Culture Magazine Monday  23/02/2009 G Issue 272
أنهار
الأثنين 28 ,صفر 1430   العدد  272
قصة قصيرة
حارس القانون
بقلم: فرانز كافكا (1883-1924)

 

ترجمة د. فراس عالم

أمام القانون كانت هناك بوابة يقف عليها حارس ضخم. قدم رجل من الريف وتوسل الحارس أن يسمح له بالدخول لمقابلة (القانون)، لكن الحارس أخبره أنه من غير المسموح الدخول على القانون الآن. اعتقد الرجل أن الأمر منته، لكنه عاد وسأل الحارس إن كان سيسمح له بالدخول فيما بعد؟

- (محتمل) أجابه الحارس (لكن ليس الآن).

كان الحارس يقف على طرف البوابة المفتوحة، تجرأ القروي ليمد رأسه عبر فراغ البوابة متطلعاً إلى الداخل.

ضحك الحارس مما فعله الرجل وقال:

- (إذا كنت متحمساً للدخول فجرب أن تفعل ذلك بدون إذني، لكن عليك أن تعلم أنه برغم قوتي فأنا أضعف حراس (القانون)، فمن ردهة إلى ردهة ستجد حارساً خلف آخر، وكل واحد أقوى من الذي يسبقه. بل إن حارس الردهة الثالثة مرعب لدرجة أنني لا أجرؤ على مجرد النظر إليه).

لم يكن الرجل الريفي يتوقع كل هذه الصعوبات عندما قرر أن يأتي، فقد اعتقد أن القانون متاح للجميع في أي وقت. لكن منظر الحارس الضخم في معطف الفرو السميك وأنفه الحاد الطويل ولحيته النحيلة المدببة جعلته يعتقد أنه من الأفضل له أن ينتظر حتى يؤذن له بالدخول.

أعطاه الحارس مقعداً وسمح له بالجلوس إلى جانب البوابة، جلس القروي لأيام وسنوات، قدم خلالها الكثير من التوسلات للحارس كي يسمح له بالدخول حتى أصابه بالإزعاج من كثرة طلباته. كان الحارس يجري معه حواراً قصيراً في كل مرة، يسأله عن قريته وأسئلة أخرى مشابهة دون أن يحدث ذلك أي نتيجة، فدائماً ما يأتيه الجواب بأنه لم يحن بعد الوقت للسماح له بالعبور.

قام الرجل بالتضحية بكل زاده الذي أتى به من القرية محاولاً رشوة الحارس، كان الحارس يتقبل كل شيء مهما كانت قيمته، لكنه يعلق في كل مرة يتلقى رشوة جديدة:

- (أنا أقبلها فقط كي لا تشعر بالذنب لأنك لم تجرب كل السبل)

خلال السنوات الممتدة استحوذ الحارس على عقل الرجل القروي. نسي الحراس الآخرين خلف الأبواب الأخرى. أصبح هذا الحارس عائقه الوحيد عن مقابلة القانون. أخذ يلعن حظه السيئ، بجرأة وصوت عال في السنوات الأولى ثم بهمهمة خافتة بينه وبين نفسه في السنوات الأخيرة.

أصبحت ممارساته طفولية مع الوقت، من كثرة تأمله في الحارس أصبح يعرف عدد البراغيث في معطف الفرو الذي يرتديه، بل إنه توسل إلى البراغيث أن تتوسط لدى الحارس كي يسمح له بالدخول لكن دون جدوى.

أخذت عيناه تذبلان، ولم يعرف هل العالم أصبح أكثر ظلمة، أم أن عينيه تخدعانه. حتى عندما أطفئت عيناه تماماً كان يشعر بالوهج القادم عبر بوابة القانون، كان وهجاً لا يكمن أن يخبو بالنسبة له.

والآن وهو يشعر أنه لم يبق له إلا لحظات قبل أن يموت، كانت هناك فكرة تدور في ذهنه على مدى سنوات و لم يجرؤ خلالها أن يصارح الحارس بها من قبل. أشار للحارس أن يقترب (حيث لم يعد جسمه المتصلب يسمح له بالحركة)، انحنى الحارس نحو الأسفل ليقترب منه:

- (ماذا تريد أيها الرجل الكثير الطلبات؟) سأله الحارس

طرح الرجل سؤاله

- (كل الناس تناضل لكي تصل إلى (القانون)، فكيف يتفق أنه خلال كل هذه السنوات الطويلة، لم يتقدم أحد سواي ليتوسل الدخول؟)

تيقن الحارس أن الرجل يحتضر، وليجعل حواسه الواهنة تلتقط الكلمات زأر في أذنه بصوت عالٍ

- لا أحد يستطيع الدخول من هذه البوابة، هذه البوابة صنعت لأجلك فقط، وسوف أغلقها الآن.

***

آخر النهر

Thought is free

الفكر حر شكسبير


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة