجماليا هو أن نأخذ هذه المادة من الجمال ونصيغها لوحة فنية، هذه هي الجماليا ومن يقوم بالجماليا هو الفنان الأصيل، أما هذا الهذيان الذي نسميه اليوم حداثة وشعراً حديثاً أو منثوراً كل هذه التسميات لا تعنيني مطلقاً، أنا جماليائي كما تقول كيمائي مثلاً أو فيزيائي، أصر على هذه الكلمة، عملي أن أأخذ مادة الجمال وأحولها إلى قصيدة هكذا أكون قد خدمت الشعر.

نفهم من كلامك كأنك ضد الحداثة؟

- قبل ألف وخمسة مائة عام قال عنترة بن شداد:

وودت تقبيل السيوف لأنها

لمعت كبارق ثغرك المتبسم

هل تجد في هذا البيت قدماً عتيقاً لم يعد اليوم يهزك أن في هذا البيت حداثة هي بنت اليوم، وأقول أكثر حداثة هي بنت الغد أيضاً.

إذاً الحداثة لا تأبى بالتسلسل الكرونولوجي (الزمني) أذا كانت الحداثة بنت العصر فأنا شاعر حديث حتى ولو كتبت بالوزن والقافية وعروض الخليل، لأن الوزن والقافية والعروض لا تعني أن هذا قديم. لأن الخروج على القواعد هي الطفرة التي تزول، والتقيد بالقواعد هو الذي يضمن لنا أرضية ثابتة وبتالي مستقبلاً ثابتاً لخلود أعمالنا الإبداعية.

إلى إي حد أنت مؤمن بالتراث؟

- التراث هو العجين الذي لا يمكنني أن أخبز رغيفاً جديداً إلا منه، أما كل رغيف أخبزه من غير هذا العجين فسوف يبقى رغيفاً هجيناً رغيفاً طافراً على الوصل عمره قصير، عمره عمر الزبد.

ما هو هاجس هنري زغيب الدائم سواء على المستوى الوطني أم الشخصي؟

- هاجسي الوطني أن أعود فأرى وطني منارة كما كان منارة، لأن له جميع المقومات غير السياسية أن يكون منارة، أما هاجسي الشخصي فهو التحدي، أن يتحدى هنري زغيب بقصيد اليوم قصيدة الأمس، أن أكتب لك أنت المتلقي المثقف قصيدة تجيء أجمل من قصيدتي السابقة.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة