الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 20th September,2004 العدد : 77

الأثنين 6 ,شعبان 1425

ثقافة التفوق
أ. د. ظافر بن علي القرني

الثقافة كغيرها تتطور وتتحول مع الزمن حسب المتاح لها من علم ووسائل في بيئتها لمن ينشدها، وبحسب الثقافات المحيطة بها التي تتبارى أو تتدافع معها. وعلى الرغم من توفر كثير من وسائل النهوض الثقافي لدينا، فإن مفهوم الثقافة سيظل مشكلا تتوارثه الأجيال ما شاء الله من زمن، وسيبقى عائقاً أمامها كلما حاولت الانطلاق نحو الأفضل.
أما ترانا إذا ما ذكرت الثقافة توجهت الأنظار والأفكار والجهود إلى ما سميناه الجانب الأدبي من الحياة، ونسينا أو أهملنا ما سميناه الجانب العلمي منها. ونحن لا نحارب التخصص إنما نقول إن التخصص لا يتبلور بلا ثقافة، والثقافة لا تتأتى بصب الجهود في كفة تصورنا أنها هي الثقافة، ونسيان الكفة الثانية المسلوخ عنها بزعمنا إهاب الثقافة لأن هاتين الكفتين مصطنعتان ولا حقيقة لهما على الهيئة التي تصورناهما بها في واقع الحياة. لقد جئنا إلى حياة علمية واحدة لا تنقسم في واقعها وإن احتجنا إلى عدد من التخصصات لنفهمها ونعيها فقسمناها بعنف إلى حياتين متباعدتين بل أقول متجافيتين، ثم سلطنا إحداهما على الأخرى حسب تصورنا الضيق، وهذا هو الضياع بعينه في العلم، وإذا ضاع العلم ضاعت الثقافة فهي منه وبه تقوم.
نقول هذا لأن الثقافة التي نريد لها أن تكون لا بد أن تضاهي أفضل الثقافات الموجودة على الأرض اليوم، والثقافات المتفوقة في عالم اليوم لم تبن صروحها على التقليل من شأن شيء في العلم، والرفع من شأن شيء آخر فيه، بل بنتها على التكامل بين كل العلوم مع حفظ حق التخصص اللازم لذلك، وبهذا ظهر تميزها وتمت سيطرتها الظاهرة على ما سواها من ثقافات. إن الثقافة اليوم بحكم ما نعيشه من تقارب تقني مع أطراف عالمنا الضخم هي ثقافة تفوق، ولا بد لهذا النوع من الثقافة من عتاد يناسبه، وإلا بقيت ثقافة تلقّ لا نجني منها سوى الإرهاق والعنت والتبعثر.
والذي نراه أنه مهما تطورت سبل الاتصالات، وتعددت أشكالها، وتلونت معلوماتها، وزاد تدفقها فإنها تبقى في واقعها وسائل لتطوير وسيلة أظهر وأنفع وأجدى في نشر العلم، وصنع الثقافات ألا وهي الكتاب. فهل العلاقة القائمة بين أفراد مجتمعنا والكتاب حميمة؟ ما قيمة الكتاب في حياتنا؟ هل إذا لزم المرء حل مشكل ما بحث عنه في الكتاب قبل غيره؟ ولكي لا نجهد أنفسنا في البحث عن إجابة صحيحة لهذه الأسئلة وغيرها، يكفينا أن نعلم أن صاحب الكتاب مؤلفاً كان أو مستخدماً هو من أضعف الناس في مقومات الحياة، لذلك عزفت الأمة عن الكتاب، فعزف عنها التطور.
إن الأمل فيمن يهمه شأن الثقافة أن يتلمس السبل الكفيلة بإنجاز ثقافة وعي متكامل لا ثقافة ابتسار وتقزيم. نريد ثقافة لا تنظر إلى العالم من منظور تجاوزه هذا العالم وخلفه وراءه من سنين. ونريد ثقافة قوامها الكتاب الراشد المفيد المثمر، فما جعل جل طلبة الجامعات، على سبيل المثال، يخرجون منها بثقافة ركيكة إلا لأسباب أولها إبعادهم عن الكتاب، وعدم ربطهم بأصول المعارف من خلاله.
ولنمو الثقافة في الأمة شواهد منها: أن ترى تجارة الكتاب رائجة، وأن ترى مكتباته منتشرة في أحياء المدن للقراءة والاستعارة لا للشراء، وأن ترى الناس يتسابقون على اقتناء الكتب كتسابقهم على المطاعم الحديثة في مدنهم، وأن ترى صاحب الكتاب في نعمة يغبطه عليها الآخرون، وبالله التوفيق.


* أستاذ هندسة المساحة ونظم المعلومات الجغرافية
جامعة الملك سعود

الصفحة الرئيسة
الملتقى الأول للمثقفين السعوديين
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved