Culture Magazine Thursday  03/06/2010 G Issue 313
فضاءات
الخميس 20 ,جمادى الآخر 1431   العدد  313
 
من المطوي المنشور
مقالة الغذامي في تأبين البنكي أثارت شجون الرحيل
أحمد بن علي آل مريع

قرأتُ ما كتبه أستاذنا الدكتور عبد الله الغذامي في تأبين البنكي - رحمه الله - فتأثرت، وكتبت على الفور نبضًا أردته حروفًا مطويّة وخاصّة لصديقي وأستاذي الدكتور إبراهيم التركي، لمعرفتي بمكانة الغذامي من نفسه وعقله، ولذلك بعثتها له في (S.M.S). غير أنه رغب إلي في نشره، ولا أملك أمام ذلك إلا الموافقة.

وقالوا: أتبكي كل قبرٍ رأيته

لقبرٍ ثوي بين اللّوى فالدكادك

فقلت لهم: إنّ الشّجى يبعث الشجّى

دعوني فهذا كله قبر مالك

أبا يزن: أقسم أنَّ مقالة شيخي الدكتور عبد الله الغذامي في رثاء محمد البنكي أبكتني وأشجتني، ولكني أستحي أن أكلمه، وأستحي أن أراسله بشأنها، فقد قرأت بين سطورها شوقًا! وأي شوق إلى الارتحال... وهو شوق وجدته من قبل عند شيخي علي الطنطاوي -رحمه الله - وأ.د. محمود الفياض وأ.د. علي العمّاري وأ.د. عبد الرازق فضل والشيخ الفقيه يحيى معافى، والخال الدّاعية الشيخ محمد بن مانع الدوسري - رحمهم الله جميعًا - وأجده الآن عند والدي...

هذه النفوس التي صقلتها الصلاة لا تكاد تجتمع في هذه الفانية على شيء اجتماعها على الشوق إلى لحظة الارتحال إلى الحق، وكأنها قد تخففت بالسجود مما يثقلها، وأمنت بالتوحيد مما يخيفها، وتطهرت بماء مآقيها من أوشاب الطريق، وأنست بالله وتعلقت برحمته وبحسن الظن به فأحبّت لقاءه.

نعم! وقد وجدتُ ذلك عند كثير من (شيَّاب الحمد) الذين خضبوا لحاهم بمهجهم، وهم يعاينون أسرار ربهم في خلقه، ويقرءون خطابه في كتابه. لذلك اعتذرت في ورقة الإهداء على رسالتي للماجستير - وكانت عن الشيخ علي الطنطاوي - اعتذرتُ عن إهدائها إليه؛ لأني وجدته قد استدبر الدنيا واستقبل الآخرة...

لقد استدعاني أبي منذ ليالٍ على عجل فلمّا حضرته وجدته قد أخرج أكفانه واغتسل للقاء ربه وتطيب، وقال: اذهب بي إلى الطوارئ بمستشفى عسير، فأخذته وأنا أغالب نفسي وأحبس دمعي حياء وحشمة، أخشى أن أفسد عليه استبشاره وفرحته، ففي لحظة الفرحة من العار أن نحزن! وقال لي: «ستّ سنوات لم تفتني تكبيرة الإحرام في المسجد، ولن أحزن على شيء أتركه إلا المسجد، ورمضان القريب، وأختي، وأني أختم في كل ستة أيام». وبقي تحت الملاحظة القلبية أيامًا، لكن إذا سمع النداء خلع ما عليه... ولبس ثيابه، وأَمَّ مسجد المستشفى؛ فإذا لامه الطبيب قال: دواء قلبي هناك بين أكفّ المتضرعين! وكتب الله له الحياة؛ فعاد إلى البيت يقود سيارته، وما زال، لكنّه حين عاد؛ كان كمن فقد عزيزًا أو استعجل لذّة فحرمها.. ولم يلحظ هذا أحدٌ كما لاحظته؛ لأني رافقته في الذّهاب ورافقته في الإياب. وها هو يستحثّ فرحته وأشواقه: يختم في كلّ ثلاثٍ مرّة، ولا يفتأ يذكر أحبابًا وأصحابًا وخصومًا رحلوا؛ ورحل معهم كلّ شيء إلا دعاءه لهم، وشوقًا كان يسوقهم، وهو يحدوه إلى حيث لا مخمصة ولا سخيمة..

لقد كتب الغذامي في تأبين البنكي - رحمه الله - فبكى وأبكى، ولكني قرأتُ فيه ما كتب عن نفسه هو، وما جاهد في كتمانه من الشوق؛ صحيحٌ أنه ليس في الدنيا - والله - ما يغري بها أمام لحظة المكاشفة الكبرى حيث يستنجز الإنسانُ ربَّه حسنَ ظنه ولذّة الشوق إلى لقائه! وهو تعالى عند حسن ظنّ عبده به؛ لأنه الملك الرحيم الغفار الكريم الجواد. ولكني أذكّر الغذّامي - بما ذكّرتُ به أبي - أذكّره بما يحبه من الصالحات: دعاءه لوالديه، وسجادته وخلوته، ومسجده ومناجاته، وظمأ الهواجر، وكلمة الحقِّ، وخدمة الناس، وبرّ البنات وتلاوة الآيات.. إنّ هناك متعًا حقيقية تستدني الأشواق، وتزيد الرضا، وتستمطر الرضوان ولولاها ما أسف الآسفون العارفون على شيء...

وأشهد لله أنه لم يغمرني أستاذ بحبّ ولم يتمكن من قلبي أحد كما تمكن الغذامي: العالم المؤمن الإنسان.. وأشهد على نفسي أني لم أخجل من تقصيري بحق أحد من أساتذتي خجلي من تقصيري بحقّه..

متعنا الله بحياة أستاذنا الدكتور عبد الله الغذامي، ومدّ في عمره على طاعة الله ومرضاته، ورحم الله المستقدمين منا والمستأخرين.. وطوبى ثم طوبى ثم طوبى للمؤمنين..

aaljooni@hotmail.com أبها
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة