Culture Magazine Thursday  26/03/2009 G Issue 276
تشكيل
الخميس 29 ,ربيع الاول 1430   العدد  276
من الحقيبة التشكيلية
كانت مادة دسمة للفنانين التشكيليين
المرأة رفضت تمييز فن الرجل عن فنونها وانتزعت حقها منه بإبداعها (1)

 

إعداد: محمد المنيف

لا شك أن المرأة تثير الاهتمام في أي مجال تعمل به على المستوى العالمي أو في محيطنا الشرقي والعربي تحديداً للعديد من الأسباب منها ما تمليه عليها فطرتها كمسؤولة عن الأسرة والبيت والأبناء، لهذا فهي حينما تدخل معترك الحياة وهو أمر طبيعي لا يعترض عليه إلا جاهل قد تفقد جزءاً كبيراً من المهمة الأسرية التي لها الأولوية، لكن الحياة ومتطلباتها وما أتيح لها من حق في المشاركة في طلب الرزق والعمل في بناء الحضارة والشواهد كثيرة أصبح وجودها مهماً وفاعلاً لا يمكن الاستغناء عنه، والاهتمام هنا أو ما يمكن أن يضعه الرجل كمجهر يتفحص فيه قدرات المرأة يتحدد في كيفية توفيقها لحياتها وكيف تحقق النجاح، هذه النظرة حول الشك في إمكانية نجاحها لا يمكن أن تزول من عقول الكثير في محيطات معينة إلا مع الزمن الذي يكفل إقناعهم ويمنح المرأة حقها، وهنا يمكن أن نقول أيضاً إن الفنون التشكيلية من الأمور التي لم يكن يتوقع الرجل دخول المرأة فيها كالنحت والرسم والتصوير الزيتي إلى آخر المنظومة وهو بيت القصيد في موضوعنا لهذا اليوم الذي سنستعرض فيه بإيجاز تقديراً للمساحة بين حضور المرأة كملهمة في الأعمال الفنية وبين مشاركتها الرجل هذا الإبداع ومنافسته له في المعارض إضافة إلى التعرف على ميزات كل منهم الرجل والمرأة.

المرأة في الإبداع التشكيلي

تنوع استلهام المرأة في الأعمال الفنية بمختلف تقسيماتها التي منها النحت والتصوير الزيتي أو المائي أو الحفر، وتعددت أنماط توظيفها في تلك الوسائل فمن الفنانين من اتجه لإبراز جمال المرأة كما يظهر في اللوحات العالمية ومن مختلف العصور إذ لا تخلو أعمالهم من هذا الحضور للمرأة، فمنهم من رسم شخصيات معينة، حينما كان الرسام يمثل الكاميرا في عصرنا الحديث وكان يلجأ إليه علية القوم ليخلد أسرهم بما فيها السيدات اللاتي ظهرت عليهن الزينة في الملبس والحلي، فأصبحت تلك اللوحات سبيلاً لمعرفة أنماط الحياة والذوق ومستوى رقي تصميم الأزياء في تلك الحقبات التاريخية ومنها عصر النهضة، إضافة إلى لجوء البعض إلى إبراز التفاصيل التي يراها الكثير ابتذالاً لقيمة المرأة أكثر منه إبداعاً فنياً مع أن هذه الأعمال لم تكن كثيرة أو تشكل ظاهرة بقدر ما كان يجد فيها البعض سبيلاً للتسويق، أما الجانب الآخر من استلهام المرأة وهو الأكثر حضوراً في المعارض أو في حال استعراض أعمال الفنانين فهي المرأة العاملة في المزارع أو الأم أو الخادمة أو الزوجة، اكتسبت هذه الأعمال تقدير العامة وحظيت بالاقتناء.

وقد نأخذ بعض الأمثلة عن استلهام الفنانين للمرأة وتوظيفها للتعبير عن واقع أو فكرة، فسنجد أنفسنا في حديقة غناء لا حدود لها ولا يمكن حصر ما فيها، ولكننا سنأخذ بعض النماذج منها لوحة الموناليزا للفنان ليوناردو دي فنشي التي أصبحت رمزاً للواقعية وأغفل بسببها الكثير من اللوحات الأخرى التي تعد أفضل منها حيث اهتم فيه دي فنشي بالجانب الحسي والعاطفي واستفاد من علمه بالتشريح في إبراز الابتسامة الغامضة كما أطلق عليها، كما نجد للفنان جان باتيست لوحة بعنوان معلمة الشباب يظهر فيها شابة تعلم طفلاً الكتابة، أما الفنان ايدقار ديجا فقد وجد في (ماشطة الشعر) موضوعاً مختلفاً يكشف فيه الحميمية بين الطرفين الخادم والمخدوم، أما الفنان رامبرانت فقد جعل من زوجته ساسيكا مصدر إلهام لكثير من أعماله، من جانب آخر كما أشرنا إلى أن الفنانين قد أبدعوا في نقل أنماط اللبس والتصميم في ذلك العصر ما نشاهده في لوحة الأميرة مارجريتا للفنان فيلاسكيز، أما بيكاسو فقد بالغ كثيراً في توظيف زوجته غالا في غالبية لوحاته، وجعل منها موديل قدمها من خلاله بأوضاع مختلفة مركز على الوجه بأسلوبه المعاصر.

المرأة في الفن العربي

لا يختلف واقع اهتمام الفنان العربي عن الفنان العالمي في هذا الجانب فالفنان في أي مكان من العالم يتأثر بمحيطه ويلجأ إلى واقعه لتسجيل ما يراه جميلا مع ما يضفيه عليه من خصوصية وتوظيف للفكرة، ولهذا فقد أعطى الفنانين العرب للمرأة مساحة كبيرة في أعمالهم ركز الغالبية فيها على دورها الاجتماعي والأسري ومشاركتها الرجل في الحياة العامة خصوصاً المجتمع الريفي الذي يرى فيه الفنانون العرب مصدر إلهام حقيقي أصيل، ولهذا ظهرت الأعمال الفنية في كل قطر من الأقطار العربية دون تمييز، تبعاً لخصوصية كل منطقة أو دولة أو محيط، ففي مصر اشتهرت أعمال الفنانين بالمرأة الفلاحة ومشاركتها مع الرجل فكانت تمثل بطلة المشاهد الطبيعية والأرياف كما هي أيضا في لوحات الفنانين العراقيين، ومع أن المرأة في الخليج كان لها نفس الأدوار والمهام في مشاركة الرجل العمل إلا أن الفنانين يقدمونها باستحياء، وان ظهرت فستكون في إطار التقاليد، لهذا لم يكن توظيفها في اللوحات إلا في حدود خصوصيتها مع مثيلاتها النساء كحفلات الزواج أو مظاهر الزواج وإعداد الزوجة وتجهيزها.

ولنا أن نستعرض بعض هذه الأعمال كأمثلة منها لوحة نساء في الريف لحسين بيكار وتمثال الفلاحة للفنان محمود مختار من مصر ولوحة تجهيز العروس للفنان عبد الله المحرقي من البحرين ولوحة نذير نبعه من سورية التي أفاض عليها دقة وتفاصيل وتعبير يجمع بين التراث وجمال المرأة.

تحول ومنافسة

هذا الحضور للمرأة في عالم الفن واللوحة والمنحوتة من قبل الفنان وما وجد في المرأة من سبل التعبير منها المقبول المتمثل في أنها ملهمة لكل مبدع ومصدر تعبير وتوثيق دور اجتماعي لمختلف الطبقات أو تنوع الحياة الاجتماعية والبيئية والتراثية ومنها المنبوذ الذي يظهر المرأة لقصد الإغراء أو إبراز المفاتن مع أن مثل هذه الأعمال لم تلق رواجاً أو اهتماماً على المستوى العالمي نتيجة ما تظهره من ابتذال للمرأة جسداً وليس عقلاً وفكراً وقدرة على العطاء الأسمى في بناء المجتمعات التي تمثلت في اللوحات الأخرى الأكثر صدقاً مع ما تساهم به المرأة في بناء الحضارة.

وإذا كانت المرأة في كثير من الأحيان مصدر جذب بما يسعى إليه الفنانون من إظهارها بهذه الزاوية إلا أنها أخذت حقها في أعمالها كفنانة بعد أن أكدت حضورها في الستينات حيث جاءت الأعمال أكثر قربا لواقعها لأحزانها ولأفراحها ولعاطفتها وإنسانيتها التي غابت كثيراً عن لوحات الفنانين مع ما برز من تحليلها وتعبيرها عن قضايا مجتمعها بشكل أكثر دقة ورهافة حس، مع ما تساهم به من حس وطني وتأكيد انتماء، هذا التحول في تلك الفترة لم يتوقف عند هذه الحدود من قبل المرأة التي وجدت سبل الخروج إلى عالم الإبداع لتضاعف قدرتها بالتخصص والدراسة.

والخوض في ما كان ينافسها به الرجل وبكل التقنيات انتزاع حقها بكل جدارة في مختلف صنوف الفنون التشكيلية كالنحت والتصوير الزيتي وصولا إلى الجديد المعاصر لتنافس به الرجل وتزيل عن دربها الحاجز الوهمي الذي ابتدعه بتقسيم الفن إلى رجالي ونسائي، مستخدمة في إزالة تلك الغشاوة إجابات على مختلف التساؤلات ومن أهمها (هل هناك فن رجالي وآخر نسائي..؟) (وما الفارق بينهما..؟)، لتضع إجاباتها المباشرة بالعمل الحقيقي في مختلف تلك الوسائل وبجدارة، مواكبة العصر ومعلنة المنافسة بتجارب وخبرات ومؤهلات عالية المستوى.

هذا التحول وهذا الحضور أثار في نفوس الفنانين (الرجال) الغيرة وأصبح حضور المرأة يشكل منافسة لهم انتزعت به الاعتراف المؤطر بالإعجاب من التشكيليين الرجال.

للحديث بقية

نستكمل في حلقات قادمة جوانب أخرى من المرأة في الفن التشكيلي العالمي والعربي والمحلي وابرز الأسماء فيها وتاريخ دخول المرأة لهذا الفن ومستوى حضور الفنانة التشكيلية السعودية في هذا المضمار.

monif@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة