Culture Magazine Thursday  07/05/2009 G Issue 282
فضاءات
الخميس 12 ,جمادى الاولى 1430   العدد  282
رفيف
الظل والمترسب 1-2
د. فاطمة الوهيبي

 

تناولت في كتابي (الظل: أساطيره وامتداداته المعرفية والإبداعية) عددًا من المسائل المعرفية والإبداعية انطلاقًا من فكرة الظل. وفي الفصل السادس المعنون (الظل واللغة والكتابة) ركزت على الظل بوصفه علامة. وفصلت الحديث عن مفهوم السيمولاكروم، وتوقفت مطولاً عند العلاقة الوثيقة التي جعلت عددًا من الفلاسفة والمبدعين يربطون منطقة الإبداع في اللغة والأدب والفن إجمالاً بما يمكن تسميته منطقة الظل، وفصلت الحديث عن عبارات مثل ثغر الظل، وظل النص، والظل السائر، ومفهوم الإبداع والكتابة المرتبطين بالظل عند كل من (هيجو، وبارت، وكيفيار، ونوردساني، وميرلوبونتي) وقبلهم عند (دريدا وجوليا كريستفيا). وقد كان من قبلهم جميعًا التوحيدي (أبو حيان) قد ربط الحدس والإلهام بمنطقة الظل في النفس الإنسانية.

وما يدعوني اليوم للعودة إلى هذه الجزئية هو أن تلك المسألة كانت مجرد فصل في الكتاب وهو فصل يحمل في طياته مشروع كتاب قادم أخصصه لهذه المسألة العلمية، وأنوي التوسع في معالجة هذه المسألة. وسأشير في هذه المقالة إلى بعض مما سأتناوله في المشروع القادم، حيث سأناقش ضمن ما أناقش كتابًا بعنوان (عنف اللغة) لجان جاك لوسركل، وهو كتاب مهم ترجمه الدكتور محمد بدوي، وراجعه الدكتور سعد مصلوح. والفكرة الأساسية التي يناقشها الكتاب هي فكرة المتبقي أو المترسب. حيث يركز لوسيركل على جانب من اللغة يسميه (المتبقي)، وهو جزء يروغ من قواعد النحو، ويتفلت من قوانين الألسنية. ويرى لوسيركل أن هذا الجانب هو الذي يبرع فيه المبدعون والشعراء والمتصوفة وغيرهم. ومع أن هذا الجانب لا يسير وفق قوانين اللغة إلا أنه - كما يرى لوسيركل - يغني اللغة، ويرفدها، ولا يهدمها.

وتقوم فكرة لوسيركل على نقد الفصل الحاد بين نظام اللغة والمتبقي، حيث يرى أن نظام اللغة ليس هو اللغة ككل، بل إن الكثير من الأنشطة الإبداعية في اللغة تقع خارج هذا النظام، ولذلك فالمتبقي ليس فضلة خارج نظام اللغة، بل هو من طبيعة هذا النظام.

ولا شك أن منطلقات لوسيركل تفيد كما يؤكد هو نفسه من رواد سبقوه في تناول أجزاء من هذه الفكرة أمثال: (فرويد، ولاكان، ودولوز، وياكبسون، وغواتاري...وغيرهم). ولعل من أبرز تلك الإفادات استثمار ما طرحه فرويد حول زلات اللسان والنكات؛ حيث يعقد لوسيركل مقارنة مفصلة بين العقل الباطن الفرويدي وعمله في النفس وبين المتبقي وعمله في اللغة ككل، حيث يرى أنهما (يتشابهان من حيث فوضويتهما الخلاقة وعصيانهما للأعراف والقوانين وابتهاجهما بذلك).

ويقدم لوسيركل أمثلة من بعض الخطب والشعارات والإعلانات التجارية وغيرها، ويوضح أنها أمثلة تعكس عنفًا واقعًا على اللغة، وهو ما يعكس عنف اللغة نفسها. وهذا العنف قد يتمثّل بأي استعمال لا يجيزه نظام اللغة مثل استعمال الاسم فعلاً، ويصل بعد ذلك إلى نتيجة مؤداها أن ذلك الجانب من اللغة الذي يسميه المتبقي ليس ذلك الجانب الغامض الواقع خلف حدود اللغة، بل هو ظلها الملازم وجانبها الآخر.

ولفكرة المتبقي عن لوسيركل علاقة قوية بمفهوم الترسب. وهو مفهوم متغلغل في الفلسفة والفكر اللغوي والسياسي والأدبي، وهو ما سأتوقف عنده في المقالة التالية.

* * *

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7845» ثم أرسلها إلى الكود 82244

الرياض Rafef_fa@maktoob.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة