Culture Magazine Monday  09/02/2009 G Issue 270
فضاءات
الأثنين 14 ,صفر 1430   العدد  270
دواء الكحة!
خالد البسام

 

كانت والدة الكاتب الكولومبي الشهير (غابرييل غارسيا ماركيز) تقول لأبنائها دائما من باب التعزية بفقرهم الشديد: (ان أبناء الفقراء يا أولاد يأكلون أكثر وينامون بسرعة اكبر من أبناء الأثرياء).

لكن ابنها اللامع (ماركيز) - الذي حاز فيما بعد على جائزة نوبل في الآداب - حول الفقر المقذع إلى كفاح مرير حيث يروى في مذكراته :(عشت بفضل الحظ والصدفة، آكل ما أجد وأنام حيث يريد الله، إلى ان عرضت علي عائلة فرانكو مونيرا الحنونة وجبتين يوميا بسعر اقرب إلى الإحسان. كانوا يجبرونني على الأكل أكثر من الذي دفعت لهم ثمنه حتى لا يخف مخي، وفي أحيان كثيرة لم أكن املك ثمن الطعام، ولكنهم كانوا يقنعون بأن اقرأ عليهم قصائد بعد تناول الطعام)!

وعندما كان طفلا عمل في كل شئ وكان العمل كما يقول: (منهكا وبلا قيمة، ومهما بذلت من جهد، فقد كان رؤسائي يتهمونني بعدم الحماس للعمل، وإرضاء لعائلتي أخرجوني من المطبعة، وكلفوني بتوزيع إعلانات في الشوارع عن مشروب لدواء الكحة يؤكد اشهر نجوم السينما نجاعته)! ورغم كثرة هذه الأعمال التافهة والحقيرة التي تجرعها الأديب الجميل (ماركيز) في بداية حياته إلا انه يروى تجربة قاسية مع فقره الذي كان لاينتهي: (في مساء سبت دخلت المقهى وعثرت على عنوان قصتي في صحيفة (الاسباستسادور) التي خرجت من المطابع قبل قليل. أول رد فعل لي تأكدي المدمر بأنني لم أكن املك الخمسة سنتيمات لشراء الصحيفة، وهذه كانت أكثر الرموز وضوحا على الفقر، لان الكثير من الأشياء الأساسية في الحياة، إضافة إلى الصحيفة، كانت تساوى خمسة سنتيمات!الترام، والتليفون العام، وفنجان القهوة، وتلميع الحذاء. انطلقت إلى الشارع بلا حماية من الأمطار الخفيفة التي لا تتوقف، لكنني لم أجد في المقاهي القريبة أحدا من معارفي يمكنه التصدق على بتلك القطعة النقدية المعدنية)!

ويسرد (ماركيز) عذاب الفقر الذي طارده طوال فترة طويلة من حياته حيث يتذكر بداياته في الصحافة مثلا فيقول: (قبل مرور ثلاثة أشهر كان على أن أغادر البنسيون - الذي كان يسكن فيه - بديون غير قابلة للدفع قايضت المالكة مقابل نشر خبر في صفحة الاجتماعيات بمناسبة عيد ميلاد حفيدتها الخامس عشر، لكنها قبلت هذه المقايضة مرة واحدة)!

وفي احد الأيام يتذكر (ماركيز) بعض أيامه العصيبة فيقول :(قلت لعائلتي على الغداء في يوم حاسم: لو كان علينا ان نغرق جميعا، فإتركوني أنجو حتى أحاول ان أرسل لكم ولو حتى بمجداف)!

ومن الواضح ان الكاتب قد فعل ذلك، لكنه قام أيضا بأكثر من ذلك وهو ان ألف أجمل روايات والكثير من الكتابات الجميلة.

المنامة

 albassamk@hotmail.com


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة