Culture Magazine Monday  05/01/2009 G Issue 265
قراءات
الأثنين 8 ,محرم 1430   العدد  265
الإعلام الثقافي وتنميته في المجتمع السعودي*(2)
د. بدر بن أحمد كريّم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وضع إبراهيم التركي (مدير التحرير للشؤون الثقافية بصحيفة الجزيرة السعودية) خطوطاً عريضة تتصل بالجانب التخطيطي الشامل، المتصل بالعوائق التي تواجهها وسائل الإعلام السعودية من ناحية، وثقافة مجتمعها من ناحية أخرى، واصفاً هذه الخطوط العريضة بأنها (تتجه لعمق المشكلة التي أركست المسار الثقافي والإعلامي السعودي، في التنميط والتقليد، وجعلت وسائط الثقافة والإعلام الفضائية والإلكترونية الخارجية، تسود وتقود).. ومن ثم رأى التركي أن (معوقات التنمية الإعلامية والثقافية في المجتمع السعودي، ممتدة بامتداد الفهم لمدلول مصطلح ثقافة مصطلحاً، ووظيفة، وممارسة).. وفي هذا السياق أوضح أن المشكلات التي تعترض المسيرة الإعلامية الثقافية، تنتمي في معظمها إلى المشهد المجتمعي الخارجي.. أي إلى العناصر غير الثقافية ذات الإسهام الفاعل في التنمية الشاملة (61) ضارباً -على سبيل المثال- بالآتي:

أ - هلامية مفهوم الحرية، وتعادلها السالب والموجب مع المسؤولية.. فما يراه أفراد أو تيارات حقاً مشروعاً، يعده غيرهم تجاوزاً للحرية، وعدم الشعور بالمسؤولية.

ب - التصنيف الثقافي وفق الأدلجات، والانتماءات، والهويات.. حيث تأثرت المنتجات الإعلامية الثقافية إبداعاً وتأليفاً ومنتديات، بالنظرة إلى صاحبها: حداثياً، أو تقليدياً، ليبرالياً أو محافظاً، عَلْمانياً أو سلفياً، عولمياً أو عروبياً، مستقبلياً أو ماضوياً.

ج - نأي الثقافي والإعلامي عن القرار السياسي والمجتمعي.. فالمثقفون والإعلاميون محصورون بأدوارهم الكتابية، والصحفية، والإذاعية داخل المؤسسات الصحفية، والأندية الأدبية، والجمعيات العلمية (وليس لهم بوصفهم بناء ذا كينونة، دور مُهِم في رسم الإستراتيجيات، ووضع الخُطَط، وتبني المشروعات الكبيرة، ويكفيهم أنْ ينْتدوا، ويوصوا ضمن مؤسسات صغيرة كالأندية الأدبية، التي ليس لها تأثير يُذْكَر في نسيج المجتمع).

د - (تراجع الدوْر المعرفي والتنويري للمثقف، في ظل سيادة التوجه المحصور في العمامة والعصا، إذ تعاني الثقافة كثيراً من سطوة الفِكْر الأُحادي، ومنْح السُّلْطة حتى لرجل الشارع العامي ليسائل المثقف، والإعلامي، أو المسؤول الثقافي والإعلامي، ويمنعه من النشر، ويطالبه بالتبرير والتكفير.. وثمة ممنوعات وممنوعون بسبب رأي قارئ عادي، استعدى عليهم من بيده قرار النشر والحظر).

ه - تراجع نقد الثقافة السائدة أمام تيارات الركود، مما يجعل المطالبة بالتغيير من المثقفين والإعلاميين، في دائرة الاتهام العقدية تحديداً.

و - عدم فعالية هيئات المجتمع المدني (الأهلي) ومنها: جمعية الإعلام والاتصال، وهيئة الصحفيين في أخذ مبادرة القرار الإعلامي والثقافي، والانفتاح على التيارات الأخرى محلية، وعربية، وعالمية.

ز - عدم وجود نظام لحماية حقوق الإعلامي، والمثقف، والثقافوي المالية والإدارية، إذ ليس هناك أي ضمان يحول دون الاستغناء عن المحرر، والكاتب، بل ومدير ورئيس التحرير، بتوقيع قلم أو اتصال هاتف.

ح - طُغيان الشهادة على التقنية، وتقديم الأكاديميين على المبدعين، ولو لم يكن لهم حظ كبير في التوجيه والتّمكُّن.

وأخيراً رأى إبراهيم التركي، أن هناك جوانب أخرى تتصل بنُدرة المحرر الثقافي، والإعلامي المتخصص لدرجة افتقاده، فضلاً عن قلة الحوافز المادية للعاملين في المجال الإعلامي الثقافي، وعدم وجود تدريب مهني متخصص لهم، وانصراف رجال الأعمال عن الإعلان في الوسائط الثقافية ودعمها، وارتباط الثقافة في المفهوم الأعم، بالندوات، والمحاضرات، والقَوْل، والمَقُول، والتّقَوُّل.

أما عبد العزيز السِّبَيِّل (وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية) فرأى أنّ هذه المعوقات تتمثل في (عدم توافر البِنْيَة التحتية الكافية من المباني للأندية والمكتبات، ونقص في الموظفين المتخصصين في المجال الثقافي، والدعم المالي للأنشطة الثقافية).

وذهب عبد الفتاح أبو مدين (الرئيس السابق للنادي الثقافي الأدبي في محافظة جدة) إلى وجود معوقات أمام الثقافة السعودية، وعدّد من بينها (عدم إشراف متفرغ في الصحافة الثقافية، وهيمنة رئيس التحرير في اختيار ما يُنشر، وعدم إعطاء الكُتّاب الذين يكتبون كلاماً جيداً مكافآت) فيما وصف الثقافة في المجتمع السعودي بأنها (مُهَمّشَة في وزارة الثقافة والإعلام، ومُهَمَّشة في البلد، وفي الصحافة).

وأُضيفُ بدوْري إلى ما سبق المعوقات الآتية:

أولاً: انعدام توصيف مسؤوليات وواجبات وحقوق الصحفي، والمحرر، ومدير التحرير، وسكرتير التحرير، المسؤولين عن الصفحات والملاحق الثقافية في الصحف السعودية، بما ينسجم ويتوافق مع الصورة التقنية والصحفية المتطورة.

ثانياً: عدم تدريب العاملين في وسائل الإعلام السعودية، على روح العمل كفريق واحد، وبخاصة في مجال الخدمات الثقافية التي تقدمها وسائل إعلامهم، والعمل -من ثم- مع الآخرين في فريق عمل متناغم.

ثالثاً: غياب الدراسات العلمية، وعدم الاقتناع بجدواها لمعرفة واقع وسائل الإعلام السعودية، وما لها وما عليها، وآراء الجمهور إزاء أدائها، والاستفادة من النتائج والتوصيات التي نجمت عنها، وتوصلت إليها.

رابعاً: ضَعْف مستوى إعداد مديري البرامج الحوارية في المذياع والرائي (التلفاز) السعوديين، وعدم إكسابهم مهارات الحوار في إدارة البرامج الثقافية تحديداً.

خامساً: عدم سعي بعض الإعلاميين السعوديين، لكسب وإنماء معارفهم الثقافية وعلومها.. ويبدو ذلك بجلاء في أداء بعض المذيعين والمذيعات، فضلاً عن بعض الصحفيين، وعدم القدرة على التكيف مع واقع الثقافة في المجتمع السعودي ومستقبلها.

سادساً: انعدام التحرك من أجل حماية الحقوق الإنسانية للإعلاميين السعوديين، وبخاصة الذين تعرضوا منهم لأمراض المهنة، بما يحفظ لهم ولأسرهم كرامتهم وإنسانيتهم.

سابعاً: عدم وجود أقسام أو إدارات في وسائل الإعلام السعودية، تهتم بإجراء استطلاعات رأي، ولو بين فئة محدودة من المتلقين، لمعرفة ما يفضلون وما لا يفضلون من المواد الثقافية المنشورة والمبثوثة.

المبحث الخامس: دور المؤسسات التعليمية والثقافية الحكومية والخاصة في النهوض بالتنمية الثقافية للمجتمع السعودي.

مدخل:

الحديث عن دوْر المؤسسات التعليمية والثقافية الحكومية والخاصة، في النهوض بالتنمية الثقافية للمجتمع السعودي ذو شجون، لأنه يتناول مدى العلاقة بين تلك المؤسسات، ويكشف عن مدى التآلف أو التنافر بينها، ويوضح كيف يتم أداؤها اليومي نحو ثقافة سعودية مؤثِّرة ومتأثِّرة، تترك بصماتها الواضحة على التنمية الثقافية في المجتمع السعودي.

وليس ثَمّة شك أنّ النظر إلى هذه المؤسسات عن قُرْب، يُضفي على الرونق الآتي من طبائع الثقافة نفسها، مبدأ ثقافياً عاماً، في كل ما له علاقة بين تلك المؤسسات من جهة أولاً، والمثقفين ثانياً، وعملية التثاقف ثالثاً وأخيراً.

ويُخْطئ الممسكون بالشاشة الصغيرة، والكلمة المكتوبة، والعرض من خلال الرائي (التلفاز) إذا لم يكن ما يبثونه، وينشرونه، ويعرضونه ذا تنمية ثقافية، أو تعزيزاً للقيم الثقافية المجتمعية، التي لها صلة بثقافة الحاضر والمستقبل في المجتمع السعودي.

وغني عن القول: إن تطور وسائل الإعلام الجماهيرية السعودية، وتعدُّد منافذ ونوافذ بيْع وتوزيع الثقافة، وزيادة حُمّى ارتياد الفضاء، يتطلب مؤسسات تُعْنىَ بأمور الثقافة وقضاياها، وتُنَظِّم شكل وأسلوب وطريقة أدائها، على نحو يجعل من الثقافة والإعلام أن يستقطبا كل الفئات الاجتماعية.وهذه إطلالة على المؤسسات التعليمية والثقافية الحكومية والخاصة، في النهوض بالتنمية الثقافية للمجتمع السعودي، ولتكن البداية من تحديد المفهوم العام للتنمية.

المفهوم العام للتنمية:

تعددتْ استعمالات لفظة تنمية (Development) للإشارة إلى كل مكان من شأنه التغيير نحو الأفضل. وتبعاً لذلك ظهرت مصطلحات: التنمية الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية، والتنمية السياسية، والتنمية الشاملة، والتنمية الحضارية.. واتسم الفكر الاجتماعي بل والإنساني الخاص بمفهوم التنمية بالغزارة، وتعدد المصطلحات، وتبوأت صياغات مفهوم التنمية مكان الصدارة في معظم الدراسات، وتعددت الأصول اللغوية المشتقة منها لفظة تنمية.

وكما تعددّت استعمالات لفظة تنمية، تعددت تعاريفها أيضاً.. ففي الفكر الاجتماعي تُعرف التنمية - من بين تعريفات كثيرة - بأنها (عملية توافق اجتماعي، أو أنها إشباع الحاجات الاجتماعية للإنسان، أو أنها عملية تغيير موجه يتحقق عن طريقها إشباع حاجات الأفراد).. كما أن لها تعاريف في الفكر السياسي، والاقتصادي، والتعليمي، والتربوي.

مفهوم التنمية الثقافية في المجتمع السعودي:

يفهم مقدم هذه الورقة التنمية الثقافية في المجتمع السعودي، على أنها حاجات مطلوبة وضرورية من وسائل الإعلام السعودية، لرفع المستوى الثقافي لأفراد المجتمع كافة، من خلال برامج ومواد إعلامية ثقافية تنقلها هذه الوسائل، بأسلوب مشوق وجذاب، بعيداً عن روتينية الأداء، والإعداد، والتقديم، والإخراج، والتنفيذ. ويَتَوَقَّع جمهور وسائل الإعلام السعودية منها: تعزيز التنمية الثقافية، وتحقيق زيادة مطردة في ثقافة الفرد السعودي، والتخطيط لعملياتها الحاضرة والمستقبلية، بما يؤدي إلى زيادة تراكمية كيفية ونوعية، تحدث تأثيرها الإيجابي على المديين: القصير والبعيد في عملية التنمية الثقافية.

أهداف التنمية الثقافية في المجتمع السعودي:

تستهدف التنمية الثقافية في المجتمع السعودي تحقيق ما يلي:

أ - التشبُّع بالقِيم الحضارية الإسلامية، فيما يُشَكِّل رُوحاً في الهُوُية العامة للثقافة.

ب - توفير الظروف المناسبة، والإمكانات المطلوبة لإثراء شخصية المواطن، وبناء تكاملها، فيما يعزز فيه قيم الوعي بالعقيدة، والقدْرة على الانخراط ضِمْن حركة التطور الثقافي الإنساني.

ج - إثراء البِنْيَة الثقافية، والعمل على تطويرها بشكل دائم، بوصْف الثقافة ركناً أساساً في البناء الحضاري للوطن، ودعم الفِعْل الثقافي بمعطيات البحوث العلمية، والدراسات الأكاديمية.

د - تحقيق التكامل في المنظور الفكري للثقافة، بين عناصر تراث المجتمع السعودي، ومُعطيات التجربة الإنسانية المتجددة.

ه - النهوض بالإنتاج الفكري، والأدبي، والفني للمجتمع السعودي، إلى حد يجعله قادراً على الحوار مع الثقافات الأخرى، يعطيها على قدْر ما يستفيد منها.

و - تنمية ثقافة الطفل السعودي، وإشباعها بكل ما يؤهل الناشئة والشباب، على القدرة على العطاء في أدوارهم المنتظرة.

*مجتزأ من ورقة قدمت إلى الملتقى الثقافي الأول للنادي الأدبي بمنطقة تبوك 19- 21 ذي القعدة 1429ه، 17-19 نوفمبر - تشرين الثاني 2008م ** العضو السابق في مجلس الشورى *** تم الغاء الهوامش اختصاراً

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة