Culture Magazine Thursday  05/03/2009 G Issue 273
عدد خاص
الخميس 8 ,ربيع الاول 1430   العدد  273
كما عرفته
د. مصطفى طلاس

 

ترجع معرفتي الأدبية بالشاعر غازي القصيبي إلى أوائل الثمانينيات من القرن الماضي عندما اطلعت على مجموعاته الشعرية المطبوعة مثل (أشعار من جزائر اللؤلؤ) و(قطرات من الظمأ) و(معركة بلا راية) وغير ذلك من مجموعاته، إلى جانب اطلاعي على روايته (شقة الحرية) التي تحمل مصداقية عالية في الحديث عن المرحلة المهمة في حياة أمتنا من عام 1956 حتى عام 1961م.

وعندما قمت بتقديم مختارات شعرية لديوان العرب كان له نصيب من اهتمامي لما تحمله قصائده من رؤى شاعرية مبتكرة، وحينذاك بدأ اهتمامي ينصبّ دائماً على تتبع ما كتب في دواوينه، أو ما كتب عنه من النقاد والأدباء والدوريات التي تعنى بالأدب ومذاهبه وشؤونه، وكنت أتوقف بتأمل عند كل ما يكتب عنه، وبخاصة أنه من أبرز شعراء الجزيرة العربية.

ولأنه من العاملين في الحقل السياسي كان تعلقي بما يكتبه أكثر جاذبية لي؛ فقد شغل مناصب وزارية عدة في المملكة العربية السعودية أعواماً عديدة. وكان من اللافت للنظر هذه المضامين القومية التي تشعل حماسة وألماً لمآسي العروبة ونكباتها، كما كانت قصائده الوجدانية مميزة عن شعراء الحداثة بنبرة الصدق والمعاناة، وشفافية الكلمة الجميلة، وهكذا امتزج الشعر عنده بين الواقع المحيط والذات المتأثرة والذات المتأثرة كما في قصيدته التالية: أتيتكِ صحبتي الأوهام والأسقامُ والآلام والخَوَرُ ورائي من سنين العمر ما ناءت به العمرُ قرون كل ثانية بها التاريخ يختصر وقدّامي صحارى الموت تنتظر فيا لؤلؤتي السمراء كيف يطيب لي السَّمرُ وكيف أقول أشعاراً عليها يرقص السحر.

في هذا المقطع الشعري المحدد تظهر لنا شخصيته الأدبية في عالمه الوجداني، وحياته الصاخبة المحملة بالهموم والآلام. وأرى أن القصيبي من خلال إنتاجه الشعري والنثري يملك رؤية واعية لواقعنا العربي الاجتماعي والسياسي، وما يحفل به من هموم ومخاوف، وأنه استطاع أن يزاوج بين وجدانه ومحيطه وكثيراً ما كان وجدانه في الشعر وبخاصة في الحب يشكل إطاراً للحديث عن معاناته الإنسانية، فشعره متميز بالمصداقية؛ إذ يعبّر في جانب منه عن الذاتية الحالمة الحزينة الهاربة من الواقع المرير إلى التطلع لعالم القيم العليا، الراغبة في تقويم حياة المجتمع وإصلاحه؛ فهو إذا جاز التعبير رومانسي واقعي لا خيالي إلى جانب أنه مجدد في الشكل والمضمون.

يظل شعر غازي القصيبي بالرغم من خصوصية البيئة والتطلعات جزءاً من حركة الشعر في الوطن العربي في تطوره شكلاً ومضموناً، وفي تطوره كان خروجه على النمط التقليدي في كتابة القصيدة، وبخاصة بعد تأثره بالدعوة إلى الواقعية والالتزام في الأدب.

سورية

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة