Culture Magazine Thursday  14/05/2009 G Issue 283
تشكيل
الخميس 19 ,جمادى الاولى 1430   العدد  283
الحرف غيمة
التجريد (باب للمراوغة والهروب)
مها السنان

 

مصطلح التجريد الأشهر في ثقافتنا أو في مفهومنا كمصطلح في الغالب هو ذلك الأسلوب الهندسي الرياضي المبتكر في الفن الإسلامي في أوج مجد تلك الحضارة، يأتي بعده تلك المرحلة أو المدرسة التي ابتدعها الغرب بعد أن سئموا من الواقعية والكلاسيكية والرومانتيكية والتأثيرية... إلخ، ومن أشهر فنانيها كاندانيسكي، بل يكفي أن نتابع مراحل الدراسة والعمل حتى وصل بيكاسو إلى رائعته (الجيرونيكا) لنتعلم الآلية السليمة للتجريد. أما اليوم فقد أصبح هذا التجريد للأسف بالنسبة لفئة غير قليلة بوابة لكل فاقد للمهارة يعتقد أنه يستطيع أن يبهر الآخرين بأعماله التجريدية الخاوية فكرياً وفنياً، سواء أكانت عملاً ذا بعدين أو ثلاثة أو ما قد يطلقون عليه مفاهيمي لا يفهم منها حتى اسمها، بل وصل الأمر عند بعضهم إلى استغلال الدين لتبرير فعلته من مبدأ التحريم للرسم الواقعي كستار وغطاء لهذا التجريد. وقد تناسى هؤلاء أو ربما لم يعرفوا أساساً آلية الوصول إلى مرحلة التجريد فنياً، أما بعضهم الآخر، فهل يعقل أن نقارن من أمضى زمناً يقرأ ويمارس ويجرب ثم زمناً آخر ليدرس العنصر الواحد حتى يصل به إلى مرحلة العرض، مع من لا تتعدى عنده العملية شكلاً خرج بالمصادفة وتبعه قرار (لا يستند بالطبع إلى علم أو خبرة) أنه صالح للعرض! إلا إذا كانت المقارنة بين هذه الأعمال التجريدية بفنون شعوب ما قبل التاريخ، أو فناني الوسوم؟*

وحتى ولو أردنا أن نصنفها فناً (تطبيقياً) من خلال مقارنة تلك الأعمال بالقطع النفعية كالأثاث؟ تظل المهارة التقنية مفقودة، فحتى تلك الأعمال لها خلفيتها العلمية والفنية بل يتخرج المتخصص من قسم (الفنون الإنتاجية) أو التطبيقية أو هندسة التصميم الداخلي قبل أن يجرؤ على تصميم عمل نفعي!.

بطبيعة الحال ليس كل عمل فني تجريدي يندرج تحت هذا الوصف، فلنا في المجردين المبدعين محلياً أمثلة رائعة، ولن أسرد المجردين المجددين أو ممن تم تحكيم أعمالهم عالمياً، فتلك شهادة كافية على ما أعتقد ولكن سوف أضرب مثالين لشباب من الجيل الثالث أو الرابع هما إبراهيم الخبراني كمصور تشكيلي ومنال الحربي كنحاتة، ولأنه يجب أن ندرس الفنان كحالة فردية من خلال متابعة تطور الأعمال قبل الحكم عليها، فقد أتيحت لي الفرصة لرؤية أعمالهم المبكرة أثناء الدراسة ومراحل مختلفة لنموهم الفني والفكري، والذي يدل على البلورة الصحيحة لمفهوم هذا النمو حتى وصولهم إلى مرحلة التجريد من خلال دراسة متأنية وسليمة للعنصر الواحد، لذا كانت أعمالهم التجريدية مقنعة فنياً وتستطيع العين الناقدة التقاط هذا العمق الفكري والفني مباشرة، وهو ما نسميه (تجريد).!

* الوسوم جمع وسم وهو الرمز الذي كان يطبع على الجمل دلالة على القبيلة التي ينتمي لها.

msenan@yahoo.com الرياض

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة