Culture Magazine Thursday  12/03/2009 G Issue 274
الملف
الخميس 15 ,ربيع الاول 1430   العدد  274
غازي.. لأنك غزوت قلوبنا
محمد بن أحمد الرشيد

 

لو يعلم أهل الثقافية (بنت صحيفة الجزيرة الغراء) - والتي تزينت في عددها المتميز بمناسبة العام السابع لميلادها بكتابة أكثر من ستين أديباً وشاعراً رجالاً ونساء - عنك لأنهم يحبونك لو علموا أن حبي لك يساوي حبهم جميعاً لك لتركوا هذا الإصدار لي وحدي، أسطر فيه وحدي ما بيني وبينك من حب وود.. وعمل وصدق..

وأنا حين أتحدث عنك لن أتطرق إلى نبوغك الشعري فقد أخبرتني يوماً ألا أحدثك عن شعرك؛ لأني لست ممن عرفتهم نقاداً للشعر، بل وصل بك الأمر إلى ظنك أنني لا أحفظ من الشعر شيئاً.. فحين فكرنا يوماً ومعنا مجموعة من الإخوان في إقامة مساجلة شعرية.. نصحت الفريقين ألا أكون من بين أحدهما.. وسكت عنك حباً لك، وقد كان إصرارك على رأيك في حين قلت بيتاً من الشعر العامي، وقلت للحاضرين إنني لا أحفظ غيره!؟

إنك - يا أخي الحبيب - محب للشغب، والقدرة على استثارة من حولك.. بحمية في نفسك، وثورية في فكرك.. وسرعة تفاعل وعطاء في كل أمورك، ولكن مشاغبتك لمحبيك مصدر إسعاد لهم، فهي من منطلق صدق علاقتك بهم.. وزوال الحواجز بينك وبينهم.

لا تلمني حين اخترتك لتكون على رأس المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم - لأني أعرف قدراتك، وأثق في إمكاناتك لتحقيق الأهداف الكثيرة لهذه المنظمة، ولأنك خير من تزهو به بلادنا في مثل هذا الموقع - مديراً عاماً لليونسكو.

حينما انتهت مدة المدير العام لهذه المنظمة (ما يور) وكنت - آنذاك - عضو المجلس التنفيذي المناط به ضمن مهامه الكثيرة ترشيح مدير عام يخلف من انتهت مدة إدارته، ولأني حينها قد تعمقت بحثاً وفهماً، لكل دقائق هذه المنظمة، وعرفت ما في خباياها، ودهاليز مبناها من الأفكار، والرؤى التي هي من كل بلاد العالم.. ولها توجهاتها الخاصة، والتي تؤثر فيها بقوة توجهات مديرها العام.. ولأني شاركت في تحديد شروط ومواصفات من يكون مديراً عاماً لها.. وبعد تمحيص واستعراض لعدد كبير من الكفاءات السعودية التي يمكن أن تتقدم بها بلادنا لشغل هذا المنصب - لم أجد بارزاً.. قادراً.. متجرداً.. تنطبق عليه الشروط كلها إلا أنت يا غازي.. وكنت أنت آنذاك سفيراً للمملكة في لندن.

لم أترك الفرصة تطير من ذهني، فتناولت على الفور جهاز الهاتف وحدثتك من باريس وأنت في لندن حول الفكرة - ولقد استمعت إليها فكانت مفاجأة لك - لأنك لم تكن ذا علاقة وطيدة بهذه المنظمة، وعندما ألححت عليك في القبول طلبت مني معلومات ووثائق حول اليونسكو لتتمكن من دراسة الموضوع، وقطع الرأي فيه.. كما حددت شهراً للاطلاع على هذه المعلومات والوثائق، واستشارة من تعرفهم من ذوي العلاقة باليونسكو وخاصة صديقنا المشترك الأستاذ الطيب صالح - رحمه الله -.

ولم تطل مدة انتظاري فقد أسعدتني بموافقتك المبدئية، على أن تتم بلورة الفكرة وصدور توجيه المقام السامي حول الترشيح فكان صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية خير معين، في موافقة قيادتنا على هذا الترشيح لك.. ثم ما تبع ذلك من الحملة الانتخابية التي قادها سموه وكنا جميعاً معه.

ولا أنسى - يا أبا سهيل - حين زرتك في لندن بعد تقدمي بهذا الترشيح رسمياً للدول الأعضاء - فبهرتني بمعلومات تاريخية وحديثة عن هذه المنظمة - مع أنك في البداية - قلت لي: لا تحرجني (يا محمد) في أمر لا أعرف عنه شيئاً.. وكان جوابي حين سمعت ما سمعت منك في منزلك في لندن أنني أتحدى المدير العام الذي ستنتهي ولايته أن يكون على علم بمثل ما أنت عليه من تاريخ هذه المنظمة.

راهنت جميع من في المجلس التنفيذي على أنك الأفضل، والأذكى، والأحق من بين جميع المرشحين - آنذاك - لهذا المنصب، ولقد طلبت مع غيري من الأعضاء أن يحضر كل مرشح شخصياً إلى المجلس التنفيذي لنرى إمكاناته وبرامجه في حالة فوزه.. مع إتاحة الفرصة للأعضاء لأن يسألوه عن ذلك كله - وللحقيقة فإنك قد بهرت الجميع بسرعة البديهة، وعمق الثقافة، والقدرة على الحديث بطلاقة بلغتك الأم، وباللغة الإنجليزية أيضاً.

هذه حقيقة - لا مراء فيها - وليست من عندي، بل إنه انطباع كل أعضاء المجلس التنفيذي عنك.. ومع الأسف الشديد فإن العرف السياسي يأخذ في الحسبان مصالح الدول مجردة من إمكانات وقدرات المرشح.

نعم لقد كنت الأفضل من بين أحد عشر مرشحاً من مختلف مناطق العالم بمن فيهم وزير الخارجية الأسترالي الأسبق.. وحصل الياباني السيد (ماتسورا) على أصوات أكثر.. بحكم ما أنفقته بلاده، وما وعدت به حكومته الدول الأعضاء في المجلس التنفيذي وكنت أنت الثاني ترتيباً.

لقد أدرك الكثيرون أن اليونسكو هي الخاسرة كثيراً بعدم وجودك على رأسها.. لكنك تركت انطباعاً خاصاً عن المملكة، وعنك في كل المحافل الدولية.

أعود إلى شخصك.. فعم أتحدث؟ من أي جانب أبدأ، عن روح فكهة طيبة فيك أتكلم.. كلك جميل.. وكلك حب.. فغزوت قلوبنا جميعاً، فهل اختاروا لك هذا الاسم لتكون عملياً له؟ إن كان هذا فقد فعلت.

لقد أسعدت قلوبنا، وأطربت أسماعنا ذات مرة حين كنا في رحلة خارج المدينة بما وهبت به من فنية العزف على العود - وكأنك قائد فريق الأوركسترا.. الاجتماع معك اجتماع محبب بما تعطيه من ذاتك المرحة، ومداخلاتك الجميلة.

كنت أرغب في الحديث عنك شاعراً - ولكنك رفضت - وكنت أود الحديث عنك وزيراً بارعاً.. وإدارياً نادراً - لكن لم يترك لي أحد ممن كتبوا عنك ما أضيفه.

إن كل هذا الحشد من المقالات والقصائد في هذا العدد الخاص من الثقافية، وفي غيره مما نطالعه دائماً - أو نتحدث به عنك في مجالسنا كثيراً هو دليل حب الجميع لك.. ودليل على أنك تستحق قلوب الناس التي غزوتها..

أقدر فيك جرأتك في التعبير عن رأيك، وأقدر فيك إنسانيتك.. أمور كثيرة - وغمزات متعددة كثيراً ما كانت بيننا أنت تعرفها.

السعودية

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة