Culture Magazine Monday  16/02/2009 G Issue 271
فضاءات
الأثنين 21 ,صفر 1430   العدد  271
كتاب الموسوعة في سماحة الإسلام
الأنموذج الأرقى للتعريف بالإسلام الحق؟!
علي محمد العمير

 

هذا مقال كنت قد كتبته منذ حوالي العام وهو عبارة عن صدى لمناسبة مذكورة في متنه، وكان قد خطر لي أن نشره يفترض - بسبب عنوانه على الأقل- في إحدى الصحف أو المجلات الإسلامية كما تصف نفسها.. ولكن سوء رأيي في هذا التصنيف الصحفي غير المبرر - من وجهة نظري على الأقل - جعلتني أصرف النظر عن نشره إلى حين!!

هناك بعض أهل الخير الذين يولون اهتماماً خاصاً مبروراً مشكوراً بنشرهم لكثير من الكتب في مجالات مختلفة، وبخاصة الكتب الدينية التي تكلفهم مبالغ طائلة!!

ولعلي أذكر هنا - على سبيل المثال فحسب - ما يقوم به من هذا القبيل (ورثة محمد صالح باشراحيل) من طبع كتب دينية قد تكون مهمة فعلاً!!

ولكن ليس عندي أدنى شك أن هناك الكثير من الكتب الدينية أيضاً أهم منها وأجدى بما لا يقاس!!

ومعنى ذلك أننا هنا تجاه مشكلة (حسن ودقة اختيار) وهي مشكلة يسهل حلّها بمجرد استشارة أهل الخبرة في مدى أهمية الكتب المراد طبعها، وبخاصة من ناحية ضرورة تنويرها لمسائل، وقضايا معاصرة بالغة الأهمية!!

ولعل من أهم ذلك هو استهداف (التعريف بالإسلام الحق) عن طريق نشر كتب مختارة بعناية، ودقة، وفهم لمدى أهمية موضوعاتها، وبخاصة في مجال كهذا.. فضلاً عن أهداف كثيرة تحتاج إلى كتب مختارة بكل دقة لأداء أهدافها!!

وسأذكر هنا مجرد مثال بسيط، هو عبارة عن مقارنة بين أحد الكتب التي طبعها (ورثة باشراحيل) وهو كتاب: (توضيح الأحكام من بلوغ المرام) تأليف الشيخ (عبدالله البسام) رحمه الله.

ويقع الكتاب في ستة مجلدات بمعدل أدنى (550 صفحة) لكل مجلد، وقد قمت بعملية حسابية بسيطة بناء على خبرتي في مجال الطبع، وتكاليفه.. فوجدت أن تكلفة الكتاب المذكور في حالة طبع الحد الأدنى منه، وهو ثلاثة آلاف نسخة تصل إلى ما لا يقل عن أربعمائة ألف ريال على أدنى تقدير!!

وأما أهمية الكتاب، ومدى الفائدة من نشره على نفقة خيرية.. فإن كون مؤلفه هو الشيخ (البسام) يكفي لجعله مهماً!! وكل ما هنالك هو أن موضوعه مطروق بكثرة كاثرة، وبخاصة كونه قد اقتصر على متن كتاب (رياض الصالحين) مع شرحه، أو إيضاح (الأحكام) الواردة فيه.

ومن المعروف أن كتاب (رياض الصالحين) قد قامت حكومات إسلامية، ودو نشر أهلية في الداخل، والخارج بطباعته عشرات الطبعات، بل مئاتها، ولا تكاد تخلو منه أية مكتبة خاصة، أو عامة حيث هو بالطبع من بين أوائل الكتب الرائجة، الرابحة.

ومن ثم فإن المتوافر منه أكثر بكثير جداً من أن يكون بحاجة إلى طبعة خيرية، وإنما يطبع خيرياً ما تزداد فائدته، وجدواه مع عدم وجوده، أو ندرة هذا الوجود!!

وأما (الأحكام) الموجودة فيه فإن شرحها، أو إيضاحها يعتبر متوافراً إلى أقصى حد فيما لا يحصى من مجلدات كتب علوم الشريعة، وفقهها، وأحكامها إلى غير ذلك من نحوه.

وهذا النوع من الكتب - كما هو المعروف - على قدر كبير جداً من الوفرة، وكثرة التداول، فهي أكثر كفاية من هذه الناحية.. بيد أنني أرجو عدم سوء الظن بكوني - مثلاً - قد بخست شيخنا الجليل (البسام) رحمه الله حقه فيما بذله من جهد كبير، وعلم غزير في تأليفه.

حاشا، وكلا.. بل يأبى الله ذلك.

وإنما اتخذت هذا الكتاب مجرد مثال.. خطر على بالي بمجرد الصدفة، عندما كنت بصدد مقارنة أهمية موضوعة من ناحية واحدة ليس إلا.. وهي مدى جدوى نشره خيرياً.. ثم مدى الاستفادة منه بالنسبة للمسائل، والقضايا المعاصرة المحتاجة بالفعل إلى نشرها.. بل توسيع نشرها خيرياً، وبخاصة كون هذا النوع من الكتب - عادة - غير مربح.. فلا تقبل عليه دور النشر!!

ومن ذلك - على سبيل المثال أيضاً فحسب - كتاب (الموسوعة في سماحة الإسلام) لصاحبه العلامة الجليل الشيخ (محمد الصادق عرجون) عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر (رحمه الله).

وقد طبع هذا الكتاب النفيس حقاً عام 1392هـ أي منذ (37 عاماً) وحصلت على نسخة منه - منذ مدة طويلة - عن طريق الاهداء من (رابطة العالم الإسلامي) حيث يبدو انها قد اشترت كمية منه بقصد مجاملة مؤلفه، أو ناشره، وليس من أجل فائدته التي هي - في الواقع - (فوائد) لا حصر لها، على أعلى مستوى من غزارة العلم، ومما يبدو من استيعاب مؤلفه استيعاباً هائلاً لمدى ما يثار من قبل المغرضين من شبهات مفتعلة، مصطنعة حول (الإسلام) - وبخاصة في الغرب - لأسباب كثيرة ليس أدناها الناحية الدينية، أو الناحية السياسية كما هو المعروف!!

ولقد قرأته - أي كتاب (الموسوعة في سماحة الإسلام) فور حصولي على نسختي منه منذ زمن طويل، لا أذكر مداه تحديداً، وقد كتبت عنه - حينذاك - بما أمكنني من توسّع في تقريظه، والتنويه به، أو عنه.. ثم عدت فقرأته - ربما - للمرة الثالثة عندما قام (بابا الفاتيكان) بتفجير هجمته الشرسة على الإسلام.. قرأته مع مراجعات في بعض المصادر الموثوقة حيث قمت بكتابة مجموعة حلقات تحت عنوان (مباعدة مع بابا الفاتيكان) أشرت فيها إلى كثير من الحقائق التاريخية التي لا يرقى إليها الشك، والتي تنقض - بكل شدة ودقة - كل ما زعمه، أو افتراه ضد الإسلام، ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وكانت قراءتي لكتاب (الموسوعة في سماحة الإسلام) من أجل اقتباس نصوص، أو نحو ذلك مما قد يعينني على الموضوع الذي تصديت لكتابته!!

ولكن اتضح لي أن الموسوعة لابد من أخذها بكاملها حيث يصعب الاقتباس منها لكونها من أولها إلى آخرها لا تنقض مزاعم البابا فحسب.. بل هي تنقض بدقة منهجية، وحجج على غاية من القوة السداد في دحض سائر الأقاويل، والشبهات التي تثار في الغرب ليس على المستوى الغوغائي.. بل أيضاً على مستوى الدراسات، والمحاضرات، والأبحاث ذات الصبغة العلمية، أو ما يزعمونه كذلك مع جهل، أو تجاهل لمدى ما هو ثابت عن (سماحة الإسلام) بصورة لا تقبل الشك.. رغم التقصير الهائل من قبل المسلمين من ناحية التعريف الحقيقي بالإسلام.

وذلك رغم انفاق المبالغ الضخمة التي تنفق على ما يسمى ب(الدعوة)، أو (التعريف)، ولكن كل ذلك بوسائل غير مجدية.. كما هو المعروف!!

وبعضهم ينفق بإسراف كبير على هامش النشاط الدعوي في الجزيرة العربية نفسها حيث يوجد في مدينة واحدة مكتب دعوي واحد.. من أبرز، وأهم نشاطاته استقطابه لبعض علماء من غير الراسخين في العلم - على الأغلب - لإلقاء محاضرات متوالية في أحد المساجد في موضوعات شتى قد لا تخلو من فائدة بالطبع.

ولكن رغم يقيني ان معظم المحاضرين إن لم يكن جميعهم لا يمكن أن يقبلوا قرشا واحدا على سبيل المكافأة مثلاً، والمكان هو المسجد، والجمهور هم الذين تعودوا على الصلاة فيه دائما!!

وهكذا فإن كل ما ذكرناه لا يحتاج إلى انفاق مادي تقريباً!! ولكن لكم ان تعلموا ما لا يعقل، ولا يقبل، وهو أن المكتب يقوم بنشر إعلانات في معظم صحفنا.. كل إعلان منها لابد أن يكون ملوّنا، وعلى مدى صفحات كاملة.

ومما ربما لا يعرفه البعض ان الصفحة الإعلانية الملونة لمرة واحدة في صحيفة واحدة تكلف عشرات الآلاف من الريالات فكيف بالعدد المهول من الإعلانات الملونة المتكررة في سائر صحفنا، أو معظمها لعدد من مرّات متوالية عن الدعوة إلى محاضرة واحدة، واحدة فقط!!

لاشك ان ذلك يكلف الكثير جدا مما يمكن ان تطبع به - بدلا من ذلك - عشرات من الكتب التوعوية المستنيرة من نوع كتاب (الموسوعة في سماحة الإسلام) وهو ليس كتاب توعية من نوع ما نشاهده من كتيبات يصدرها بعض المرتزقة باسم الدعوة، أو ما إلى ذلك من نحوه!!

وهي - في الحقيقة - شديدة التلفيق والاسفاف.. لا تهدف إلى أكثر من استغلال المشاعر الدينية للربح منها بدون حساب، رغم كونها لا تخدم دعوة، أو تعريفاً بالإسلام.. بل هي من الناحية الأخيرة بخاصة لا تساوي (شروى نقير)!!

وأما على المستوى الرسمي، وبخاصة بعض الوزارات، أو الجهات الحكومية المختصة بالذات فحدث عن قلة ما تنشره من كتب، ومع سوء اختيار لنوعيات ما تنشر، أو عدم جدواها تقريبا للجانب الدعوي، أو التوعوي!!

أما جانب كتب التعريف الصحيح الحق بالإسلام على نحو ما هو عليه الشأن في كتاب (الموسوعة في سماحة الإسلام) فذلك - لا شك - أرقى بكثير من الطموحات المتواضعة لدى هذه الجهات.. بل ذلك أبعد منالا بالنسبة لقدراتهم الذهنية المحدودة، الضيقة الأفق في مسألة اختيار الكتب الصالحة حقاً.

وسنضرب - مثلا - بكتاب (الموسوعة في سماحة الإسلام) نفسه فقد حصلت على نسختي منه عن طريق أحد أصدقائي من كبار العاملين في (رابطة العالم الإسلامي) وهي جهة إسلامية عالمية ضخمة ذات اعتمادات، وميزانيات كبرى بيد انها اكتفت بشراء مجموعة محدودة من نسخ الكتاب المذكور لمجرد الاهداء المحدود منه فحسب!!

أما التفكير في طبعه، وطبعه على أوسع نطاق، وبعدة لغات كجزء من حملة رشيدة مفترضة في سبيل التعريف بالإسلام حقاً، وصدقا.. فذلك مما لا تفكر فيه (الرابطة)، ولا ترقى إليه برامجها.. رغم كون جزء - مجرد جزء - من (بند السفر، أو الرحلات فيها) - مثلاً - يكفي ليس لطبع، وترجمة كتاب (الموسوعة في سماحة الإسلام) بل لكثير من نوعه.. بدلاً من شراء مجموعة نسخ منه يتهاداها كبار موظفيها!!

وذلك كله مجرد أنموذج ينطبق تماماً على الوزارات، والجهات الحكومية الدينية، وفي مقدمتها - مع كل أسف - الوزارة المختصة بذلك بالذات!!

وهكذا فإن الدعاوى، أو المزاعم الكثيرة المتعلقة بأهمية التعريف العلمي الحقيقي ب(الإسلام) ليس لها وجود فعلاً على أرض الواقع.. اللهم إلا ما ندر مما لا حكم له!!

ولكن لا شك ان الكتب الصالحة حقا للتعريف ب(الإسلام) وبخاصة الكتب ذات الطابع العلمي المنهجي المتفهم.. بل المستوعب لمنطلقات الفكر العالمي تجاه الإسلام، وبخاصة المنطلقات الغربية، والتعامل معها بما تفهمه، أو يمكن إقناعها به على نحو ما هو عليه كتاب (الموسوعة في سماحة الإسلام) أو نحوه من مثل كتاب (الإسلام دين العلم والمدينة) للإمام (محمد عبده) أو كتاب (تاريخ التشريع الإسلامي) للشيخ (محمد الخضري) أو كتاب (حقوق النساء في الإسلام) للشيخ الجليل (محمد رشيد رضا) أو كتاب (أدب الأسرة في نظام الإسلام) للعلامة السيد (محمد علوي المالكي) رحمهم الله جميعاً، وما إلى ذلك من نحو هذه الكتب!!

ولكن لا شك أن مثل هذا النوع من الكتب الواعية، المستنيرة قليلة جداً - مع كل أسف - إلا أنها غير معدومة.. فضلاً عن إمكانية تأليف مثلها.. بل ما هو أفضل منها مع ما تقدم الإمكانيات العلمية، والمنهجية بين صفوة علمائنا، ومثقفينا المستنيرين المعاصرين.

ولكن الخلل ليس هنا.. بل هو في قصور الفهم لدى الكثير من الجهات الإسلامية المعنية بهذا الشأن الإسلامي، أو ما يماثله!!

لندن

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة