Culture Magazine Thursday  05/03/2009 G Issue 273
عدد خاص
الخميس 8 ,ربيع الاول 1430   العدد  273
رجل الشأن العام
د. رضوان السيد

 

وسط الهموم والمشاغل والفتن المتكاثرة، تغيب على المُتابع مسائل وأمورٌ كثيرةٌ، تكونُ الأجدَر بالاهتمام، مما يكون الواحدُ منا منغمساً فيه إلى شوشته، كما يُقال.. وبدون طول سيرة: ما تنبهتُ إلى القُصيبي المثقف والكاتب ورجل الشأن العامّ إلا عندما بدأ ينشر سلسلته الذهبية في خضمّ كارثة العام 1990: (حتى لا تكونَ فتنة).. فقد كانت تلك المقالات بالغةَ الروعة من حيث الوضوح والهدوء والتروّي واستكشاف الآفاق وسط تلك الظُلُمات المُدْلهّمة.. فقد كانت الأكثرية مع صدّام، والأقلية ضدَّه، وضاعت في خضمّ التحزُّبات والانقسامات والسطوة الأميركية قضية العراق، وقضية الكويت، وقضايا العرب أجمعين. وهذا هو شأن (الفتنة) التي ورد عنها في الأثَر أنها إذا أقبلت شَبّهتْ، وإذا أدبرت بيَّنتْ.. وأشهد بعد هذه المدة الطويلة التي تُقاربُ العقدين، أنّ ما كتبه غازي القصيبي في فتنة حرب الخليج الثانية، كان الأفضل فيما قرأتُهُ، سواءٌ لجهة تحليل المشكلة، أو لجهة إيضاح سُبُل الخروج منها.

وما غاب القصيبي عن وعيي وقراءاتي بعد واقعة الكويت.. فقد حصلْتُ على كتابه: (حياةٌ في الإدارة)، وقرأتُهُ في ليلةٍ واحدةٍ.. وفي اليوم التالي قدّمُتُ منه نُسْخةً للرئيس الحريري رحمه الله، ولصديقين آخَرين، أعرفُ أنهما يقرآن ويهتمان.. والطريف أنّ الحريري اتّصل بي بعد يومين، وطلب مني إرسال نُسَخ من الكتاب إلى خمسة أُناس - بينهم الرجلان اللذان أهديتُهما الكتاب - ، وعليّ أنّ أُوصيَ الجميع بقراءة حياة القصيبي في الإدارة، ونلتقي عنده الساعة التاسعة مساء الجمعة لمناقشته! وقال الحريري في بداية الجلسة: القصيبي يتحدث كأنما انتهت حياتُهُ في الإدارة، لكنّ الكتاب كلَّه دليلٌ على حياة مستمرةٍ، فالرجلُ رجلُ دولة، ورجل مستقبل!

وفي الفترة اللاحقة، تابعتُ نشاطات السفير القصيبي في لندن من خلال الأصدقاء، ومن خلال ما كان ينشره بالحياة والشرق الأوسط شعراً ونثراً.. ثم قرأْتُ شقة الحرية، والعصفورية، ومجموعته الشعرية: من جزائر اللؤلؤ.. وباستثناء مقطوعته الأخيرة بشأن حذاء الزيدي، كنتُ أحرص - ولستُ عاملاً في النقد الروائي أو الشعري - على مناقشة نتاجه المتألّق مع المختصين والمتذوّقين.. وكانت وجهةُ نظري دائماً أنّ المثقف الكبير مثل القصيبي، لا ينجح في العادة في مسائل الدولة والشأن العامّ؛ لكنه حقّق الأمرين أو برز فيهما، وتلك ميزةٌ نادرةٌ في الزمن العربي الحاضر، بل في كلّ الأزمنة.. وإلى ذلك فالوزير القصيبي على رفعةٍ في الخُلُق، وسعة صدْرٍ تُجاه الأصدقاء والخصوم، واهتمامٍ لا يكلُّ بالشأنين الوطني والعربي، ومن مواقع المسؤولية والالتزام.

لبنان

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة