Culture Magazine Thursday  07/01/2010 G Issue 293
فضاءات
الخميس 21 ,محرم 1431   العدد  293
 
أعراف
الأسوار - 1 –
محمد جبر الحربي

الأسوار والجدران والحيطان، مفردات لها في النهاية معنى واحد، وإن اختلفت دلالاتها، وما يراد منها باتخاذها حول فضاء معين.

فجدَر الجِدارَ حوّطهُ، واجتدرَ الحائطَ بناه وشيّدهُ، والجَدْر جمعه جُدْران، والجدار هو الحائط جمعُه جُدْر، وجُدُر.

والحائط هو الجدار وجمعه حيطان، من الفعل حاط، وحوّط المكان بنى حوله حائطاً، أمّا السور وهو الحائط يطوف بالمدينة، فمِن سَار وجمعه أسوار وسيران، ويأخذ في الغالب صبغة العلو والطول، أما إذا سَوّرتَ المرأة فقد ألبستها سِواراً.

وفي نفس السياق نجد أن الحجرة، والحاجز، من المفردات القريبة مما سبق من حيث معنى الحجر والحجز والعزل.

وإذا كان سور المدينة يمنع عنها الأعداء، ويحميها من الغرباء، فإن سور السجن يمنع النزلاء تلطفاً، أي المساجين حقيقةً من المغادرة والهرب.

ومن أشهر الأسوار في العالم سور الصين العظيم الذي يصل طوله إلى أربعة آلاف وستمائة كيلومتر، وقد ابتناه الصينيون القدماء منذ القرن الرابع قبل الميلاد لحماية بلادهم من الغزاة، وتمت إعادة بنائه وإصلاحه مرارا، كان أكبرها مع بدء العهد الجديد في الصين عام 1949. أما اليوم فلم يعد للسور أهمية فعلية سوى للسياح، ودارسي الآثار.

وأسوار القلاع والحصون لدى الحضارات القديمة منذ الإغريق والرومان دلالة على عظمة وقوة تلك الإمبراطوريات، لكن ذلك لم يمنع الجيوش الغازية من إيجاد الحلول لتجاوزها سواء عبر الحصار والتجويع أو عبر التحايل والخديعة.

وسياسياً يكتسب سور أو جدار برلين أهمية خاصة، وضجيجاً إعلامياً أكبر بسبب إزالته لا بسبب بنائه، وقد قامت ألمانيا الشرقية بتشييده عام 1961، فقسم برلين إلى غربية وشرقية، وأصبح يفصل بين معسكرين وفكرتين وحلفين في حقبة الحرب الباردة، ولكنه يقسم قبل ذلك مدينة واحدة، وشعباً واحداً، كما يفعل الاستعمار، في كل زمان ومكان.

وفي عام 1989 بدأت بوادر انهيار الجدار برفع قيود التنقل بين الشطرين فتدافعت الجموع نحو السور في حركة لا تنسى، إلى أن كانت الوحدة الألمانية عام 1990، ليصبح السور مجرد ذكرى مريرة لفظاعة الحروب، والاحتلال، وما يفعل كل ذلك بالإنسان، كما هو حاصل اليوم بين الكوريتين، من فصل لشعب واحد، وتفريق للسكان والعائلات.

وليس ببعيد عن ذلك أقبح الأسوار في العالم، وأكثرها تمييزاً عنصرياً، وهو السور العازل بطول 364 كيلومتراً في مخططه النهائي، وهو السور الذي بدأت إسرائيل في إقامته في فلسطين، في قلب الضفة الغربية، حيث يقتطع أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية، ويقسم القرى، ويعزل السكان عن أراضيهم، وكأنه لا يكفي الاحتلال والتقسيم والتهجير والإبادة، وكأن أسوار السجون الإسرائيلية، والحواجز، والحدود المصطنعة، والمفارز، والمتاريس لا تكفي!!

ومع تطور الإنسان، تطورت نزعاته العدائية، وتغيرت أساليب حروبه، وأسلحته، وكذلك وسائل دفاعه، فتحولت الأسوار من الحجارة والطين إلى الأسمنت، إلى خليط من كل ذلك مع الأتربة والرمل كما في خط بارليف الإسرائيلي الذي تجاوزه المصريون بجدارة عام 1973 ، ثم طورت الأسلاك الشائكة إلى الأسلاك المكهربة، حيث غذيت بشحنات عالية من الكهرباء الصاعقة، ثم دعم كل ذلك بأنياب الكلاب الفاتكة.

أمّا دينياً فهنالك سور الأعراف، وهو سور الجنة، وهو حاجز بين الجنة والنار: « وبينهما حجابٌ وعلى الأعراف رجالٌ يعرفون كلاً بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أنْ سلامٌ عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون» 46 الأعراف.

وهنالك حائط البراق، وهو الجدار الغربي للحرم القدسي حيث المسجد الأقصى، ويرتبط بقصة الإسراء والمعراج فيقال إن الرسول صلى الله عليه وسلم ربط البراق بحلقة في الجدار ليصلي قبل إسرائه، ويعتبر وقفاً إسلامياً.

وقد اتخذ اليهود، بتشجيع من الدولة الصهيونية المغتصِبة، وبتسهيل من الدولة العثمانية، فالبريطانية، فالولايات المتحدة أجزاء منه مبكى لهم، فهو لديهم حائط المبكى، بادعاء أنه جزء من هيكل مزعوم، مما يجعلهم يقومون بحفريات تهدد أركان المسجد الأقصى، للتضليل، وللاستيلاء على أراضي وبيوت الفلسطينيين، وتهجيرهم بالترغيب والترهيب، ضمن خطة صهيونية للاستيلاء على القدس كاملةً، وجعلها عاصمة أبدية للكيان الزائف.

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 5182 ثم أرسلها إلى الكود 82244

الرياض mjharbi@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة