Culture Magazine Monday  09/02/2009 G Issue 270
فضاءات
الأثنين 14 ,صفر 1430   العدد  270

من الأدب الذاتي الساخر
استغناء عن الصحف واختلاط الحابل بالنابل!!

علي محمد العمير

 

ترى ماذا يمكن أن يحدث أو يحصل لي، أو ينقصني لو استغنيت، أو ضربت صفحا بالكامل عن عادتي الصباحية اليومية التي تلازمني منذ أكثر من نصف قرن.. أقصد بذلك مشقة قراءة الصحف اليومية صباح كل يوم؟!

أما الكثير من المجلات الأسبوعية، والشهرية - ليس جميعها بالطبع - فقد قمت بالتجربة معها بالفعل.. استبعدتها، واستغنيت عنها تماما!!

وقد مضى على ذلك حوالي العام كامل، ولم أشعر بأية أعراض.. أو أدنى ردود فعل إلى الآن!!

بل أجزم أنني قد شعرت، ومازلت بتحسن كبير جدا في حالاتي الشعورية، والذهنية، وحتى النفسية، ولم تنقص معلوماتي، أو ثقافتي أدنى شيء فقط!!

بل تخلصت بالفعل مما كنت أشعر به من نحو ما كان يشوب، أو يشوش على معارفي، ويشتت ذهني، ويعكر صفوي!!

إذاً فقد نجحت تجربتي الرائعة في التخلص من كثير جدا من غثاثة، ورثاثة، أو حتى صفقات تلك المجلات!!

وبالطبع.. بل بالتأكيد لا أقصد بذلك التقليل، أو الحط في قدرها المصون حيث أشرت إلى حالة واحدة فحسب.. هي حالة شخصي المتواضع ليس إلا!!

وتلك حالة فردية لا تمثل غير نقص قارئ واحد.. لا شأن له، وبذلك ينتفي أي تقليل، أو حط من قدر تلك المجلات!!

أما، وأنا أفكر الآن جديا في تعميم تجربتي تلك على صحفنا اليومية أيضا.. فقد شعرت للوهلة الأولى أن لا فرق يمكن أن يكون في حالة التطبيق!!

بل إذا كان ولابد من وجود فرق فهو لصالحي، أو مصلحة راحتي دون شك، وإن كنت - في الحقيقة - أتوجس بعض (خيفة) مجهولة المصدر حيث الاستغناء (دفعة واحدة) عن هذا الكم الهائل من صحفنا اليومية.. أقصد معظم صحفنا اليومية (وهذا استثناء توجبه اللباقة، أو اللياقة) ولكنه - على ما يبدو - لايمكن أن يحول بيني وبين ما أفكر فيه، أو أوشك على تنفيذه فعلا رغم الهواجس، والتوجسات التي لا أظنها غير (وسواس خناس) أو مجرد (أوهام) لا أكثر، ولا أقل!!

وإذن يمكنني (الإقدام) دون تردد، أو تهيب، أو حتى أية (خيفة) أو (توجس) من نحو ما أشرت إليه آنفا، وبذلك أكسب وقتا كبيرا للغاية أنفقه في قراءة مجلات عربية مختارة بعناية، وبحمد الله يصلني غير قليل منها على سبيل الإهداء!!

ثم بحمد الله أيضا أن المتوفر من هذا النوع الراقي من المجلات في أسواقنا قلة قليلة جدا بفضل (الرقابة) ثم لرفض، أو عزوف أصحاب المكتبات عن عرضها لكونها - وفقا للمنطق التجاري - لاتسمن، ولا تغني!!

بل إن عدم عرضها من شأنه توفير الأماكن في رفوف العرض؟!

ولكن تبقى مشكلة واحدة فحسب، وهي أن جهري بهذا النوع من الأفكار، أو الآراء إن كانت أصلا في حسبان ذلك.. هو إثارة، أو استفزاز بعض أصحاب الشأن في ذلك.. فضلا عن غيرهم من المتطوعين الجاهزين دائما للفزعات؟!

وما أكثرهم، وأسرع جاهزيتهم لأي شيء من هذا القبيل!!

اختلاط الحابل بالنابل..؟!

إلى عهد غير بعيد جداً لم يكن اسم أي من كتاب صحفنا، ومجلاتنا غير معروف عندي باسمه على الأقل، وليس بشخصه بالضرورة.. لا أجهل منهم تقريبا إلا من مازال يتهجى ألف باء الكتابة..

بل حتى هذا النوع كنت لا أجهل كثيراً من أسمائهم!!

لم يختلط عندي الحابل بالنابل في أسماء الكتاب غير مرتين فحسب!!

أولهما كانت عند هجمة بعض الإخوان من الأكاديميين الذين كان حرف (الدال) المبارك مفتاحهم السري لأبواب الكتابة وإن كان غير قليل منهم لم يتسلحوا ب(الدال) العتيد الذي كان ومازال يشهره في وجوهنا نحن القراء (الغلابى) كثرة كاثرة منهم.

كنت منذ بدايات هجمة جماعة (الدال) كثيراً ما أقرأ، أو حتى أتصفح بعض موضوعات، أو مقالات لبعض هؤلاء فأستغرب حقا كل ذلك (الهراء) في المتن نفسه!!

كما أستغرب من الناحية البلاغية، أو الأسلوبية كل تلك الغثاثة، والرثاثة بينما الراسخ في ذهني عن حملة حرف (الدال) هو تمكنهم موضوعا، ولغة، وأسلوبا من أية معالجات كتاباتهم.

ولعل ذلك هو سبب معركتي عن (الدكاترة ومسؤولية الكتابة) في الثمانينيات الهجرية حيث كانت لهم في ذهني صورة باهرة.

وأذكر أن الدكتور (أحمد الضبيب) قال في رد له على سلسلة مقالاتي تلك.. قال:

إن (الدكاترة لو كتبوا لجاءوا بغير هذا (الدش) اليومي، والأسبوعي، غامزا بذلك سائر كتابنا من رواد، ومحدثين، وشيب، وشبان!!

وذلك رغم كونه هو نفسه يعرف تماما، ويقينا أن شهادته العلمية العليا التي كانت ماتزال طازجة حينذاك لا تساوي - في الحقيقة - (شروى نقير) قياسا إلى أوساط كتابنا حينذاك لا من حيث المعارف، ولا اللغة ولا الأسلوب..!!

ولحسن حظ أخي (الضبيب)، وبعض زملائه، وكانوا قلة قليلة جدا تعد على أصابع اليد الواحدة..

أما بعد أن تكاثروا، وزحفوا على مساحات الرأي، والأدب، والثقافة إلى غير ذلك من الموضوعات العادية جداً مثل نقد أعمال البلديات، ونحوها.. فقد اختلط عندي الحابل بالنابل حقا.. وأصبحت، ومازلت لا أعرف الكثير جدا من كتاب صحفنا، ومجلاتنا، وبخاصة من حملة حرف (الدال).

تكاثرت الظباء على خراش

فما يدري (خراش) ما يصيد!!

وأما المرة الثانية التي عمت فيها فوضى الكتابة، ولم أعد أعرف معها هذا من ذاك.. فتلك هي هجمة (الحداثة) الزائفة، أو المزيفة.. أغرقنا بها زوراً، وبهتانا بعض صبية أغرار، أو كما وصفهم الصديق الشيخ (أبو عبدالرحمن) بكونهم (أغيلمة الصحافة) ووصف كلماتهم المتناثرة التي يسمونها شعرا حداثيا بكونها (بعر كبش)!!

والحقيقة أن هجمة الحداثة على الساحة الصحفية.. كانت متسرعة، فجة، مثيرة للكثير من الفوضى، والعبث، واختلاط الحابل بالنابل، وإثارة (القرف)!!

ولكن ذلك لا ينفي أن قد وجدت حداثة ناضجة بالفعل على يد قلة نابهة من شبابنا.. اشتهرت بجدارة، ورسخت أقدامها، وإن كنت ألاحظ أن معظمهم، وربما أفضلهم قد تواروا عن الساحة، واكتفوا من الغنيمة بالإياب!!
 

جدة

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة