Culture Magazine Thursday  07/05/2009 G Issue 282
فضاءات
الخميس 12 ,جمادى الاولى 1430   العدد  282
البوابة الخارجية
سعاد السعيد

 

مَن كان منكم ناقداً؛ فليصف الإحساسَ في الأدب؟

كيف توصل موضوعاً ليس له آلياتُ وصف؟!، عجزي سهْلٌ تخطِّيه، والتبرير جاهز (لستُ ناقدة أدبية)، لكن العقبة الأنكى؛ لم أجد ناقداً على حدِّ اطلاعي المتواضع تَناوَلَ الموضوعَ بالنقد؛ فيُؤسَّس الموضوعُ على آلياته. في الفن ترددت المفردة -الغائبة أدبيا- تِكراراً، خاصةً مَن جرَّب ووصَفَ صوتَ المغنِّي خالد عبد الرحمن عند محبيه بالقبح والبشاعة والصوت المُنكَر؛ فإنهم يُخرسونك بالقول الواحد (عنده إحساس)، هل سمِعتَ عن طبقات صوت عبد الحليم حافظ الضعيفة؟ وعن تغطية عجز أحباله الصوتية ب(عنده إحساس)؟!، هذا هو موضوعي، الإحساسُ في الأدب، وليس المقصود به ما كنَّا نقرَؤه في كتب النصوص المدرسية في وصْف الكتّاب الرومانسيين (عباراته مفعمة بالمشاعر والأحاسيس) مطلقًا. الذي أعنيه لا يُعبَّر عنه بالعبارات، هو إحساسٌ تَشعُرُ به حتى ولو كانت عباراتُ الكاتب خالية تماماً من المفردات الدالة على المشاعر، وهو نفس الإحساس في الأداء الفني المذكور في بداية الموضوع. هذا الإحساس المتعارف عليه في الأداء الفني، خاصة الغنائي منه عرَفتُه قريباً في الأدب، وبداية المعرفة جاءتْ من عملين أدبيين؛ الأول من خلال إعادة قراءة قصيدة (أنشودة المطر) للسياب، في صغري أُعجبتُ بها، وزاد تناوُلُ النقاد والدارسين لها بالكثير من الدراسات والقراءات، ووصفُها بالكمال الإبداعي اقتناعي بأنها فعلاً أجمل قصيدة كُتبتْ، حتى جاءتْ قراءتي الأخيرة فاكتشفتُ أنها ليستْ بهذا الجمال والإعجاز الإبداعي؛ ومع الاكتشاف المتأخِّر إعجابي بها لم يتغيَّر، لكن منحاه صار مغايراً من الإعجاب بالجمال المتوهَّم إلى إحساس داخلي وصلني من كاتبها، ما العبارات التي استخدمها في ذلك؟! لا توجد! هو إحساس فقط، لا دليل عليه، حتى موسيقاها المنعشة في الماضي، تبدَّلتْ إلى موسيقى لن أصِفَها بالشَّجْو والشجَن والشكوى حتى لا يُفهَم الإحساس هنا بالمعنى التفاعلي. الإحساسُ المَعنِيُّ هنا الوصولُ إلى نفسية الكاتب والشعور بها دون أن يُعبِّر عنها بالكلمات. العمل الثاني (فنجان من القهوة) للكاتب السلوفينيّ Ivan Cankar، قصة قصيرة بسيطة وعادية، عاطلة من ألفاظ التحسُّر والألم والندم والتأسف، وكلِّ ما يؤدي إلى معرفة معاناة الكاتب، حسْرتهُ وصلتْ عبر إحساس جعل القصةَ كابوساً يتمثَّل كلما قرأتُها، ذكرى قديمة تحضُرُ، ذكرى أليمة فيها شعور بالذنب، وأجزم أنَّ كلَّ مَن سيقرؤها سيشعُر بالإحساس نفسه، كيف تعتذر وتتأسف من شخص أخطأتَ في حقِّه ولم يعد موجوداً في الدنيا غادرها بلا رجعة؟!. مع الاكتشافين أدركت سرَّ ولعي برسوم الأطفال، عشرات الملفات الملأى بقصاصات رسومهم، ومثلها تغطي جدران غرفتي وأثاثها، رسومات تخلو من التناسق الحجميّ واللوني، وكلِّ مقومات الجمال الفني المنهجية؛ ومع ذلك في كلِّ خطٍّ من خطوطها إحساس، وهنا سؤالي لكل ناقد وناقدة ما الكلمات والتعابير أو بحسب مصطلحاتهم ما الخصائص والسمات الفنية التي أستطيع التعبير بها عن عمل أدبي - بغض النظر عن قيمته الفنية رديئة أو جيدة - (فيه إحساس)؟.

أكاديمية سعودية – القاهرة

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة