Culture Magazine Monday  16/02/2009 G Issue 271
فضاءات
الأثنين 21 ,صفر 1430   العدد  271
البوابة الخارجية
نقد الورق ونقد الشاشة
سعاد فهد السعيد

 

النقد المتخصص يغيب عن الشاشة الإلكترونية؛ تعودنا نحن الورقيين أن نجد الناقد الرياضي في الصفحة الرياضية والناقد الأدبي في الصفحة الأدبية والناقد الفني في الصفحة الفنية، ومثل هؤلاء لا مكان لهم في الشاشة وحل محلهم الناقد الشامل الذي يمارس النقد السياسي والاجتماعي والديني والاقتصادي وغير ذلك بنفسه على أتم صورة، ولكن ليس على أحسن صورة، وهذا سببه ليس التشكك في الناقد (قد يكون مدوناً في مدونته أو عضواً في موقع) بعدم إعطائه رؤية واضحة موحدة، بل بسبب طبيعة المدونات والمواقع التي تعطي الشيء وضده عبر خدمة تمكين جمهورها من الرد؛ فالقيمة الاجتماعية أو الموقف السياسي - مثلا - المنقودان في الشاشة يصطف لهما فريقان فريق مؤيد وفريق رافض؛ وبالتالي لا يمكن للظاهرة السياسية أو الدينية أو الفنية أو غيرها أن تحسم في تلك المدونات والمواقع وتظل الآراءُ حولها آراءَ انتقاد، سالبةً أو موجبةً.

فإذا كنا لا نستطيع أن نحكم بالأفضلية أو عدمها على تحول النقد في الشاشة من نقد متخصص إلى نقد شامل للمنفصلات المختلفة، نستطيع أن نحكم عليه بحسب طبيعته التي تتيح للجمهور إبداء الرأي في المنقود بالأفضلية؛ لأن هذه الانتقادات الممارسة من جانب الجمهور - وإن لم تصل حد النقد المدروس المنهجي - أكثر فعالية في المجتمع من النقد الورقي؛ لأن الناقد الورقي يكتمل موقفه النقدي بانتهاء إنتاجه الكتابي، بينما لا يستطيع المدون إنهاء موقفه النقدي باكتمال إنتاجه الكتابي بل تبدأ المتواليات النقدية أو الانتقادية التي يقوم بها جمهور المدونة في اللحظة التي تتوقف فيها الكتابة، فسيرورة النقد لهذا الموقف النقدي مستمرة.

وهذه الفعالية المحمودة فعالية سالبة ليس لها أي تأثير في المجتمع لأنها ناتجة عن اصطفاف وصراع وتعصب في الرأي، والتغيير لا يتم إلا بالاتفاق على وجود الظاهرة المنقودة بغض النظر عن الاقتناع بها أو لا، ثم نقدها وليس انتقاد ممارسيها.

وكما نجحت المدونات في الاشتغال على نقد المنفصلات المتنوعة الاتجاهات على مستوى الفعالية، نجحت في نقد الطارئ (حدث أو ظاهرة)؛ لأن النقد التراكمي الذي هو من خصائص النقد الورقي الكتابي - نسبة إلى الكتاب - كحلم المستيقظ يغيب المنقود فيه عن الذاكرة والحواس، والحاضر أزاح الفائت.

إذا كان الناقد الشاشي له خاصية الفعالية والافتقار إلى التأثير، فالناقد الورقي يفتقر إلى كليهما الفعالية والتأثير.

وإذا كان التنظير للنقد الثقافي جاء من الورق، فقد جاء التطبيق له عبر شاشة المدونين.

وما زال النقدان الفكري والمعرفي كما هجرهما قراء الورق مُهجَّرين من الشاشة؛ لزمنيتهما الطويلة وفعاليتهما العصية وتأثيرهما الذي يأخذ الطابع الحضاري وليس الطابع الثقافي.

الأقرب للوصف أن يكون عنوان الموضوع (انتقاد الشاشة ونقد الورق)، لكن في زمن ضياع المعايير من كل فن وأدب وعلم لا بأس أن تحل كلمة (نقد) مكان (انتقاد).

باحثة سعودية - مصر

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة