Culture Magazine Thursday  11/03/2010 G Issue 301
الملف
الخميس 25 ,ربيع الاول 1431   العدد  301
 
توظيف مفهوم الآخروية العربية في رواية (نباح) لعبده خال 1-4
لمياء با عشن

بلادُ العُربِ أوطاني

من الشّامِ لبغدانِ

ومن نجدٍ إلى يَمَنٍ

إلى مِصرَ فتطوان

فلا حدٌّ يباعدُنا

ولا دينٌ يفرّقنا

لسان الضَّادِ يجمعُنا

بغسَّانٍ وعدنانِ

فخري البارودي

رغم أن الآخر العربي موجود بقوة في رواية (نباح) لعبده خال، ويشكِّل وجوده فيها نقاط صراع وتمايز بالقدر الذي يشكِّل فيها مواقف قبول وتعايش، إلا أن الرواية لا تعنى كثيراً بمنظومة الأنا والآخر والأيديولوجيات التي تغذيها؛ فهي في مجملها صرخة اعتراض على مفهوم الآخروية العربية من أصله. وظف عبده خال هذا المفهوم بغرض نقض تأسيسه وتكوينه، فبينما يرسم الحدث الروائي ملامح ذلك الآخر ويؤكد اختلافاته فإن نبرة استنكار مفهوم الآخر العربي ورفضه تتردد بين طيات النص الذي يعبر عن استياء واضح من وجوده، ومن تمكنه من الهوية العربية وتمكنه من تجزئتها وشرذمتها.

تنتمي رواية (نباح) إلى أدب الضالة المنشودة Quest literature، وفيها يقوم البطل برحلة طويلة بعيداً عن موطنه بهدف محدد وهو الحصول على شيء قد سُلب منه وترك في حياته فراغاً واحتياجاً، ككنز أو سر أو حكمة أو معشوقة. على غرار أوديسة هومر وملاحقة جيسون الفروة الذهبية، وسعي أبطال العصور الوسطى وراء الكأس المقدسة، والحكمة التي سعى إليها كيمائي باولو كويلهو ودون كيشوت وجلجامش، يسعى بطل رواية (نباح) في الأرض باحثاً عن امرأة واحدة فقط...233. وتشكل رحلة بحثه عنها بعد رحيلها من بلده إلى اليمن الخط الرئيس لسير الأحداث؛ فالرواية تبدأ لحظة مغادرته مطار جدة وتنتهي بعودته إليها. ويتوقف خط السرد التصاعدي في كل محطة يصلها البطل ليعود إلى الوراء مستعيداً مراحل عمرية سابقة ويحكي بدايات قادت لرحلة أخيرة هي امتداد وخاتمة للعديد من الرحلات السابقة التي باءت بالفشل. يضع الجزء الأخير من الرحلة التي استغرقت عشرة أعوام نهاية للترحال والتفتيش عن.. امرأة بعينها... 278

ولأدب الضالة المنشودة عناصر أخرى تشترك فيها (نباح):

1) في الغالب يكون الرحالة الباحث رجلاً، أما المرأة فهي المطلب، أو هي الضحية التي يجد البطل المخلّص نفسه مُلزماً بإنقاذها، فينشأ بينهما خط رومانسي، عندما يجد بطل (نباح) حبيبته تُلزمُه، وهي المطلب والضحية، بعملية إنقاذ يخلصها بها من ورطة

كبيرة.

2) أن يظهر البطل مسكوناً بالبحث فهو منساق نحو مغامرته ومهمته الحياتية الوحيدة بشكل قدري يفصله عن أهله وعن مجتمعه. في (نباح) تتملك من البطل الرغبة في الرحيل والبحث وتجعله يتململ من ارتباطه بزوجته ويتهرب من أبنائه ويروم الانفصال عنهم.

3) هذا الانقطاع هو المرحلة الأولى في الرحلة التي يليها التحول، ثم العودة إلى نقطة الانطلاق. ويمثل الباحث الرحال نمطاً للتحول والانبعاث؛ فالرحلة التي تتضمن البحث عن الهوية على المستويين الفردي والجمعي تُخرج البطل من الجهل إلى المعرفة، وتعلمه درساً يضيء وعيه وينير بصيرته. تستدعي أبعاد هذه الهوية التوازن والاستقرار النفسي والاجتماعي والثقافي، والاستقرار هو أعلى الدرجات التي يصلها الباحث.

كذلك بعد أن يصل بطل (نباح) إلى حبيبته التي فتش عنها طويلاً يخرج من عندها أيضاً وهو يلعق طعم الهزيمة، وهنا يكتشف البطل سر الفقد الذي عاني منه على مدى عشر سنوات، ويعرف أن الفراغ ما امتلأ، بل قاده إلى فراغ آخر. يدرك البطل في نهاية

تطوافه «أن الفراغ لا يشبع، بل دائماً يجد له فراغاً آخر يستوعبه» 12، فيتوجه صوب نقطة البداية في كامل تحوله واستقراره وهدوء نفسه المهزومة.

4) يجوب البطل في أدب الضالة المنشودة الأراضي الغريبة ويواجه الصعاب ويصارع الوحوش بغرض استعادة المفقود، فيدله الأدلاء ويساعده المساعدون حتى ينال مطلبه. وتعج رواية (نباح) بأسماء العديد من الوحوش من أصناف الكلاب والحيوانات الأليفة والشرسة من مثل: الثعالب، والعجول 8 والإبل، والأغنام 150، والبغال، والحمير 232، والخيل 109، والخنازير 60- 98-195، والضباع 28-83، والقردة 194، والغوريللا 198، والتماسيح 187، والأرانب 159، والقطط 57-63، والفئران 97- 98، والجرذان 85، وحتى الدجاج 14-59، والحشرات 85، والدود 20، والجراد 151، لكن أكثرها دلالة هما اسمان لشخصيتين تمثلان مراكز الصراع وقوى التضاد مع البطل هما: موسى الفيل والد وفاء، وغلام الوحش، الهندي الطامع بها والمدير لزبائنها. عندما يطلب البطل من الدليل محادثة الجحش يأتي صوت الرجل على الهاتف مستغرباً: «وهل تظن أني في زريبة حتى أوصلك بالجحوش؟» 196.

5) وفي الطريق يعرض النص تاريخ وحضارة وثقافة الإمكان التي يجوبها الرحال، كذلك فإن بطل (نباح) يتطرق وهو في اليمن إلى آثاره ويستعرض تاريخها العريق وثقافتها الثرية.

6) كما يساند قصة البحث الرئيسة في أدب الضالة المنشودة قصة بحث أخرى ثانوية مساندة. وفي (نباح) تساند قصة المصور السوداني الباحث عن امرأة واحدة، امرأة حارقة وكاوية كان قد التقط لها صورة في يوم من الأيام، ثم تاهت منه في زحام الدنيا. كان قدره أن تحول تلك المرأة بينه وبين الحياة، فخرج يبحث عنها في كل بقاع العالم.. «يومياً أجالسها فأزداد افتتاناً بها، بحثت عنها في كل المواقع التي زرتها سابقاً، ولا زال الأمل يدنيها مني.. يكفي أن أعرف موقعها من هذا الكون... 234».

تنطبق إذاً عناصر الشكل التركيبي لأدب الغاية المنشودة على رواية (نباح) التي تشي بوعي خفي بهذا النوع فتفصل ملامح شخصية الرحالة الباحث في وصف لجمال أبو ناب الذي يراه السارد كأحد المهاجرين القدماء يحمل زوادته في طرف عصاه النائمة على كتفه ويخب القفار بقدمين شققهما الشوك والحجارة الصلدة.. وحين يصل يقف بين يدي حبيبته مهزوماً مهدوداً 193.

lamiabaeshen@gmail.com
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة