الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 20th September,2004 العدد : 77

الأثنين 6 ,شعبان 1425

الأدب للخاصة والثقافة للجميع..!
أ. د. عبدالله بن علي بن ثقفان*

نحن في هذه البلاد إن لم نلتقِ على موائد المناقشات واللقاءات، فإننا وبحمد الله نلتقي بقلوبنا وإن باعدت بيننا المسافات، وتفرقت بنا الأمكنة، ومع ذلك، فإن من الجميل أن نلتقي على موائد المعرفة، وتلك بادرة هي الأجمل ان دعت إليها (وزارة الثقافة والإعلام) لتثبت اهتمامها بما أضيف إليها..، وهذه الدعوة لا إشكالية فيها، إلا أن الإشكالية تتمثل في الإجابة عن السؤال: مَن الذي سُيدعى إلى هذا اللقاء؟؟
وتتمثل الإشكالية في الإجابة في أن كلاً منا يدّعي وصلاً (بالثقافة) سواء أقرّت بهذا الوصل، أم لم تقر!!
كلّنا في هذا الوطن نحمل القلم،
وكلّنا يدّعي (العلم)، ومَن ذاك الذي يدّعي الجهل؟!
وكلّنا ندّعي الثقافة!! وأين نجد الشخص الذي لا يدّعي ذلك؟!
ولأن (الأوراق) تختلط كثيراً في مفهوم الثقافة، فإن المحاولات وعلى الدوام قد فشلت في إيجاد قوانين عامة لتحديد (المثقف)، فمَن هو إذاً؟؟ (انظر: نظرية الأدب)
* هل هو الذي يأخذ من كل فن بطرف، وهذا من الندرة لشيوع التخصص الدقيق والأدق الذي حوّل البعض إن لم تكن الغالبية إلى أميّة مثقفة حتى ان حملت أعلى الشهادات، أو رقت أعلى الدرجات الوظيفية.
* أم هل هو صاحب الموهبة؟
* أم صاحب التخصص الحاذق فيه؟، وأي تخصصٍ هو؟
صحيح أن البعض قد حاول البت في مسألة المثقف كما فعل (البيومي) في مقالة له في مجلة الفيصل عدد (204)، ص 16 شهر جمادى الآخرة 1414هـ معتمداً في ذلك على كتاب (هموم المثقفين) للدكتور زكي نجيب محمود، إذ قال:( إن المثقف إنسان بضاعته أفكار يقتنيها إما عن طريق إبداعها أو عن طريق نقلها، لكن هدفه الأساس أن يظفر بفكرة تتقدم بها الحياة...)
إننا إن سلّمنا لما قاله الكاتب المذكور، فإن من الواجب دعوة:
* أصحاب المواهب كلهم بين
* وأصحاب التأليف.
وهنا نعود لإشكالية التحديد، خاصة أن هذه البلاد تحوي الكثير والكثير من أصحاب المواهب، أما أصحاب المؤلفات، فحدّث ولا حرج.
إنني ومن هذا المنطلق أشعر أن المنظمين لهذا اللقاء سيقعون في حرجٍ كبير أمام الكم الكبير من مثقفي هذه البلاد، إذ أتوقع أن دعواتهم ستقتصر على الأسماء المشهورة، فإذا بنا مع (شللية الدعوات) التي عانينا ونعاني منها كثيراً في (مهرجان الجنادرية)، وفي الدعوات لحضور الأسابيع الثقافية التي تمثل هذه البلاد في الخارج، بل حتى في (النوادي الأدبية) ثم تعدّت إلى (الندوات والمجالس الخاصة). إن (الثقافة) في هذه البلاد تمثل مُنتجاً يحوي أنواعاً متعددة، ولكثرة هذه الأنواع، فإنه من الصعوبة تحديد (شخصية المثقف) إذ هو يمثل جزءاً من كل، وبالتالي فإن حصره في زاوية محددة يشار إليها وأنها تحوي (المثقف) من الاستحالة. إن ما زاد في هذه الإشكالية أن المثقفين لدينا في هذه البلاد وهم يمثلون ثقافة الأمة بشكل عام يندرجون تحت مجموعات ثلاث:
* مجموعة تعيش مع الماضي وتحرص عليه أكثر من حرصها على الحاضر.
* مجموعة تعشق التحرر غير مدركة أن رسالتنا في هذه الديار غير رسالة أولئك الذين يقلدونهم.
* مجموعة تمزج بين الماضي
والحاضر، فتأخذ بوعي وإدراك ما تحتاجه منهما، وهي فئة غالبة،(انظر هموم المثقفين)، ص 14
لكن هذه المجموعات تندرج في مدارج الفكر بشكل عام، ولذلك فهي تقربنا إن أخذنا على محمل (الثقافة) إلى الأدب، فإذا نحن مع مؤتمر الأدباء، وهنا أجد أن هذه الوزارة قد سبقت (جامعة) كانت تفكر في الدعوة لمؤتمر الأدباء الثالث بعد أن عقد في دورتيه الأولى والثانية في رحاب جامعتي الملك عبدالعزيز وأم القرى، وإذا بها تدور في فلك كان معهوداً ولم يكن مسبوقاً.
إننا كلنا ندرك أن (الثقافة) لا تلد مع شخص معين، بل هي للناس كلهم، بينما (الأدب) يلد مع أشخاص يتصفون بصفات كما قال (كلود روي) في كتابه (دفاعاً عن الأدب)، وبالتالي، فإن (الأدب) محدد، يُعرف أصحابه، بينما الثقافة للكل، وبهذا، أقول مذكراً (اللجنة القائمة)،:
إن لدينا في هذه البلاد أكثر من (ابن جاخ)، ذلكم الشاعر الأندلسي الجاهل الذي قدم إلى (المعتمد بن عباد)، قاصداً إياه لطلب الرفد، فإذا بالشللية قد حالت دون ذلك، فقال لهم شعراً مضحكاً علّهم يخلون سبيله ويسمحون له بالدخول على الأمير:
إني قصدت إليك يا عبّادي
قصد القليق للجري بالوادي
وفعلاً دخل على الأمير، وما ان وقف أمامه وانتظره أهل الشلة ليقول ذلك الشعر المضحك أمام الأمير، فإذا به يقول بعد مقدّمة:
إن القريص لكاسد في أرضنا
وله هنا سوق بغير كساد
فجلبت من شعري إليك قوافياً
يغني الزمان وذكرها متمادي
من شاعر لم يضطلع أدباً ولا
خطت يداه صحيفة بمداد
فقال له الأمير بعد سماعه للقصيدة: أأنت ابن جاخ؟؟، فقال: نعم، فقال: اجلس فقد وليتك رئاسة الشعراء، وأحسن إليه، ولم يأذن في الكلام في ذلك اليوم لأحد بعده.
إن هذه البلاد تحوي الكثير من مثل هذا الشاعر، لكن الشللية والشلل لم تفسح لهم المجال في الإعلام، وبالتالي: فكم لدينا من مثقفٍ مغمور تبقى أناته بين جوانحه، ولا سبيل لإخراجها.. لأن الدعوات لدينا أصبحت مخصوصة.
إنني أدعو أعضاء اللجنة القائمة (إن أمكن)، إلى التريث في الدعوات، كي لا تتهم الجهة المعنية (بالثقافة) بالسير في ركب من سبقها، خاصة أولئك الذين تعقد المهرجانات والندوات تحت إشرافهم، ولذا فإن الأمر يدعو لمزيدٍ من التفكير، والتريث في الحكم كي تكون الدعوة شاملة، ويكون اللقاء لقاء محبة للكل لا لقاء شللية خاصة، والله المعين في كل حال.

* أستاذ جامعي

الصفحة الرئيسة
الملتقى الأول للمثقفين السعوديين
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved