Culture Magazine Thursday  12/03/2009 G Issue 274
تشكيل
الخميس 15 ,ربيع الاول 1430   العدد  274
هل للحاسوب رائحة؟
الرسم الرقمي وعلاقته بالفن

 

ما هوية هذا الفن (الفن الرقمي)؟وهل هو مصنف من ضمن الفنون التشكيلية؟ وما علاقته أصلاً بالفن كونه ينتج بوساطة الحاسب الذي يعمل بشحنات كهربائية، هو لا يقارن بلوحة، ببياض ممتد، ألوان، فرش، الكثير من الطاقات الإيجابية. (الفن التشكيلي) ليس هنالك وجه مقارنة بينه وبين (الفن الرقمي) فعندما يدخل الفنان إلى مرسمه، يرتدي عباءاتٍ من طقوس، تسكنه قدسية تعتليها سحابة من صمت، من سكون، فقط يسمع تلك الترانيم، يكون في حالة من الانقطاع التام، عالم من اللا شعور..

مشاعر غارقة في عالم الإلهام، يمرغ الألوان على صفحة من بياض، كل شيء له نكهة من أول إمساكك بمقبض الباب للدخول تنطلق إلى أنفاسك تلك الرائحة التي تعرفها خريطة روحك، رائحة تذكرك بأنك موجود عندها تتنفس بعمق، لمرسمك رائحة مميزة تستطيع أن تستحضرها عندما يغمرك الشوق والحنين، تشدك إليه سكونه المليء بالأحاديث الصامتة نجوى بين كل جزء من فضاءاته، جدرانه لها دفء يتغلغل إلى كل أجزائك. أما الفن الرقمي فأنت تجلس أمام هذا الجهاز المليء بالطاقات السلبية تعبث بكل خلية منك أعصابك ذرات روحك تسبب لك الهستيريا وأنت تحاول السيطرة على الماوس أو التابليت، هي تقنية نحتاج إليها كنوع من مواكبة عصر التطور وبآلية بحتة ليس لها رائحة أو طعم هي لا توازي تلك التي تخترق الروح وتلطخ كل أجزائها بألوان تتنفسها قبل أن تمزجها، كما تريد لتكون أنت.

أعلم أن الكثير من المبتدئين في عالم الفن يود أن يصل إلى طريق الشهرة بسرعة ويحقق الاختلاف، فالاختلاف من علامات الإبداع، فكل فنان له اتجاه خاص يميزه، وبصمة تكون علامة مميزة له بأسلوبه، وبطريقة تعبيره عن مشاعره وأحاسيسه، والمواضيع التي يود التعبير عنها، لذلك نجد نوعاً من المنافسة الجميلة الخلاقة التي تُظهر إبداع وابتكار الفنانين وتميزهم عن بعضهم بعضاً في الفن التشكيلي طبعاً لكننا لا نستطيع أن نجده في الفن الرقمي إلا إذا عولجت اللوحات المنتجة رقمياً وحاسوبياً بتقنيات الحاسب في البداية وتمت عملية طباعته على ورق سميك يتحمل استكمال العملية الإبداعية باستخدام تقنية الفرشاة واللون والأسرار التي يستخدمها الفنان لتظهر هويته وشخصيته التي تعبّر عن جزء من ذاته، الكثير يرى أن اللجوء إلى الفن الرقمي ما هو إلا تحايل على حالة من الضعف للدخول إلى عالم التشكيل، حيث إنهم يصنفونه من ضمن معارض التشكيل لذا لا بد من الفصل بينهما وتصنيفه على أنه نوع من عمليات تستخدم تقنية الكمبيوتر والمؤثرات المتطورة لبرنامج آدوبي فوتوشوب Adobe Photoshop الإلكتروني, بآليات تفاعل بين رؤية الفنان الذهنية و(الرؤية) الرقمية على شاشة الكمبيوتر في محاولة لإيجاد بُعد رابع للصورة يمكن أن يطلق عليها (البعد الرقمي) Digital Dimension.

الفن التشكيلي قبل كل شيء إحساس ..إحساس يسمو فوق السحاب، يسافر خارج المجرة ليعانق الكون، ثم يعود ليرقص على اللوحة بدلال معلناً عن نفسه بجرأة لا يستطيع أحد نزعها منه. فهو السبيل الوحيد الذي يستطيع أي فنان أن يعبر عن دواخله، عن مشاعره، عن خلجاته، عن صراخه، عن سكونه، ويعبّر عن معاناته بكل ملامحها، وعمقها، وتداخلاتها يطلق لأحاسيسه العنان مهما كانت، كيفما كانت باختلاطها بتوتره، بغضبه، بحزنه، بهمومه، وعن الحلم والأمل، عن الفرح والسعادة، بلغة يصوغها بذاتية مفعمة، وبخصوصية تلك الطاقة الروحية التي تنبع من دواخله.

أيضا أود أن أسألك أيها الفنان المبدع باللوحة والألوان هل تستطيع أن تنسخ وتكرر عملاً أو لوحة رسمتها بتقنية لونية بالغة مؤثرة هل ستكون اللوحة الأولى مثل الثانية المكررة؟ أعتقدُ ذلك فاللحظة التي كانت كل كوامنك طاقتك تنتج ما كان ساكناً بأعماق روحك ويترجم بصدق إلى تعابير انفعالية شعورية يكون مختلفاً بين لحظة وأخرى, أما من يستخدمون الحاسب فهم يستطيعون استنساخ ملايين لا بل البلايين من الأعمال المستنسخة التي تفقد قيمتها لتكرارها فلا توجد إلا موناليزا واحدة ولا توجد إلا جورنيكا واحدة ولا نفحة روح مشعة بطاقات وأسرار كامنة لا تستنسخ إلا واحدة.

(قولوا عني ما شئتم متعصبة للون) فالرسم عندي يكون بتجلي الروح وسموها عندما تتوهج بذاك المشعل الذي يملأ كنهها، فالكينونة والوجود في عالم مليء بالمتناقضات والتداعيات فلسفة أبحث عنها فيني بدءاً، وأعمل عليها، بمعنى كيف نكون، وما السبيل لهذا الكون، وما السر الذي أنت تتكون منه، وأين يختبئ ذلك الضوء الذي ينتشر في أعماقك إلى محيطك، الألم، والفرح، ووقعه عليك، فكرك، جنونك، عقلك، روحك، قلبك، والرابطة السحرية بين كل أجزائك، وتأثير كل ما حولك عليك، فالروح كلما كانت شفيفة ازدادت حساسيتها بكل ما حولها، تتألم، تفرح، تمطر، وأحيانًا تكون كل الفصول في لوحة نمثلها نحن باللون والفرشة واللوحة.

تغريد البقشي

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة