Culture Magazine Thursday  14/05/2009 G Issue 283
سرد
الخميس 19 ,جمادى الاولى 1430   العدد  283
مدائن
إبراهيم طالع من أعالي تهامة يرقب سهيل أم يماني

 

إعداد - عبدالحفيظ الشمري

إبراهيم طالع الألمعي صاحب تجربة شعرية غنية، ومكتنزة بالصور والأحداث، والعبارات، بل والمواقف التي يرسمها عن سبق إصرار شعري وترصد جمالي فاتن، إذ يعمل دائما خطابه الشعري بحاذقة، ونصاعة.. بل ومسير دائماً بذرائعية الجمال الذي يبحث عن الحقيقة، ليلبسها إياه عن طيب خاطر، وزهو إنساني شفيف.

الشاعر إبراهيم طالع له من هذا الاسم نصيب، حيث يظل طالعا في شعره دوماً نحو تلك القمم الشاهقة لتهامة عسير، فلا تخلو أي قصيدة من قصائده من هذا الشعور الفاتن في مس الجنون الشعري الشيق، لنراه وقد صاغ لنا من القصيدة فجرا وردياً فائق البهاء، بل نرى كل بيت من أبيات قصائده وقد عني في خطاب الإنسان الجبلي السائر صاعداً إلى الغيم الجنوبي، والضباب التهامي الآسر فتنة وحبوراً في صندوق القلب الشامخ بمحبة الأرض على نحو مل يصوغه (طالع) في قصائده منذ بواكير إنتاجه الشعري وحتى الآن.

المدائن في شعر إبراهيم طالع (ألمعية)، والقرى (تهامية)، والشوق للمكان (عسيري) يفوق لحظة عبوره نحو مدائن بديلة تلوح لنا في أن الحياة هنا، في مزاد مكان لا يأبه فيه إلا لمن يطلب القوت، أو يريد المادة أو التمظهر الخادع.

فحينما يترك إبراهيم طالع مدائنه العامرة في جبال (رجال ألمع) يدرك أن الحياة في شعره ستتوقف فلا يملك إلا أن يصمت في مثل هذه المدن المفتعلة حتى يعود إلى خوابي وأوكار تلك الجبال الشاهقة.

من قال إن إبراهيم طالع سيهجر (جبال رُجال)؟! فلا شيء غير الشعر من يحسم أمر هذه المنازعة الشاقة:

ألملم من تهامة كل معنى

واغزل تربها غيدا ووالا

سالت غيومها ما الهجر قالت:

بريق الخصب يأتيك انثيالا

فيا ليل التهائم إن صبا

تبعثره يد الأيام مالا

فالشعر لتهامة يبتدئ، وعلى هامتها العالية ينتهي، فلو هاجرها الشاعر إبراهيم طالع فلن تهجره الذكرى الجميلة، فشعره لا يتوق إليها فحسب إنما ستعيده سيرة الجمال والعشق والحب الأبدي إلى أحضانها، نحو تلك الدارة في عرض ذلك الجبل الشامخ والرزين، فلا شيء غير الشعر يملكه (طالع) حينما يحن إلى المنابت الأولى.

فبين (أبها) و(رُجال) تقبع الحقيقة التي تفر في كل جهات ألأرض، فلا يستطيع الشاعر إبراهيم طالع أن يصاحب غيرهما وإن تنافستا في تجاذب آخذ وآسر، فمن (رُجال) لمع الشعر، ومن (أبها) صاغ الوجد قلادته الآسرة.

المدائن في شعر إبراهيم طالع متشابهة، إلا أنه يسعى دائماً إلى أن يخفي واقع المكان الذي يسعى إليه، فهو الشغوف دوماً في البحث عن الحياة الجمالية دون أن يطنب أمام القارئ في وصف حيثيات فتنته، وبهائه مودته، وشموخ قامته.

فالشاعر يسكنه الوجد الإنساني، والهيام الجمالي الآسر، فلا يفرق بين مدينة وأخرى إلا بمقدار ما تضوعه من عطر البهاء الذي يبحث عنه الشاعر، فالألمعي إبراهيم لا يلوي على شيء حينما يعرف أن الشعر لا يمكن أن يكون شعراً ما لم يتغنى الرعاة فيه بفلواتهم، ولن يكون مقبولاً ما لم يكن محملاً بذلك البوح اللاعج عن مآل الجبال التي سكنها الوجد والهيام منذ أن قدحت في الشاعر ومضة البوح الأولى:

فلا تسالوا عني ولا أين ابتغي

فحب وأمجاد وقومي وأهليا

وفارقت مختارا شماريخ المع

إلى قمة الأوراس أطوي الفيافيا

ألم نقل إن الشاعر معني بقصة الحب المطبوع بوجد المحبة، والعشق للأرض، فبعد غربة الشاعر إبراهيم عن الوطن في الجزائر منذ عقود، هاهو ينزح صوب (أبها) مخلفا (رُجال) في الأعالي هناك.. فمتى بربكم يعود الشاعر إلى وكر قصيدته الألمعية التهامية الباهية؟!


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة