Culture Magazine Thursday  05/03/2009 G Issue 273
عدد خاص
الخميس 8 ,ربيع الاول 1430   العدد  273
كيف أراه
زكريا تامر

 

أراه شجراً أخضر يزهر ويثمر سخياً مطوقاً بفؤوس حاقدة تعوي متلهفة على القضاء على كل ما هو جميل أصيل جديد نافع. وأراه كاتباً يخوض معاركه الفكرية كأن الكلمات سيوف صارمة لم تهجر أغمادها إلا لتنتصر وتغري خصومها بالتلويح بالرايات البيض.

وأراه موهبة أصيلة حقيقية تقدم ما تبدعه بلغة حية فتية طازجة رشيقة جذابة سهلة مستساغة تعزز الثقة باللغة العربية وقدراتها، ومن المؤكد أن اللغة هي الامتحان الصعب لكل كاتب، ولا وجود في الوطن العربي لأديب متطور من دون لغة متطورة، وثمة أدباء ليسوا بالأقلية استحقوا ازدراء قرائهم وإهمالهم لكونهم يستخدمون لغة تشبه اللحم الميت ورؤى هي جثث غير مدفونة.

وأراه روائياً معظم أبطاله حكاؤون مالكو ألسنة طويلة هم التعبير الصادق عن الحياة العربية المعاصرة حيث الحكي يحتل برّها وبحرها وجوّها.

ومن الممكن القول إن رواياته تتصف بالآتي:

- روايات وثيقة الارتباط بالواقع المحلي، ولكنها في الوقت نفسه قادرة على أن تمتع قارئها في أي مكان وزمان.

- روايات هي نتاج مخيلة خصبة ووعي نافذ ورؤية عميقة للحياة والبشر.

- روايات متطورة فنياً وفكرياً تستفيد من منجزات الرواية في البلاد العربية والعالم من دون أن تقلدها وتتمكن من تقديم ما هو خاص وجديد ومتميز.

- روايات تنجح في إقناع قارئها بأن أحداثها حقيقية وشخصياتها حية.

- روايات تتصف بالمرح الساخر والتشويق العفوي غير المصطنع لأنها موجهة إلى قراء ليسوا بالسجناء المكرهين على القراءة.

وأرى غازي القصيبي شاعراً شديد الارتباط بتراث أمته متخذاً منه أرضاً صلبة ينطلق منها ليعبر عن صوته الخاص مستفيداً في الوقت نفسه من براعة الروائي في السرد والحوار.

وأراه كاتباً شديد العناية بما اعتاد الأدباء العرب إهماله أو تجاهله أو تركه لمصححي المطابع عجزاً أو جهلاً، وهو الفواصل والنقاط التي يتقن غازي القصيبي استخدامها في نصوصه الاستخدام الصحيح لكونها المنظم لما في تلك النصوص من إيقاعات.

وأراه كاتباً جريئاً مخلصاً لكل ما يؤمن به، فهو من الأدباء العرب القلائل الذين يدفعون ثمناً باهظاً لكل كلمة من كلماتهم، ولكن القصيبي يدفع الثمن بصمت ومن غير ضوضاء وضجيج وجعجعة إعلامية متابعاً السير في الطرق الوعرة المفضلة لديه. وأراه أديباً رابط الجأش صابراً يتفرج على نقاد يتطوحون يمنة ويسرة في دراسات مطولة تشهق إعجاباً بتفاهة وركاكة مهملين الأدب المبدع بحق.

وأراه جبلاً يطل وحيداً على سهول وأودية تشبه القبور.

وأراه صخراً تعوّد الهزء بعواصف الجهال والعميان، لأنه الخبير بقهرها والقادر على أن يبقى صخراً.

لندن

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة