Culture Magazine Thursday  02/07/2009 G Issue 290
فضاءات
الخميس 09 ,رجب 1430   العدد  290
جمهورية العشاق
خالد البسام

 

تمنّى الفيلسوف اليوناني الشهير (أفلاطون) يوماً أن ينشئ جيشاً من العشاق، فردد عبارة عجيبة تقول: (قدّموا لي جيشاً من العشاق، وأنا أغزو العالم كله وانتصر)! الجيوش اليوم كلّها لا يوجد بها عاشق واحد، وكلّها تنتصر، وتنهزم أيضاً، بالدبابات والصواريخ والطائرات، ولكن بدون العشق! لكن امرأة حسناء من خيال أبدعها الكاتب الإيراني (محمد علي ندوش) في مسرحيته (غيم الزمان وضفائر الحسان)، وجدت أن البشر يمكن أن يقيموا (جمهورية العشق)، وأن يكون لها أنظمتها وقوانينها وحكّامها، وستكون جمهورية للسعادة والرخاء والشجاعة. وتقول عن هذه الجمهورية العجيبة: (لو كانت مقاليد الأمور بين يدي لكنت فعلت أشياء لا يغادر معها أحد هذه الدنيا وفي قلبه حسرة. ومن ذلك فإنني كنت سأجعل (الحب) إجبارياً، مثل الخدمة العسكرية، ولكنت منعت الزواج للرجل قبل سن الأربعين، وللمرأة قبل سن الخامسة والثلاثين. فالناس يتعطّشون إلى الحب، وسوف يطيعونه بقلوبهم وأرواحهم. ولا بد أن نأمر بتدريس الحب في المدارس، فضلاً عن تعريف الجميع بروائع الفكر، وبالمواهب الإنسانية العالية. وبالإضافة إلى ذلك لا بد من تدريس الأدب والموسيقى والرسم والنحت وكل الفنون التي تتناول مدح الحب، ولا حاجة بي - من أجل أن تتقدم مشروعاتي - إلى التوسّل بالدعاية المبتذلة التي يقومون بها لترويج (الكوكاكولا)، بل إنني سأستعين من أجل إثبات سلامة موقفي بإنتاج أبرز العقول البشرية منذ أقدم العصور وحتى الآن، ثم بعد ذلك لو وجدت فتاة أو فتى يمشي كل منهما وحيداً في الشارع دون عذر مقبول فسوف أعاقبه، ولو أن شاباً جلس في حديقة عامة دون أن يكون ساعده على جيد رفيقته وحبيبته لأرسلته للعلاج أو للمحاكمة، وكنت سأوكل كل الأعمال المهمة في الدولة إلى العشاق، ولحددت لهم مرتبات، عملوا أو لم يعملوا، ولوضعت علامات خاصة على صدورهم، بحيث تكون لهم الأولوية أينما ذهبوا، ويكون على الجميع أن يعاملوهم باحترام.

والخلاصة أنني لو توليت مقاليد الأمور، فسوف تكون أهم وزارة عندي وأعلاها ميزانية هي وزارة العشاق).

وتشرح أكثر عن جمهورية العشق فتقول: (إن الشيوخ الذين سيطروا على العالم حتى الآن لم يفتحوا الطريق لأحد إلا إذا كان على شاكلتهم، ولو أن الأمور كانت بيدي لأنهيت هذا الوضع إلى الأبد، ولجعلت الشباب الحقيقيين، الشبان العشاق، يسيطرون على العالم. فهم الذين يفهمون معنى الحياة، ومعنى الإنسانية، وعندهم قوة الإرادة وسلامة الجسم، وهم معتزون بأنفسهم ومتفائلون، يحملون في أنفسهم أحلاماً وردية، يستيقظون في الصباح من النوم بأمل وشوق، ويحبون الحياة لأنهم قادرون على التمتع بها.

بالله دقِّق في الوجوه السياسية العالمية اليوم. إنها تثير الشفقة.. فهي وجوه عابسة ذات غضون، لا يملك أصحابها الجرأة حتى للذهاب لإجراء عملية جراحية يحتاجون إليها. إلى هذا الحد يحبون الحياة. دائماً ما يتثاءبون، ودائماً يفكرون في الخديعة والنصب على الحياة والناس، ووضع العراقيل في وجه أمور العالم المختلفة).

لم يكن الأديب الروسي الشهير (أنطوان تشيكوف) يؤمن بقوة الحب في الحياة، بل أكثر من ذلك بقوله: (إذا كان بوسعك أن تحب، ففي مقدورك ببساطة أن تفعل أي شيء). لكن هل يستطيع الإنسان إقامة (جمهورية العشاق) كما تطالب بها بطلة مسرحية (غيم الزمان وضفائر الحسان) للكاتب الإيراني (محمد علي ندوش)؟ على حسب بطلة المسرحية الجميلة فإن هذا ممكن، ولكن بشرط واحد، وهو أن يعشق البشر كلهم، وأن يدركوا فعلاً أن العشق هو خلاصهم وسعادتهم وحياتهم الهانئة. فمثلاً تتحدث بطلة المسرحية عن (ميزانية) جمهورية العشاق فتقول: (لقد أدير العالم حتى الآن بسوء نية، ودائماً ما يكون دخله أقل من نفقاته. والحقيقة أن العالم لا يلزمه كل هذا العمل. فمن الممكن تحويل الدنيا إلى جنة بثلث هذا العمل، وبثلث الجهود التي يتم إهدارها والأموال التي يتم إنفاقها في غير موضعها.

بالله عليك: من الذي يحتاج إلى كل مصانع الأسلحة هذه؟ من الذي يحتاج في عالمنا إلى كل هذه الدعايات الكاذبة والصحف العميلة؟ من الذي يحتاج إلى كل هذه البيروقراطية والمظاهر والمراسم والإدارات والمؤسسات؟ عندما يرأس أحد (العشاق) جهازاً من الأجهزة، فإن الساعة أو الساعتين اللتين يعمل خلالهما في اليوم الواحد ستكون النتيجة منهما أضعاف عمل اليائسين المتشائمين.

وعلاوة على هذا فإن الدنيا الآن مليئة بالذين يأكلون بالمجان، وهؤلاء يجب القبض عليهم وإرسالهم إلى العمل حتى يجد الشباب وقتاً كافياً للحب. ولو أن كل سكان العالم أحبوا مرة واحدة في حياتهم لكان وضع الكرة الأرضية غير وضعها اليوم. إن كل أنواع التعدّي وأكل حقوق الناس والجرائم والخيانات قد حدثت بأيدي أشخاص لم يعشقوا ولم يعرفوا عالم (العشق).

إنهم يريدون أن يكون كل الناس أشقياء مثلهم. وفي هذه الجمهورية سترفض (النقود)، فهي أساس البلاء وسبب الكراهية والمصائب كلّها، حيث تقول عنها بطلة المسرحية: (لا أظن أن هناك ما هو أعجب من النقود في الدنيا.. شيء بهذه القذارة تتناقله أيدي الملايين، ويتم تداوله بين الأيدي القذرة والمصابة بالجرب والميكروبات، ومع ذلك فإن أكثر الناس نظافة وأشدهم وسوسة لا يشعرون بالاشمئزاز من لمسها. ورغم كل المستحيلات التي تجعل من إقامة (جمهورية العشقّ) في هذا الزمان شيئاً غير ممكن، إلا أن الخيال وحده يجعلنا نشعر ببعض لذات السعادة التي طالما افتقدناها في حياتنا!

albassamk@hotmail.com المنامة

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة