الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 20th September,2004 العدد : 77

الأثنين 6 ,شعبان 1425

الواقع الثقافي وجدية الطرح المسؤول تجاهه
حليمة مظفر *
لاشك أن ملتقى المثقفين الذي ترعاه وزارة الثقافة والإعلام كحدث أول يعتبر من الأهمية البالغة كي ينفض الغبار عن الجهات والقنوات المسؤولة في تسويق الثقافة وبثها بمعايير وضعتها وفق أمزجة وقناعات أقرب الى الفردية منها الى الجماعية، بسبب عدم وجود سقف واحد تستظل بها جميعا وتستمد قوانينها المشرعة من خلالها، الى ان تم ذلك بضم الثقافة الى وزارة الإعلام، لتتخذ الوزارة بعد ذلك ترتيب هذا اللقاء الاول الذي يجمع بين اطياف المثقفين والشرائح المرحلية المختلفة، وهذا من شأنه اعطاء الضوء للاعتراف الشرعي بوجود هذه الاطياف التي تنتمي الى توجهات ومدارس فكرية متنوعة تم الاعتراف بها منذ لقاء الحوار الوطني الثاني، وهذا يوصلنا الى بيت القصيد الذي يوضح ان التوجه للثقافة المحافظة واقصاء كل المدارس الثقافية الاخرى من طريقها ما عاد مشروعا ما دامت جميعها تنبعث من ثوابت وطنية ودينية.
هكذا سأحسب نفسي اني تجاوزت مسألة وجود فئات تحتاج لقنوات ثقافية تتنفس بعمق من خلالها وتطرح هويتها الثقافية دون اقصاء بسبب الاعتراف الشرعي لوجودها في الملتقى، اذا ماذا يريد المثقفون من هذا الملتقى؟
مسائل عديدة اولها تفعيل دور الاندية الادبية لتصل بشكل جيد للشرائح المختلفة في المجتمع لا لمثقفيها الاعضاء فحسب، والعمل باجتهاد للوصول الى فئة الشباب الذين لا يعرف اغلبهم حتى بوجود ناد ادبي ثقافي في منطقته من شدة السبات المميت الذي تغرق فيه، وان تلغى فكرة الاقليمية التي تتبناها هذه النوادي الثقافية، ولا داعي للتسمية لانها كلها سواء في ذلك، باستثناء نادي جدة الادبي الذي يعتبر الانموذج الذي يحاول جاهداً أن يكون منبراً متميزاً والفضل في ذلك لاستاذنا الكبير عبدالفتاح ابومدين الذي امتزج بالجميع دون ان يقف جدار المراحل الزمنية في طريقه حين تقبل الصغير والكبير بمختلف التوجهات الفكرية والمدارس الادبية وجعل منبر النادي يعبر عن صوت الجميع، الى جانب انشطة النادي الرائدة، والصالة النسائية التي تعد خطوة سابقة تميز بها نادي جدة الادبي.
اما المسرح فهو الحلم الذي تعبنا وتعب من التأجيل ليوجد حقيقة على ارض الواقع، اذ يعد من وسائل الاعلام المباشرة القادرة على الاتصال الحسي والذهني بالمتلقي،
وهذا ما تكاد حاجتنا اليوم اليه أشد واكبر من السابق في ظل الاحداث الاخيرة التي نعاني منها، فالمسرح قادر على نشر الوعي الاجتماعي والثقافي بأسلوب درامي او كوميدي بدلاً من الوعظ والخطب المطولة التي يملها الشباب أو الجمهور المخاطب بها، وليس ذلك فحسب، بل المسرح قادر على تسخير طاقات الشباب وصبها في قالب نشاطي حيوي فعال ينتشلهم من الارصفة والبطالة الحارقة، ويوفر لهم فرص عمل في مختلف الأطر، وكما نعرف ان المسرح هو ابو الفنون، و(اعطني مسرحا اعطك حضارة) كما يردد البعض، وكم هو جميل ان يكون المسرح الواقعي الجماهيري على ارضنا في ظل الانفتاح العولمي الذي اصبحنا جزءا منه، بل في ظل الاعتراف الشرعي بوجوده كحقيقة خجلة كونه جزءا من المؤسسات الثقافية كجمعية الثقافة والفنون والجامعات والمدارس متمثلا بالمسرح الاذاعي الصغير، لكنها جميعا تقبع في ظلمة النسيان في ظل غياب المسرح الجماهيري، ولن ادخل في تفاصيل قد افرد لها مقالات توضح مدى حاجتنا لتفعيل الواقع المسرحي الاجتماعي الطموح المؤجل في غياهب المحافظة المترفعة.
أما المرأة او دعوني اقول المثقفة السعودية التي تعاني إقصاء هي الاخرى بسبب تجاهل الدور المثمر داخل الخطاب الثقافي المشترك بينها وبين زميلها المثقف، فهي تحتاج الى مساحة يمكنها من خلالها تفعيل هذا الدور الذي يسهم في صياغة هذا الخطاب ليصب في الصالح الاجتماعي، ولعلها في السابق كانت تعاني اكثر من اليوم من تجاهل المنابر المحلية واخص بالذكر الاندية الادبية التي الى الان ترى وجود المرأة كسرا لمحافظتها واستقداما للخطيئة بوجود تفاعلها، بل عدم وجود مكان لها يوازي مكان الرجل وطموحه ونشاطه في جمعيات الثقافة والفنون لذات الامر، ورغم ما تحقق للمرأة من حضور ثقافي ككاتبة وإعلامية ومؤلفة واكاديمية وفنانة تشكيلية واخرى فوتوغرافية واديبة إلا ان ما صنعته من هذا الحضور كان بجدها الخاص الذي نحتته من الصخر، وهذا الحضور ما يزال محليا وليس دوليا بسبب منعها سابقاً من المساهمة والمشاركة في المحافل الدولية الثقافية، وان فتح الباب اخيراً كما سنشهده في معرض فرانكفورت الدولي، اما المبدعات الشابات فما زلن يبحثن عن طريق مضيء يستطعن الدخول اليه وخوض معركتهم فيه مع الحضور الثقافي، ولكن لا تبني للمؤسسات الثقافية لهن ولا لموهبتهن، فيعتمدن على جهدهن الخاص، وحينها يكون الوصول بعد جهد جهيد او التعثر والسقوط او التوقف مللا من السير في السراب، والادهى والامر ظهور التجارب المجانية، هذه هي حال الواعدات من بناتنا اللاتي يتلمسن دربا للثقافة ولا يجدن يدا تمد لهن كي تنتشلهن من الكيد الواقعي.
ولو ان المرأة وجدت لها مكانا في اللجنة الاستشارية الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام فستكون هذه الخطوة بذرة خير وعطاء، ولو اكرمت بوجود لجنة ثقافية اعلامية نسائية تنفيذية مسؤولة ومراقبة على كافة انشطة الثقافة التي تتعهدها المرأة في مختلف المؤسسات الثقافية والتعليمية فسيكون حظها الموفور من عطاء جاد تجاهها، واذ ما فعلت
وسائل قنوات الاعلام في التعاطي مع المرأة وأخص بالذكر وسائل الاعلام المرئية، فإن المرأة المثقفة تصل الى قمة الاجتهاد المشترك فيما بينها وبين زميلها صاحب السلطة، وستعطى بذلك حقها المشروع الذي سيكون نافذة قادرة على اجبار الاخر على احترام ثوابتنا الوطنية والدينية التي لم تنف الابداع عن كافة افراد المجتمع، وخاصة المرأة.
اما مؤسساتنا التربوية التعليمية وان كانت تابعة لوزارات اخرى وهي وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالى الا انها في الأساس البذرة التي تنتظرها وزارة الثقافة والاعلام المسؤولة ايصال صوته واستثمار ابداعه، ولو ان كل وزارة عملت في شأنها الخاص دون غيرها فإن ذلك ادعى للتفكك والتسيب وهذا ما تجنيه أيدينا في بعض مصالح المواطن بسبب روتين عدم الاتفاق في بعض الحالات والمشاهد متعددة لا داعي لذكرها، ولهذا من الاجدى اتفاق هذه الوزارات فيما يصب في مصلحة خلق ثقافة بناءة نفاخر بها، وما يجب بعثرة اوراقه حقا هو نفض الغبار عن الوظيفة التعليمية ببحث انشطة ثقافية جادة يقوم بها الطلاب والطالبات في مختلف الفنون الابداعية (الادب، الفن التشكيلي، الفن الفوتوغرافي، الاعلام، المسرح)، لانهم يمثلون مستقبل الوطن، فهل لنا ببناء هذا المستقبل تجاه الاجيال القادمة بجدية ومسؤولية تحفز على معانقة النجاح والمصلحة العامة قبل المصلحة الفردية.
وهناك اوراق كثيرة ينبغي على الملتقى فرزها وفحصها من كل زاوية، كقضية رابطة الادباء السعوديين، وصندوق مساعدة المثقفين ممن يقعون في حاجة بسبب مرض او فاقة أو عجز وتبني التفرغ الابداعي، وإنشاء قناة ثقافية إعلامية سعودية منافسة تقف بجوار الاخبارية والقناتين الاولى والثانية، وتفعيل حرية التعبير في الكتابة الصحفية، ورفع سقف الرقابة على الكتب الادبية والفكرية والثقافية الذي لا يتماشى مع العولمة وانفتاحنا على العالم، وغير ذلك مما قد يكون قد سقط مني سهوا في هذه المقالة، ولم تتسع لذكره المساحة.
ان الملتقى الوطني الثقافي من الاهمية ما تحمله الامانة في جدية الطرح لرفع مستوى الثقافة الفكرية بالمجتع السعودي، ولا شك انه من الضروري الاستفادة من تجارب الحوار الوطني الثلاثة واخص بالذكر الثالثة الذي خرج هاضما لحق المرأة بخروج توصيات غير جادة تجاهها لافتقادها آلية التنفيذ ورصد النتائج، ومحاولة تجاوز سلبياته الى جدية طرح يخدم قضية الملتقى ويسرع بمعالجة الواقع الثقافي، لا سيما اننا في عصر العولمة التي اذابتنا في تيارها مع بقية الامم المهزومة ثقافيا وما نزال نجدف عكسها ولا نحصل من ذلك إلا على الرجوع الى الوراء مع تقدم الاخرين علينا، فلا بد من الدراسة البحثية للعولمة الثقافية الى جانب وضع استراتيجية مناسبة لنتماشى معها وفق ثوابتنا، كيلا نخسر قضيتنا وهويتنا، فمعركتنا اليوم هي خوض ساحة التفوق الثقافي الذي من شأنه ان يمدنا بالمواجهة الجادة بدلاً من الشعور بضالة الجسد الثقافي امام غيرنا، وكي نثبت للغير أننا لسنا مجرد ثقافة نفط او نفطية معيارها الكم وليس الكيف، والله من وراء القصد.


* شاعرة سعودية

الصفحة الرئيسة
الملتقى الأول للمثقفين السعوديين
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved