Culture Magazine Thursday  06/05/2010 G Issue 309
فضاءات
الخميس 22 ,جمادى الاولى 1431   العدد  309
 
(تساؤلاتٌ أو خواطرُ)
من وحي الأمسية الأخيرة.. الأخيرة!
فيصل أكرم

هي أمسية شعرية أعادتني من بيروت إلى جدة، فيها ما فيها - كالعادة - من الملذات والمرارات، ولكني لن أتحدث عن أيّ شيء سلبيّ متناسياً إيجابياتٍ كثيرة لمستها.. فحسن الاستقبال والضيافة والأسلوب الراقي والصادق محبةً كان الأغلب في كلّ الأحوال..

غير أن أشياء قد تكون (عفوية) تحدث، ولا بدّ أن نتجاوز عنها، فإن أخذتُ أطرافاً منها فللحديث عن الأمسيات الشعرية بشكل عام. ولن أقصد أبداً تلك الأمسية التي أقامها النادي الأدبي الثقافي بجدة، مساء الثلاثاء 27 أبريل الماضي، لأتشارك فيها مع الشاعر الأستاذ حسن الزهراني (رئيس نادي الباحة الأدبي) فكل شيءٍ كان على ما يرام!

وهذا ال(ما يرام) قد يستفزني لطرح أسئلة قد تكون طريفة أو غريبة كطرافة أسبابها وغرابتها!

مثلاً: كيف ولماذا ومن أين نشأت الطريقة التي باتت آلية معتمدة في كلّ الأمسيات الشعرية (المشتركة) وهي أن تكون على شكل (جولات!) يقرأ شاعرٌ قليلاً، ثم زميله قليلاً، ثم يعود الأول قليلاً، ثم الآخر قليلاً، ثم...؟!

هل هي مساجلة شعرية؟ أم مبارزة؟ أم مسابقة؟ أم - كما هو مفترضٌ (أمسية)؟!

الشاعر، يا أيها المنظمون للأمسيات، كيانٌ مستقلٌ أقرب تشبيهٍ له هو (الكتاب).. فهل تريدون للحاضر في أمسيةٍ لشاعرين أو أكثر أن يكون كمن يتنقل في القراءة بين كتابين أو أكثر - في وقتٍ واحد - كأنه يجري بحثاً عن شيء ما؟!

إذا افترضنا أن الشاعر في الأمسية ليس كتاباً بل هو منشدٌ أشبه ما يكون ب(المغنّي) فهل رأيتم مغنياً - أو مطرباً - يقف أمام الجمهور يغني قليلاً ثم زميله يغني قليلاً ثم يستمرون في هذه الطريقة من (الجولات)؟!

أجزم أن ذلك لا يحدثُ إلاّ حينما تكون الأغنية على طريقة (دويتو) أو (أوبريت) أو (مسرحية) مصنوعة أساساً بكتابة ولحنٍ وأداءٍ في غاية الانسجام.

أما أن نأتي بأكثر من شاعر، ولكلّ شاعر عالمه وخصوصيته ونضعهم (أو نضعهما) في هذه الآلية التي لا تخدم أياً منهما ولا تصل للجمهور بأيّ شيء من الشاعرين (أو الشعراء) فهذا ما لا أفهمه ولم أستطع استيعاب جدواه..!

في أمسيةٍ قديمةٍ لي، وكانت مشتركة مع شاعر آخر، طلبتُ من مدير الأمسية أن يختصر الجولات المعتادة (المتعارف عليها) إلى جولتين اثنتين طويلتين كيما يتاح لكلّ شاعر أن يقول قصيدته الطويلة كاملة، أو عدة قصائد متتابعة تدخل الجمهور في جوّه الشعري حتى الثمالة!

وأجزم أن تلك الأمسية (أو تلك الطريقة) كانت هي الأنجح والأمتع بمراحل من طريقة الجولات الأربع، أو الخمس.. التي لم أشأ أن أطلب من الأستاذ عبد الله التعزي (مدير أمسية جدة) تغييرها لأنني قلتُ في نفسي: فلأجربها، ثم أنظر كيف هي..؟!

طبعاً هذا لأنني مقلٌّ جداً في الأمسيات، برغبةٍ مني وليس تجاهلاً من السادة القائمين على تنظيمها.. ولهذا أجدني دقيقاً في الحرص على أن يكون كلّ شيء (على ما يرام)!

ذلك هو السؤال الأعرض، وأتمنى أن أعثر على إجابةٍ عنه.. وثمة أسئلة طريفة أخرى تتعلق بالتغطيات الصحفية، إذ لا تملك غير الضحك حين يأتيك صحفيون بسؤالٍ واحد: ماذا قرأتَ من قصائد في الأمسية لأكتبها في الخبر..؟!

ماذا كان يفعل الصحفي العزيز إذاً أثناء حضوره - إذا كان حاضراً أصلاً - ألم يسجّل أو يكتب أيّ شيء؟!

هل على الشاعر أن يتذكّر ماذا قرأ في الأمسية (وهو يقرأ ما تقع عليه عيناه من دواوينه) ليعيد قراءتها على المحرر الصحفيّ حتى يكتب الأخير خبراً لصحيفته؟!

(إن الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) فلماذا أصبح معظم الصحافيين الثقافيين، الجدد منهم تحديداً، متكاسلين وغير مبالين بإتقان أعمالهم لدرجةٍ باتت سمةً معروفةً عنهم لدى جميع المتعاطين مع الشأن الثقافيّ؟!

هل مات الطموح وحل محله الشعور باللا جدوى من الصحافة الثقافية؟!

عفواً، هي خواطر على شكل تساؤلات خرجتُ بها من أمسية جدة عائداً إلى الرياض، بعد أن كسرتُ إقامة مطوّلةً رتبتُ لها في بيروت.. ولا أستطيع إخفاء ما ألمحتُ إليه في مطلع المقالة بعبارة (المرارات) ولعلها باتت سمةً أيضاً لأمسيات الأندية الأدبية أن يغيب عنها رئيس النادي، ونائبه (من دعاني إليها) وغيرهما ممن كنتُ أتوقع حضورهم.

فكما للغياب عذرٌ، كان من الأولى تأجيل الأمسية للعذر نفسه حتى تحظى بما يليق بالمكان وبمن أتاه من مكانٍ بعيد.. ولا أظنّ (الجدولة) لأنشطة النادي مقدسة لدرجة أن يستحيل تغيير موعد (الأمسية الشعرية) عن اليوم المحدد من كلّ شهرٍ أو أسبوع!

هل أزيد من تساؤلاتي، فأتساءل عن الجدوى من أخذ أكثر من نصف وقت الأمسية لاستجداء (مداخلات) من جمهور لم يحضر ليقول شيئاً.. فراح واحدٌ يتحدث عن أشياء تخصه وحده، وآخر يقول رسالة لحبيبته، وطفلٌ يقول (قافية نبطية)..؟!

ليت الأندية الأدبية تخصص (أمسية) كلّ أسبوع لمشاركات (الجمهور) دون سواه، وتدعو إليها محترفي الأدب للاستماع فقط، وبالتالي تلزم الجمهور أن يكون مستمعاً فقط عندما يأتي اليوم الذي يحضر فيه (شعراء) من أماكن بعيدة لإحياء (أمسية)!

حقيقة لستُ أدري: هل كلّ ما قلته الآن مجرد تساؤلات، أم مجرد (أمنية)؟!

بقي أن أشير إلى كوني (الحجازيّ) المهاجر إلى (نجد) منذ أكثر من عشرين عاماً، وقد منحني النادي الأدبي الثقافي بجدة فرصة التواجد بداخله لأول مرة، فشكراً له ولمن قابلته فيه (وأخصّ الأستاذ نبيل زارع.

فقد كان كأجمل ما يمكن لمضيفٍ أن يكون) وشكراً للأحبة في صحيفة (عكاظ) الذين دعوني لزيارتها قبيل توجهي للمطار ببضع ساعات اختصرت مسافاتٍ وأزمنة، فالتقيت بوجوه الثقافة في الحجاز: السريحي، والجحدلي، وفقندش، والجميل المبادر بالدعوة أحمد عائل فقيهي.. وشكراً لصديق الزمن والفنّ (فهد الحجيلان) على لوحاته الأسطورية التي ملأ بها حقائبي.

فمن كل قلبي أقول: شكراً، للكلّ على كلّ شيء، فقد استعدتُ (أو أضفتُ لذاكرتي) - في يومين فقط - أجمل الصور الحميمة لفاتنة البحر الأحمر والحجاز (جدة) من بعد غيابٍ طويل..

f-a-akram@maktoob.com بيروت
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة