Culture Magazine Thursday  04/11/2010 G Issue 322
أوراق
الخميس 27 ,ذو القعدة 1431   العدد  322
 
بين قديم الشعر وجديده
عبد الله بن أحمد الشباط

ما أن التقيت صاحبي حتى بادرته القول: أنت إنسان من جيل مضى.

قال: ما الدليل سلمك الله؟

قلت: لأنك متعلق بالشعر القديم، كالمعلقات، وغيرها من منتقيات الشعر كالمفضليات والأصمعيات وطرديات أبي نواس (1) ونقائض جرير (2) والفرزدق (3) وغير ذلك من الشعر الذي أصبح في طوايا التاريخ بينما الساحة الأدبية الآن تعج بمئات بل بألوف الشعراء والمبدعين الذين لهم في ميادين الشعر أقدام راسخة.. فمن الشعر العمودي إلى شعر التفعيلة إلى الشعر المنثور، وكلها ذات بريق ولمعان يبهر العيون ويخلب الألباب من حيث وحدة الموضوع وأناقة التعبير وقرب المعاني.

قال: أتقول ذلك جاداً؟

قلت: نعم.

قال: هل في شعراء اليوم من يستطيع أن يقول:

السيف أصدق أنباء من الكتب

في حدّه الحد بين الجد واللعب (4)

أو منهم من يقول كقول أمية بن أبي الصلت:

إله العالمين وكل أرض

ورب الراسيات من الجبال

يناها وابتنى سبعاً شدادا

بلا عمد يرين ولا رجال

وسواها وزينها بنور

من الشمس المضيئة والهلال

ومن شهب تلألأ في دجاها

مراميها أشد من النصال

وشق الأرض فانبحست عيوناً

وأنهاراً من العذب الزلال

وبارك في نواحيها وزكى

بها ما كان من حرث ومال

فكل معمر لا بد يوما

وذي دنيا يصير إلى زوال

ويفنى بعد حين ثم يبلى

سوى الباقي المقدس ذي الجلال

أو هل من شعرائك من يقول مثل قول عروة بن الورد (5)

أليس ورائي أن أدب على العصا

فيأمن أعدائي ويسأمني أهلي

رهينة قعر البيت كل عشية

يطيف بي الولدان أهدج كالرأل (6)

أقيموا بني أمي صدور ركابكم

فإن منايا القوم خير من الهزل

فاتكم لن تبلغوا كل همتي

ولا إربتي حتى تروا منبت الإبل

رجعت إلى (حرسين) إذ قال مالك

هلكت وهل يلحي على بغية مثلى(7)

لعل انطلاقي في البلاد ورحلتي

وشدي حيازيم المطية بالرحل

سيدفعني يوماً إلى رب هجمة

يدافع عنها بالعقوق وبالبخل

وهناك الكثير الكثير من هذه الدرر التي لا يمكن الإتيان بمثلها.

قلت: اسمع.. إن هذه الأشعار رغم جودتها وقوتها فإنها لا تعدو تعبيرا عن حالة معينة صاغها الشاعر بأسلوب عصره.. ولا شك أن في كل عصر نوابغ، ولكل عصر رموزه ولغته وأساليبه التعبيرية المتميزة.

قال: مثلاً؟

قلت: في القديم كان الأسلوب الأمثل للتعبير الشعر ثم الخطابة.. وفي العصر العباسي دخل أسلوب ثالث هو أسلوب المقامة وأسلوب الرسائل.. أما الآن فقد وصلت إلى الميدان أساليب المقالة، والقصة، والرواية، والمسرحية، والقصيدة، وانقسمت أشكال القصيدة وتنوعت أساليب تعبيرها من المباشر إلى الرمز، وهذه أساليب لو ظهرت في الأزمنة الغابرة لاعتبرت نوعاً من العبث والجنون!

قال: هل تقصد أن القدماء ليس لديهم من الملكة والعلم والثقافة ما يفرقون به بين العمل الجاد وبين العبث والمجون؟

أليس هذا عقوقا وإجحافاً بحق الآباء والأجداد؟

قلت: لا.. فنحن في هذا الجيل لسنا أفضل من الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء بدعوة الحق.. فلما أسمعهم القرآن الكريم قالوا: إنه جنون وإنه سحر.

والقرآن غاية البلاغة» لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه»

قال: نعم إن قوة التعبير البلاغي الذي اتصف به القرآن الكريم هو الذي وضعه لديهم فوق مستوى التعبير العادي.. أما أدبكم الحديث هذه الأيام لو سمعوه لقالوا عنه: إنه هذيان محموم.

فقلت: ما أنصفت صاحبي وكنت أعهدك منصفاً.

قال: حتى أكون منصفاً أسمعني شيئا من هذا الذي تفاخر به.

قلت: اسمع.. هذا شاعر يصف أمجاد بلاده فيقول:

دنيا بها من كل فن ساحر

ولكل ما تصبوا النفوس مصور

ورأت بها لغة العروبة بيئة

شعرية توحي وجو يسحر

وإذا الضفاف نشائد مسحورة

فكأنما في كل ثغر مزهر

الملهمون المبدعون تسابقوا

فيها بمدرجة الخلود وشمروا

شعراء عبدالقيس تهزج بالهوى

فيجيبها من بكر رهط أشعر

فيها جنى أبن العبد يستثير غرامه

فيظل في أطلالها يتحسر

و»ابن المقرب (8) لم تزل آثاره

بالفخر والشكوى تضج وتزار

ول» جعفر الخطي(9)» فن خالد

وروائع غنى بهن السمر

هذي بلادي في قديم عهودها

علم وفن خالد لا يدثر

واليوم يدفعها الطموح لنهضة

يشبابها تسمو الشعوب وتكبر

قال: جميل ولكنك لم تقل لي لمن هذه المقطوعة.

قلت: إنها من قصيدة قالها الشاعر عبدالله الجشي (10) قبل نصف قرن في القطيف.

قال: إن أسلوب هذه القصيدة إسلامي.. أما روحها فجاهلية فهو ما زال يفخر بالآباء والأجداد دون أن يذكر شيئاً من مفاخر معاصرية بينما الشعراء الجاهليون ومن جاء بعدهم كانوا يفخرون ويذكرون مآثر معاصريهم وينوهون بأعمالهم ويشيدون بمفاخرهم كالفروسية والنجدة والشهامة والكرم وحماية الجار وإغاثة الملهوف. قلت: لا تظن أن الإبداع قد وقف عند هذا الحد بل تواصل منذ ذلك العهد حيث انتشر عبر وسائل الإعلام ودور العلم والجامعات والمكتبات والأندية فتنوعت الإبداعات وغطت مساحة كبيرة من الجوانب الثقافية وفي كل يوم سوف ترى جديداً جيداً وإن شئت أسمعتك المزيد والمزيد.

قال: لا.. فقد أدرك شهر زاد الصباح.

* * *

1 -أبو نواس: أبو علي الحسن بن هاني (145-198ه) من أعظم الشعراء العباسين.

2 -جرير: بن عطية بن الخطفي (653-733م) أحد شعراء البلاط الأموي.

3 -الفرزدق: أبو فراس همام بن غالب التميمي توفى عام (114ه) أحد فحول الشعراء الأمويين.

4 -الأبيات لأبي تمام.

5 -عروة بن الورد: (أبو نجدة) شاعر فارس صعلوك من بني عبس له ديوان - توفى سنة 596م.

6 -أهدج: يمشي بخطوات قصيرة - الرأل: فرخ النعام.

7 -حرسين: جبل في ديار عبس.

8 -ابن المقرب: جمال الدين علي بن المقرب بن منصور العيوني أحد أبناء الحاكمة في البحرين في القرن السابع الهجري - له ديوان شعر مطبوع في بومبي عام 1310هـ توفى في الأحساء عام 630 هـ (أنوار البدرين ص 394 - علي بن الشيخ حسين البلادي)

9 -جعفر الخطي: أبو البحر جعفر بن محمد الخطي من شعراء القطيف في العهد التركي توفى بشيراز عام 1029هـ (القطيف - محمد سعيد المسلم ص 368)

10 -عبد الله الجشي: شاعر من القطيف من مواليد عام 1342 هـ شارك في تأسيس الرابطة الأدبية بالنجف وأسندت إليه مهمة تحرير مجلة (الغري) له ديوان صدرت له عدة مجموعات شعرية

- الدمام
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة