الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 20th September,2004 العدد : 77

الأثنين 6 ,شعبان 1425

تعدد الأصوات.. والمثقف الحقيقي..!
ناصر الجاسم *

ماذا يعني أن تكون مثقفاً؟ ماذا يعني أن تكون مثقفاً سعودياً؟ ماذا يعني أن ينعقد ملتقى للمثقفين السعوديين؟ ما هي مطالبك في ملتقى للمثقفين السعوديين تنظمه وزارة الثقافة؟
أربعة أسئلة تطرح أربع إشكاليات كبرى، فالمثقف لوحده عنصر إشكالي، وحين يكون مثقفاً سعودياً فستضاف إلى هذا العنصر الإشكالي خصوصية المكان والزمان اللذين ينتمي إليهما، أي خصوصية النسق المحافظ، وخصوصية الخلايا الثقافية النائمة، وحين ينعقد ملتقى المثقفين السعوديين فستخيم على فعاليات الملتقى وتطل من أوراقه (الشيزوفرنيا) الثقافية، أي حالة الانفصام، أو الازدواج في شخصية المثقف السعودي، شخصية المثقف السعودي المنافق، الذي يظهر عكس ما يبطن، ويقول عكس ما يفعل، وحين يتم طرح مطالبك كمثقف سعودي فسيظهر صوت المثقف السعودي المنتفع، سيظهر صوت ثقافة المناصب الإدارية، وصوت ثقافة كراسي الابداع القديم، وصوت ثقافة القبيلة،ويتبعه صوت المنادين بالأفكار الكبرى وهم أول الخائنين لهذه الأفكار التي صارت في نظر البعض صغيرة بسببهم، وستعلو هذه الأصوات على صوت المثقف الطبيعي، على صوت المثقف الواقعي المرن الموائم في طرح ثقافته لخصوصية الزمان بعيداً عن خصوصية المكان، المثقف الإنسان المتجه إلى الإنسان، المتجرد من أي حزبية ممقوتة، النقي من أية نفعية، الداحض كل ذاتية مريضة، المؤمن بقوله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} وبقول رسوله صلى الله عليه وسلم: (الناس سواسية كأسنان المشط)، ستعلو الأصوات الكبرى على هذا الصوت وتقمعه، وستحاول إخراسه وإسكاته، وسلب حقوقه الثقافية، وستصنفه، وبعد ذلك تختار له من أجندة التهم التي لديها وهي قائمة طويلة ما يلغيه، ويستعدي المجتمع غير المثقف ضده! أو اكتفت بنفيه من الأرض التي هو عليها، أو تجريده من مكتسباته العلمية، أو حرق كتبه ومصادرتها، أو إنزاله من المنابر التي هو فوقها، والشواهد على هذه الحالة الثقافية في الوطن كثيرة، فيُفترض من الملتقى والمتلقي حالة فكرية راقية يسودها الجو الديموقراطي أن يدرس ويشخص هذه العدوانية بين هذين الصوتين بالرجوع الى التاريخ الأدبي لهذا العدء المستحكم البغيض، وأن تصدر القرارات لا التوصيات المنظمة للاختلاف الثقافي أو للعداء الفكري، القرارات التي توقف خوف الصوت الثاني من الصوت الأول، وتبدد حذره منه، وتسد الفجوة الكبيرة الكائنة بين الصوتين، وتزيل ريبة كل صوت من الصوت الآخر، أو الصوت المضاد له، ففي ظل وجود الخوف والحذر والقطيعة الثقافية والريبة وعدم الحوارية تموت الثقافة ويكسل المبدع، ولا يمكن أن نقدم كسعوديين سواء من الصوت الأول أو الصوت الثاني ثقافة حقيقية خالية من الطعن أو النبذ أو الرفض قابلة للاختلاف وليس للخلاف، وعلى المثقفين من المثقفين السعوديين في الملتقى ان يلتقوا هناك بروح المواطنة الحقة، وأن يتساموا عن الخلافات الشخصية، وأن يتحاوروا بهدوء وبشفافية، وأن يتصارحوا مصارحة الحالمين بعودة حال الثقافة العربية في عصور ازدهارها منذ منتصف القرن الثاني الهجري حتى نهاية القرن الرابع الهجري، ويكفي الملتقون مناقشة هذه الحالة الثقافية الصعبة المتشنجة، أو تصحيح هذا الخطأ الثقافي الكبير، الذي هو أصل أخطاء الثقافة في الوطن، والذي تولد عنه أخطاء كثيرة ثقافية، وربما إن لم يتم تصحيحه فستطول قائمة الأخطاء ويستفحل خطرها، ويتنامى عدد الضحايا من المثقفين في الوطن، وستصبح الثقافة السعودية نوعين منفصلين، ثقافة متهمة لا تُحظى بالشرعية ولا الصدق، وثقافة مغضوب عليها تلقى الرواج والذيوع والتداول سراً، وتتحوَّل الثقافة برمتها في الوطن كله إلى لعنة، أو كارثة، أو مصيبة عظيمة، أو عيب، أو تهمة أخلاقية.


* قاص وروائي سعودي

الصفحة الرئيسة
الملتقى الأول للمثقفين السعوديين
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved