Culture Magazine Thursday  23/04/2009 G Issue 280
تشكيل
الخميس 27 ,ربيع الثاني 1430   العدد  280
من الحقيبة التشكيلية
المرأة في الفن التشكيلي - الحلقة 3
شهرة التشكيليين الرجال حجبت الأضواء عن إبداع المرأة التشكيلية

 

إعداد: محمد المنيف

من المؤسف أن الفنانات التشكيليات خلال القرون السابقة لم يأخذن حقهن من النشر والانتشار كما أخذه الفنانون في مجال التأليف ونشر صور اللوحات وتسويقها والدعاية لأعمالهم كما أعطيت لوحات الفنانين الرجال من الأهمية والإشارة إلى أماكن عرضهن في المتاحف بينما بقيت أعمال التشكيليات في حدود العرض والاقتناء دون أن يحظين بمثل ذلك الاهتمام الواسع للفنانين وان كان هناك مؤلفات أو إصدارات فهي باقية في حدود الدول التي أصدرتها دون نشرها على المستوى العالمي ومنها الترجمات التي كان للفنانين النصيب الأكبر منها فوصلت بهم إلى أعين وعقول المثقفين والفنانين في مختلف دول العالم ومنها الدول العربية وخلال أعوام مضت منذ أن أنشأت الأكاديميات المتخصصة في الفنون الجميلة وان وجد للفنانات فرصة في بعض المؤلفات الدراسية للكليات والأكاديميات فهي في حدود ضيقة جدا.

هذا التعتيم والتهميش لم يكن وليد اللحظة أو لقرن دون آخر وإنما كان منذ أن بدأت الرسامات في المشاركة والظهور على الساحة إلى يومنا هذا.

المرأة.. الأضعف.. الأقوى

دهشت حينما قرأت إشارة في احد المؤلفات عن ما كان تعاني منه الرسامات في القرون السابقة خصوصا من بداية عصر النهضة إلى منتصف القرن الثامن عشر من تحجيم أو تهميش لإبداعهن وصل الأمر فيه إلى عدم دخولهن الأكاديميات كما جاء في احد الدراسات المتعلقة بهذه المرحلة منها أكاديمية (دي سان لوكا) و(ديل ديزينجو) في ايطاليا تلاشت هذه الفكرة في القرن اللاحق التاسع عشر حيث حظيت المرأة فيه بالاهتمام من قبل المرأة نفسها وبما تبع ذلك على المستوى الرسمي حيث قامت اليزا فوكس بفتح مدرسة ليليلة لتعليم التصوير الزيتي والرسم مع ما تم من افتتاح للاكاديمية الملكية البريطانية رغم ان القبول كان مشروطا لم يسمح فيه إلا بعدد اصابع اليد وذلك في عام 1863م، وهو ما حدث أيضا في مدرسة كيسنجتون الجنوبية عام 1876م بعد مواقف رافضة من الكثير من الرسامات على التفرقة وتفضيل الطلبة على الطالبات فتم قبول ثلاث طالبات مبدئيا إلى ان وصل العدد إلى مائة وثلاثين امرأة مع ما تبع ذلك من شروط في كيفية رسم الموديل اذ يسمح للرجال برسم الجسد بحجمه الطبيعي بينما يطلب من المصورات رسم الوجه فقط، وان كان هناك شيء من الاهتمام بالمصورات في تلك المراحل فذلك نتيجة علاقتهن بالرسامين والمصورين فاما ان تكون زوجة لأحدهم أو ابنة له، إضافة إلى من كن يتلقين دروس الرسم في مراسم فنانين مشاهير لم يستطعن تجاوزهم ولنا أن نذكر بعض ممن تزوجن رسامين امثال الرسامة سوزان هورينبت من مواليد 1503م ابنة المصور جيرار هورينبت ولا فينا فونتانا من مواليد 1552م التي تلقت دروسها في الرسم من ابيها وتزوجت المصور جيان باولو والرسامة اتميزا جنتليشي 1592م تلقت دروسا على يد والدها اوزاريو والرسامة جوديث لاستر المولودة عام 1609م تزوجت المصور جان مولينيير إلى آخر المنظومة.

وفي تقرير للناقدة مدام ايليه عام 1859 أشارت إلى أن تطور مهارات المرأة في نهاية القرن التاسع عشر فاق ما كانت عليه في بداية القرن وما قبله فقد انتشرت في هذا القرن الكثير من المصورات وفي مناطق مختلفة من العالم يمارسن مختلف المدارس التشكيلية الحديثة ومع هذا كله لم تلقِ المصورة (المرأة) في مختلف تلك الفترات الاهتمام الذي تستحقه أو يليق بجهودها ومساهماتها وقد تكون طبيعتها الخجولة سببا في التراجع عند اقل منافسة، هذا الواقع يمتد إلى يومنا هذا مع الاختلاف في قضية القدرات الفنية إضافة إلى انفراج مساحة الفرص للظهور عبر وسائل الإعلام التي لا تتردد في نشر ودعم أي مبدع من الجنسين ولهذا أصبح بإمكاننا الاطلاع على أعمال الكثير من التشكيليات السابقات في القرون الماضية واللاحقة في الفترة الحالية التي تأتي امتدادا للفترة الاخيرة من عصر النهضة ودخول القرن العشرين وصولا إلى القرن الواحد والعشرين الذي لم يعد فيه أي حدود أو فواصل بين المبدعين.

ورغم ما تعرضت له المرأة المصورة في القرون السابقة من تهميش إلا انها كانت بارزة بشكل قوي ومميز ومنافس حتى ان المشاهد للوحات المصورات لا يستطيع ان يفرق بينها وبين ابداعات الرسامين الرجال من حيث الدقة وقوة التنفيذ في بناء اللوحة والسيطرة على اسس العمل الفني إضافة إلى قدرتها على التعامل مع الظروف والتغيرات التي طرأت على واقع الفن التشكيلي من تبدل ومن أبرزها التحول الكبير من مرحلة الفن للفن والاتجاه من الطبيعة وتسجيل الواقع إلى التحرر من تلك القيود عبر النهج الانطباعي في الربع الاخير من القرن التاسع عشر وظهور الانطباعية بقيادة سيزان وبيسارو وديجا وسيسلي ورينوار التي هوجمت في تلك المرحلة دون علم انها ستتسيد الساحة وتفتح آفاقا جديدة على الأعمال الفنية والاجيال الجديدة فكان للمرأة أيضا دور في هذا التبدل والتغير والبحث عن ما يوازي كل مظاهر الحضارة العصرية.

التعليم الأكاديمي

والواقع ان المرأة قد منحت الحق في الدراسة الأكاديمية منذ منتصف القرن السادس عشر الميلادي الذي تعتبر أوروبا الرائدة فيه عالميا بتأسيس الأكاديميات المختلفة ومنها ما يتعلق بالفنون الجميلة ومنها اكاديميات الفنون الجميلة التي تدرس فيها فنون النحت والتصوير في إيطاليا كأول مؤشر في هذا التوجه مثال ذلك أكاديمية (بيلا للفنون بمنطقة بيريجي عام 1546.) ثم (أكاديمية ديسين بمنطقة فلورنسا عام 1563) وظهرت (أكاديمية سان لوق في مدينة روما عام 1652) و(أكاديمية البرتينا في منطقة تورين.) وفي فرنسا أنشئت (الأكاديمية الفرنسية الملكية للمصورين والنحاتين عام 1692). وأكاديمية (كوبنهاجن) في الدنمرك عام 1754 و(أكاديمية سان بطرس بورج في روسيا عام 1757)، (والأكاديمية الملكية في لندن عام 1768)، (وأكاديمية فينا في النمسا عام 1770). اما في الأمريكيتين فقد أُسست أول أكاديميتين للفنون الجميلة في (ريو دي جانيرو بالبرازيل عام 1816)، (والأكاديمية القومية لفن التصميم في مدينة نيويورك عام 1825)

القرن العشرين.. الانفتاح والمنافسة

تحدثنا في الحلقتين السابقتين عن فترتي ما قبل عصر النهضة ومررنا على عصر النهضة وقدمنا نماذج من إبداعات المرأة في تلك الفترات لنصل في هذه الحلقة إلى مرحلة مهمة في مسيرتها في الفن التشكيلي وهو القرن العشرين الذي يمتد تأثيره إلى يومنا هذا حيث يرى المفكرون والنقاد والمبدعون أن هذا القرن تميز بالسرعة والتطور والابتكار والانفتاح على الكثير من العوالم وسبل التعامل مع كل منجز إنساني ومنها الإبداعات التي تأتي الفنون التشكيلية إحدى روافدها وتمثل جزءا من ثقافات الشعوب.

فقد أخذت المرأة في هذا القرن وضعها الطبيعي وحقها في المساهمة والاهتمام بشكل متساو مع الرجل فيما يتعلق بالإبداع أو تلقي الدراسة والحصول على أعلى المؤهلات العلمية ولهذا لن نستطيع أن نرصد أو أن نحدد عدد أو أسماء التشكيليات في هذه الفترة أو القرن نتيجة كثافة الحضور وازدياد الأعداد ولكننا سنأخذ نماذج معينة من بداية القرن والفترة الأقرب إلى نهايته منها على سبيل المثال الفنانة ماري لونغنتون المولودة في باريس في عام1883. والمتوفية عام 1956م ذات الحضور المتميز للفنانة بميلها إلى رسم المشاهد الخاصة العائلية صور ذاتية للنساء والفتيات ببساطة الخطوط وبألوانها الوردية والزرقاء والبيضاء، تزوجت من الرسام أوتو فون واتغن؛ وعاشت معه فترة في اسبانيا ثم عادت إلى باريس في عام بعد طلاقها منه 1921.

كما نشاهد أيضا نموذجا من هذا القرن تمثله الفنانة دورثي دينر 1991- 1994الحاصلة على بكالوريوس كلية سكيدمور والدكتوراه الفخرية في العلوم الإنسانية كلية سكيدمور الحاصلة على الجائزة النسائية للفنون وجائزة الرسم في الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب.

كذلك الفنانة لويس مايلون التي لم ينقطع عطاءها وتتمتع بإنتاج غزير، وعملت على نطاق واسع في فرنسا، وهايتي، والسنغال، وكذلك الولايات المتحدة، قيل عنها انها مصدر إلهام للكثيرين، خصوصا فيما يتعلق بالفن الإفريقي› وتوظيف الاقنعة الإفريقية،في الرسم والنحت.

أما الفنانة برونيلا كلاوف تأتي ضمن سياق التشكيليات المعاصرات. حيث تقوم، بتوظيف المواد المستهلكة لتحيلها إلى لوحات مقنعة لفك لغز الجمال أقامت أول معرض منفرد لها في عام 1947، واستمر حضورها المتميز حتى وفاتها عام 1999، فازت بجوائز مرموقة بوصفها واحدة من اهم الفنانين البريطانيين.

تجارب تشكيلية نسائية عربية

إلى هنا يمكن ان نكون قد قدمنا لمحات أو ما يمكن تسميتها ومضات عن المرأة في الفن التشكيلي على مر القرون الماضية وصولا إلى القرن العشرين والواحد والعشرين الذي لا يحتاج منا إلى الكثير من التوضيح أو الاستشهاد فقد أصبح للمرأة التشكيلية اليوم موقعها واسمها ومكانتها في مختلف دول العالم لهذا سنبدأ في حلقتنا القادمة مع المرأة العربية وصولا إلى التشكيليات في المملكة العربية السعودية باعتبار أن حضورها الكبير والمكثف أتى لاحقا بعد تجارب عربية بارزة تمثلها التشكيليات الرائدات في مصر والعراق وسوريا إلى آخر المنظومة.

monif@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة