Culture Magazine Monday  12/01/2009 G Issue 266
فضاءات
الأثنين 15 ,محرم 1430   العدد  266
أولاد العائلات
شهلا العجيلي

 

تفتّح وعينا الاجتماعيّ في الرقّة، بيئتنا الصغيرة والمحافظة، على فكرة أولاد وبنات العائلات، إذ تتردّد هذه العبارة كثيراً، لاسيّما في مواقف اختيار الأصدقاء، أو مواقف الرفقة في السفر، أو العمل، وبشكل خاصّ في الزواج.

أمّا مقياس أولاد العائلات في ثقافتنا فهو الوطنيّة بالدرجة الأولى، ثمّ يأتي العلم والثقافة بما يحتويه طيفها من سلوكيّات يوميّة. فنحن نزوّج لفلان لأنّ جدّه وقف في وجه الاحتلال العثمانيّ، وكان عروبيّاً أصيلاً، ونأخذ ابنة فلان لأنّهم حاربوا الاستعمار الفرنسيّ، وكانوا مع الثوّار، أو ساندوهم، على أقلّ تقدير. كما أنّنا نعرض عن نسب أولئك لأنّهم عملاء، أو خونة، أو أنّ مواقفهم تجاه القضايا المبدئيّة متلوّنة...

لقد مرّ زمن طويل على مثل تلك المواقف، وأحياناً يكون الأحفاد أبرياء من مواقف أجدادهم، لكنّ ثقافتنا تؤمن بأنّ (العرق يسوس لسبع جنوس).

لا شكّ في وجود ثوابت تحوّرت أشكالها مع تغيّر الأنظمة الثقافيّة والسياسيّة، إلاّ أنّ المجتمعات الصغيرة، على الرغم ممّا أصابها من تطوّر، بقيت تتمسّك بمجموعة من التقاليد الموروثة.

لقد صار مقياس أولاد العائلات في المدن الكبيرة، هو المال، وما يتبعه من علاقة جدليّة بالسلطة، وبقيت بيئتنا الصغيرة تؤمن بمقياس الوطنيّة الصادقة، لا البراغماتيّة، بل تطوّر هذا المفهوم بالاتجاه الصحيح، إذ تم تعزيز الشعور بالوطنيّة عبر الثقافة والعلم والانفتاح على حالات عالميّة ليبراليّة، لكنها توافق ثوابت البيئة الصغيرة المحافظة، المنبثقة من الثقافة العربيّة الإسلاميّة السمحة.

لطالما راودنا شعور داخلي بالفخر بأنّنا في الرقّة ذوو عزّة وأنفة، لا نصلح للتدجين، وبأنّنا ننتمي إلى عائلات ذات مواقف وطنيّة وقوميّة صريحة، وأنّ في عائلتي أربعة من الذين جاهدوا في فلسطين، وأحدهم (حمّود العجيلي) سقط شهيداً في معركة الشجرة عام 1948، نعم هم أربعة مجاهدين قضوا الآن جميعاً، رحمهم الله، لكنّهم وضعوا في عنقي وأهلي أمانة ثقيلة تتلخّص في عبارة (أولاد عائلات)، العبارة التي ربّما حرمتنا من مكتسبات ومتع كثيرة، وزجّت بنا في مواقف مصيريّة قاسية أحياناً، لكنّني بتّ أتوارى من صغرها أمام تضحيات علائلات: ريّان، وعطا الله، وبربخ، وأبو عيشة، والسمودي، واللولحي، وغيرها...

أتضاءل أمام عظمة آلاف المجاهدين والمجاهدات في غزّة، وفي العراق، وفي جنوب لبنان، وأمام مئات الشهداء الذين لا يسقطون، بل يتعالون يوميّاً في القصف الوحشيّ على غزّة. أولئك هم أولاد العائلات، وبنات العائلات، الذين يعلون مقياس النسب والانتماء إلى درجات الثبات على المواقف الوطنيّة، والصدق لعهد الله، لا لمقاييس البورصات وحجم الكراسي والمنشآت.

طوبى لهم!

وتعساً لي!

فلا جيش تحت إمرتي فأسيّره إلى حيث هم، ولا باب للجهاد يُفتح فأهرع إليه، فليس لي سوى قلب، وقلم، وتاريخ يأكل من عافيتي كلّ يوم!

سيأتي يوم يفخر فيه ما تبقّى من أبنائهم، وما سيكون لهم من أحفاد بأنّهم أولاد عائلات، وبأنّ الوطنيّة كتبت على جباههم قدراً، أمّا أبناء الآخرين الذين يحكمون بلاداً تزنّرها حدود الهوان، وأمّا أحفاد المتموّلين القاعدين، فإنّ ثقافتي المحافظة، التي تحدّد من ضمن ما تحدّده استعمال اللغة، تمنعني من أن أقول هم أولاد من!

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7875» ثم أرسلها إلى الكود 82244

حلب

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة