Culture Magazine Monday  23/02/2009 G Issue 272
فضاءات
الأثنين 28 ,صفر 1430   العدد  272
في تمجيد النقد
أولاد أحمد

 

(1)

النّقد. النّقد. مزيدا من النّقد.. وإلى الأبد.

وليتوجّه نقدنا إلى الأرض والسّماء.. على حدّ سواء.

النّقد - النّقد- النّقد المالح- النّقد الحار.

النّقد الذي لا يبقى ولا يذر. النّقد الفضّاح ذلك الذي تكون مجرّد قراءته مهرجانا من الضّحك على هذه الكائنات الغارقة في عاداتها السّخيفة باسم احترام السلوكات الحميدة وعدم مشاكسة الحسّ العام!

(2)

لم نفلح في أن نكون مواطنين صالحين بسبب عزوفنا عن النّقد واعتباره نوعا من أنواع الهجاء.. وها نحن مجرّد سكان نتفرّج على الأيام والأعوام وهي تنسلّ بسرعة مذهلة من أعمارنا التي لا حكمة فيها!

النّقد - النّقد- إذا بقيت بقيّة رغبة في هذه الحياة التي ندّعي- بلؤم- أننا نتفوّق في أدائها على البهائم السّوام!!

(3)

ليس ثمّة نقد بنّاء وآخر هدّام. هناك نقد فقط. لا غاية له سوى جعل الحياة جديرة بالحياة، والبشر موضوعا للحرية. وبناء عليه فإن صفة (ناقد) تصلح لأن تكون لقبا جماعيا لأفراد هذه الشعوب المزهوّة بتخلّفها وبعمائمها وخوذاتها.

(4)

بين عشاء فاخر على شاطئ ليلي وجلسة نقدية على حشيش حديقة عمومية، علينا أن نختار الجلسة النقدية دون تردّد.. خصوصا وأن عشاء ينتظرنا في اليوم الموالي.. وأننا لن نموت إذا لم نتعشّ مرّة وسط نفاق ومجاملات لا تنتهي.

الذي قال إن آداب الجلوس تستوجب الابتعاد عن النقد، قال كذبا محضا وعليه أن يعتذر في الحال.

(5)

كلّ سلعة نشتريها ننقدها نقدا فلماذا لا ننقدها؟

كلّ شخص نختاره أو لا نختاره ننتخبه أولا ننتخبه، فلماذا لا ننقده؟

على الذين لا يطيقون النّقد أن يتدبّروا كوكبا قصيّا، لا ماء فيه ولا حياة، هناك بين الأحجار الفحمية والأشكال الهلامية المعلّقة في حبال الأزل.

(6)

كيف لشاعر يحترم نفسه، ولكتاب يحترم أدبه، ولجامعيّ يحترم مهنته، ولباحث يحترم مخبره أن يصابوا بالجنون الفجائي، ويعتبروا النّقد الموجّه إلى ما يكتبون نوعا من الاعتداء على شخوصهم المادية؟

وما معنى أن يلوّحوا جميعا بمقاضاة من ينقدهم عوض الردّ عليهم بما يقنع العقل السّليم والقارئ الفطن؟

وما الدّاعي للكتابة، أصلا، إذا كان المقصود منها عدم التلوّث بأضواء النقد؟

(7)

يتوسّلون نشر (دروسهم) في الصحف والمجلات، التي لم تجعل لنصوصهم في الأصل، ثم يتوعدون كلّ من يقرأها ويتجرّأ على نقدها، وكأن قراءهم تلاميذ وكأن الشعب برمته مجرد تلاميذ!

هؤلاء هم الذي يعلّمون أبناءنا دون الانتباه إلى أننا آباؤهم وإلى أننا غادرنا مقاعد الدراسة منذ الثلث الأخير من القرن الماضي!!

إنها الرؤية المدرسية للأدب والثقافة والمجتمع، تقودها ثلة من النّخب التي تعوّدت أن يخاطبها الأطفال بلفظة: (سيدي) فاستلطفت هذا الخطاب إلى حدّ بدا لها أن كلّ من لا يخاطبها بتلك اللفظة هو جاحد ومتآمر!!

تونس

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة